الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
العدد 38
- بتاريخ: 01 - 10 - 1926
القارعة
أهب بالشيب واذكر الشبابا
…
فهذا لا يطيب وذاك طابا
وما كان الشباب هناك إلَاّ
…
كنجم قد تألق ثم غابا
إذا قلبي تذكره بصدري
…
تنزى خافقا فيه ولابا
مضى صحبي وأخرني زماني
…
كأن له على شخصي حسابا
أرى الأيام مذ ولى شبابي
…
علي تمر حانقة غضابا
وأني للشبيبة في أدكاري
…
كأني ناظر منها شهابا
كتبت الوكة أدعو المنايا
…
وأني اليوم انتظر الجوابا
وكنت هبطت مصر قبل حين
…
فلم اه دأ وفضلت الإيابا
ذكرت مواطني وذكرت أهلي
…
وليلى والصبابة والشبابا
وقلت لقد نأت بغداد عني
…
فليت الدهر يمنحني اقترابا
ولو أني رجعت إلى بلادي
…
لقبلت المنازل والترابا
شربت من النوى لشقاء نفسي
…
شرابا ثم لم اسغ الشرابا
ومن يشرب على ظمأ حميما
…
فليس بناقع منه اللهابا
فراق لا أعاتب فيه ليلى
…
فليلى ليس تحتمل العتابا
وقلت سأحمل الأعباء وحدي
…
ولا أشكو شقائي والعذابا
ولكني شكوت هموم نفسي
…
ليلى حين أكبرت المصابا
وكانت لا تزال هناك ليلى
…
فتاة مثلما كانت كعابا
وأنت مصدقي لو أن ليلى
…
أماطت عن محياها النقابا
وأني كلما ليلى أرادت
…
بعادا زدت من ليلى اقترابا
لقد سألتا فآلمها جوابي
…
وأن لكل سائلة جوابا
أطالب بالحقوق وكل حر
…
قمين أن يطيل بها الطلابا
وهل تخشى يد كتبت بصدق
…
دفاعا عن كرامتها تبابا
ويممت المواطن نائيات
…
حثحث من مسارعتي الركابا
ولم يك مركبي إلَاّ قطارا
…
جرى للأرض ينتهب القبابا
رأيت النار وهي لها ازيز
…
بمرجله تشق به اليبابا
سرى والليل معتكر بهيم
…
يجر وراءه غرفا رحابا
وأسرع لامسا صدر الفيافي
…
يجوب السهل منها والهضابا
يمر على البقاع وهن عفر
…
وليس يثير في المر الترابا
يشق بصدره البيداء شقا
…
كما صدعت بك الفلك العبابا
على خطين مدا من حديد
…
متين لا ترى لهما انقضابا
وكم من شقة بعدت طواها
…
وكم من بقعة قصواء جابا
فأوصلني القطار إلى دمشق
…
بيوم واحد للنفس طابا
وسرنا نبتغي بغداد منها
…
على سيارة مرقت ذهابا
فجئناها كذلك بعد يوم
…
سوي لم نلاق به الصعابا
فكنت كطائر ألفى بعش
…
بناه حية فمضى وثابا
بهاجرة لديها كان يجري،
…
لعاب الشمس أن لها لعابا
فودت أنها قبل انفلات
…
له لو أمسكت منه الذنابي
واخلق بالحياة وكل شيء
…
إليها عائد أن لا يشابا
ولما عدت بعد نوى شطون
…
إلى بلدي وجدت الشهد صابا
رأيت معاهد الآداب فيه
…
كما تقلى معطلة خرابا
ذهبت إلى الرياض فساءني أن
…
أرى عوض الهزار بها الغرابا
وأني في منابتها اعتياضا
…
عن التغريد استمع النعابا
رأيت السعد يخفي منه وجها
…
رأيت النحس يبدي منه نابا
وألفيت الذناب يذم رأسا
…
وذاك الرأس يمتدح الذنابا
وأعجب مشهد لاقيت فيه
…
خراف بعدي انقلبت ذئابا
وكنت مؤملا في غير هذا
…
من الأحوال أن القي انقلابا
وكم لي في المواطن من عدو
…
رمى سهما إليَّ فما أصابا
أقول لهم خذوا في السهل سيرا
…
وخلوا لي الوعورة والهضابا
فما لكم لدى الادلاج حول
…
على أن تسلكوا الطرق الصعابا
أتوني يطلبون الشعر مني
…
فلما لم أنل ذهبوا غضابا
وراحوا ينشرون الكذب عني
…
ومن سفه يكيلون السبابا
ولم يأبه بما قالوه إلَاّ
…
غبي أو سفيه قد تغابى
رأى الأعداء شيخا أقعدته
…
سنوه أن يحاسبهم حسابا
رأوه عن الركوب اليوم يعيا
…
وقد ركب المسومة العرابا
فقالوا أنه شيخ كسيح
…
فلا نخشى له ظفرا وتابا
فشنوا منهم الغارات تترى
…
علي فلم ألن لهم جنابا
يريدون الوقيعة بي عداء
…
وأن يقضوا على أدبي اغتصابا
ولكن لا يزال الشيخ هذا
…
يقاوي بالنهي الصم الصلابا
لقد هابتك يا قلمي الأعادي
…
وأنت فثق جدير أن تهابا
وما نظر العدى إلَاّ بعين
…
أبت أن تبصر الحق الصوابا
كذاك الحقد يسدل بين ناس
…
وبين الحق مؤتلفا حجابا
وحرب قد أثاروها عوانا
…
على حزب التجدد إذ أهابا
فخاضوها وما اتخذوا سلاحا
…
لهم إلَاّ الشتيمة والسبابا
وإلَاّ القول يعوزه دليل
…
وإلَاّ الزور منهم والكذابا
رموا بسهامهم أدبي وشعري
…
إلى أن افرغوا منها الجعابا
أشادوا بالقريض وهم أناس
…
له جهلوا وكان الجهل عابا
وابدوا في الجديد لهم ظنونا
…
ولكن اخطئوا منه الصوابا
لقد ظنوا سراب القاع ماء
…
وظنوا الماء بعدئذ سرابا
ولم احفل بهم حتى تمادوا
…
على سفه يسيئون الخطابا
فعندئذ رفعت الكف مني
…
أذود بها عن الأدب الذبابا
واربأ أن اجرد من يراعي
…
حساما ثم اجعله عقابا
وفي كفي اليراعة ذات حد
…
تبذ به القواضب والحرابا
ولي شعر كحد السيف ماض
…
أغالب فيه من يبغي الغلابا
رفعت مقامه بالجد مني
…
وكان الجد في الإنسان دابا
فقمت به وكنت له زعيما
…
أعيد إليه في شيبي الشبابا
إلى أن ذاع في الأقطار صيتي
…
فكان لحاسدي أدبي مصابا
وليس قريضهم في الذوق إلَاّ
…
عجوز غيروا منها الثيابا
وليس يغيظني أحد كغر
…
يرى في نفسه أدبا لبابا
تحفز يبتغي نقدا لشعري
…
ومنه الحقد قد ملأ الاهابا
إذا ركض اليراع يريد نقدي
…
رأيت هنالك العجب العجابا
رأيت جهالة ورأيت سخفا
…
ورأيا لم يكن يوما صوابا
تبجح وهو لم يبلغ نصابا
…
فكيف يكون لو بلغ النصابا
طفا في عيلمي بعد انتفاخ
…
له فحسبته فيه حبابا
وبعد هنيهة مرت عليه
…
تضاءل في الغطمطم ثم ذابا
عراه يوم لاقاني ارتجاف
…
فكان كرخمة لاقت عقابا
تجرع يا حسود الماء صردا
…
فأنت اليوم تلتهب التهابا
ولم تسكت أخيرا عن رشاد
…
ولكن قد أصابك ما أصابا
تقول لذا وذاك أنا بنقدي
…
وأن أخطأت في كلمي الصواب
أحاول شهرة في الأرض لاسمي
…
وأرجو بعد ذلك لي ثوابا
ولا تدري بأن الجهل داء
…
فلا يؤتي الفتى إلَاّ عذابا
وأن أهلك فلا تفرح لهلكي
…
سيملأ فاك أنصاري ترابا
ورب منافق في الوجه أطري
…
فلما غاب اقرفني وعابا
وليس صديقك المطري وجاها
…
ولكن من يصون لك الغيابا
وقد أقصيته عني فوافى
…
يعفر خده وبكى وتابا
ولكن الذئاب الطلس مهما
…
أرتك وداعة تبقى ذئابا
قرضت الشعر بالشعر افتتانا
…
ولم اطلب به المنن الرغابا
ولو شاهدت في مصر اصطدامي
…
بمن قد جاء يصدمني غلابا
جرى وجريت في بحر خضم
…
وكان البحر يضطرب اضطرابا
لراعك منه يومئذ عباب
…
أتى متدفقا يلقي عبابا
وفي بيروت قبلا إذ أقاموا
…
لي الحفلات تنصب انصبابا
جلا من أهله الإعزاز همي
…
فلذ العيش لي فيه وطابا
جميل صدقي الزهاوي