الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
العدد 41
- بتاريخ: 01 - 01 - 1927
البطائح الحالية
تعريف الناس بصاحب هذه المقالة وما يليها
الشيخ علي الشرقي من الرجال الناشئين في النجف. وهو في العقد الرابع من عمره، وليس في دماغه شيء من الأفكار القديمة البالية أو المتهرئة؛ إنما هو خزانة حية حافلة بالعلم الحديث العصري، وهذا ما يتجلى في شعره الذي هو مرآة نفسه الحساسة، وفي ما تدبجه يراعته من المقالات الحسان.
وهو ابرع رجل في العراق في معرفة دياره الحالية.
ولقد عرفه القراء منذ نشأة هذه المجلة ولو كان يذيل مقالاته باسم منتحل ونقل المستشرقون (من فرنسيين وإيطاليين وألمانيين وإنكليز) عدة مقالات له أدرجت في هذه المجلة فترجموها إلى لغاتهم ونشروها في مجلاتهم، كما استشهدوا بها في كتبهم.
وقد عزم الشيخ على أن يتحف هذه المجلة بمقالات عديدة، موضوعها الكلام عن مدن العراق الحالية، وعن دثورها، والأنباء التي يأتينا بها هي نتيجة رحلاته في أنحائه. لأن ليس في ديارنا من تجول فيها تجول الشيخ (عش) فإنه
يعرف عامرها وغامرها، حديثها وقديمها، ولهذا نشكره سلفا على ما يتحفنا به ونحن متأكدون أن كثيرين ينتفعون بهذه المقالات ونخص بالذكر المستشرقين على اختلاف قومياتهم؛ لأنهم يقدرون أعمال الرجال حق قدرها، ويعلمون أن الذين يتتبعون هذه المباحث هم قليلون، وجميعهم ممن جادت عليهم الطبيعة بأحسن مواهبها.
قال الكاتب المتفنن حرسه الله:
البطائح
البطائح جمع بطيحة؛ بفتح الباء وكسر الطاء، يقال تبطح الوادي؛ إذا أستوسع وانبسط، فالبطيحة مسيل واسع ومجتمع مياه سائبة. والبطائح كثيرة ولكن المعروف منها والمنوه بها بطائح ما بين واسط والبصرة والحويزة (وهذه من بلاد خوزستان) وبطائح العراق هي مجتمع سيب الفرات ودجلة، من غير أن يكون من اختلاطهما عمق غائر؛ يوم كانت دجلة
تستقيم من (المذلو) وكانت بطائحها في سواد بغداد و (بطن جوخى) ولكن بعد أن تحولت وسالت بين يدي واسط كثر الاختلاط بينهما وتوسع فكان فيضا مادا إلى ما وراء واسط إلى ظهر البصرة القديمة.
ولم يذكر مخططو العرب البطائح ذكرا تاما؛ أما اليوم فقد مات ذكر البطائح، وأطلق على البقية منها اسم (الأهوار) وهي جمع هور وزان ثور و (البرق) وزان زحل وواحدتها برقة وهي من لغة سواد العراق ويريدون بها البطيحة.
ولم تستقم البطائح على حال واحدة وإنما كانت كما يشاء لها الاتفاق والحوادث فربما كانت كالبحر العجاج مما اندفع إليها من مياه الطاغيين وربما هبط ارتفاع مياهها وغطتها عذبات عيدان الاسل والقصب فشخصت للعيون غابة كثيفة وقد يبلغ بها الجفاف والنشف إلى أن تصير أرضا حمادا أو تنحصر عن بقاع خضراء الأديم كأنها الأرياف تتخللها الغدران.
فيمكننا أن نضبط لها حالات ثلاثا لم يظهر أنها تجاوزتها إلى حالة أخرى بل مازالت تتردد بين الثلاث، وهي:(البطائح)، (الجزائر)، (الجوازر). ولنبدأ بذكر البطائح لأنها الحال الأول، فنذكر موقعها ثم السبب المكون لها فاستفحالها فماضيها فحاضرها.
موقع البطائح
كلما تحول مجرى دجلة تحول موقع البطائح كل التحول، اجل جرت دجلة بين يدي (المذار) وهو بلد دارس لم يبق منه اليوم غير مشهد عبد الله بن علي وموقعه شرقي دجلة ووراء البلد المعروف بقلعة صالح، فكونت بطائح ثم تحول عمودها إلى (واسط) فأحدثت بطائح ثم امتد نابها بين واسط والمذار وهو عمودها اليوم فجددت بطائح، والأثر المهم في تكوين البطائح دجلة البصرة وهي دجلة العوراء لأن غيرها من أجراف دجلة قلما ينفتق مجراه ويتبطح وذلك لأجل التغير المحسوس في مهابط دجلة، فمن بغداد إلى شقة بعيدة للمنحدر ترى متونا عالية وضفافا مرتفعة وأرضا صلبة وهذه هي دجلة بغداد التي لا شأن لها في أمر البطائح ومسحها كما ذكروا 30 فرسخا ودجلة البصرة هي أم البطائح ولا زالت تعور ويتبطح ماؤها ومسحها كما ذكروا 30 فرسخا مبدأها عند منتهى دجلة بغداد. ومنتهاها عند القرنة مبدأ شط العرب وهي أحادير ومنخفضات وأرض رخوة.
وهذه دجلة العوراء طالما ردمت وحصنت بالمسنيات وأقيمت عليها السدود فاعيا أمرها
واعورت.
وشط العرب الذي ذكرناه معروف عند العراقيين ويتكون أولا من دجلة العوراء ثم من فيض البطائح، وقد كان خورا في أول أمره ويظهر أنه تكون في أوائل القرن الخامس للهجرة أو قبله فقد جاء ذكره في رحلة ناصر الدين العلوي من كبار أدباء الفرس وهو من رحالي القرن الخامس للهجرة.
وكانت دجلة تستقيم من عند المذار في عهد الساسانيين وهي اليوم منقطعة من ثم، فكان موقع البطائح في (بطن جوخى) التي كانت نهرا وكورة في سواد بغداد، فلما تحول الماء بطلت تلك البطائح وانقطع السيب عنها فصارت صحاري ومفاوز يصيب المارة فيها سموم وقيظ شديد في أيام الصيف.
وتحولت دجلة العوراء إلى ناحية واسط ومرت بين يديها وصبت في انهار سبعة وعمود مجراها كواحد من تلك الأنهار واتصلت وقتئذ بأرض ميسان
وكانت تلك الشعبة تسمى نهر ميسان وهي كورة واسعة يقع بلدها الشهير ببلد ميسان بين واسط والبصرة ولم يبق اليوم من تلك البلدة إلَاّ (مشهد العزير) وهو مغمور على حالته القديمة تخدمه اليهود وتحج إليه، فميسان إذا اليوم تسمى (بلد العزير) وموقعه بين القرنة وقلعة صالح، ولما استقامت دجلة من هناك انبثق من أسفل كسكر بثق عظيم واغفل فتغلب الماء على ما كان منخفضا من الأرضين وبقي ما كان مرتفعا منها فصار جآجئ واكنة للماتجئين إليها وتكونت هناك بطائح امتدت من أطلال واسط إلى ظهر البصرة وهذه هي البطائح الشهيرة في التاريخ وكانت مساحتها كما جاء في الأعلاق النفيسة لأبن رسته (ص94) 30 فرسخا في 30، في رقعة واسعة تقع بين ميسان وواسط والبصرة والحويزة.
أما تحديدها فحد منها ميسان وهي بلد العزير اليوم وحد منها دجلة بغداد ما بين جبل وفم الصلح وهي اليوم حوالي كوت الإمارة؛ وحد منها مصب الفرات بين منازل بني أسد ومنازل بني منصور؛ وحد منها صحراء جزيرة العرب الشمالية وتسمى اليوم الشامية، ثم وقفت دجلة عن مجراها بين يدي واسط وتفرقت إلى أنهار عظام.
أما عمودها فقد شق له واديا بين واسط والمذار؛ وهو مجراه اليوم بين منازل ربيعة الأمارة؛ ومنازل طيئ بني لام. فجففت بعض بطائح واسط وأصبحت بيداء وجزيرة
موحشة تسمى (جزيرة الرفاعي) كما أن بطائح الحلة جفت فأصبحت جزيرة تعرف ب (أم سترين). أجل جفت بطائح واسط ولكن لم تجف كل البطائح بل انحسر الماء عن كثير منها فظهرت كورة واسط وسقي الغراف على شكل شبه جزيرة بين وادي الفرات الأسفل ودجلة العوراء وأصبح موقع البطائح اليوم ممتدا من بلد العزير إلى أعلى سوق الشيوخ والخميسية عرضا ومن هناك إلى القرنة وشط العرب طولا. وهذا التحديد يشمل رقعة واسعة من ذنائب الغراف وهي الأمكنة الواقعة بين (البدعة) ونهر (السديناوية)
ممتدة إلى (الحمار) مثل بطيحة الصديفة والغموقة وأم الفطور والحصونة وكثير غيرها.
ولدجلة العوراء بطائح خاصة لم تختلط بسيب الفرات؛ وهي ما بين حوض العمارة وحوض الحويزة أما البطائح الناشفة شرقي الغراف وغربيه فقد أصبحت حرثا وعمارة وربما استفحل أمر البطائح وغادر تلك الأرضين السيب الذي صيرها في القديم بطائح. فسعة تلك البقاع وضيقها تابع لتغلب الرافدين وعدمه واثبت البلاذري في كتابه فتوح البلدان أن البطائح حدثت بعد مهاجرة النبي (ص) في عهد الملك ابرويز الفارسي الساساني وأنها اتسعت عندما دخل العرب أرض العراق واشتغل الأعاجم بالحروب؛ والذي يظهر للباحث أن البطائح حدثت قبل ذلك بكثير وأن الذي حدث في عهد ابرويز مظهر من مظاهرها التي توجد في كل فترة من الزمن أو هو حدوث ناحية من البطائح.
تكون البطائح واستفحالها
لا نشك أن الذي أعان على تكون البطائح عدة أمور أهمها قلة العمران الزراعي في العراق وإغفال أمر الرافدين من التفقد والتعهد بموجب أصول الفن وذلك باختطاط الأنهار اللازمة لتفريق المياه وتقليل سورتها وإيجاد خزان للطاغي منها وإقامة السدود وردم كل خرق يخشى خطره فإن لم يكن كل هذا وقد مر عليك أن بعض مهابط دجلة والفرات واطئة وأرضها رخوة فلابد من أن تفلت المياه وتتبطح. والذي يدعم قولنا هذا أن من تصفح شأن البطائح وجدها تتسع ويتفاقم خطرها زمن الارتباك وانصراف الناس إلى الحروب وتعمر وتجف زمن الركود والدعة. ولقد حاول مقاومتها وإصلاحها جماعة من رجال الأعمال الشهيرة.
فقد جاء في تاريخ الكلدان أن بعض ملوكهم تعاطى إصلاح البطائح وذكر صاحب النهج
القويم في ترجمة نبوخذ نصر أنه هو الذي احتفر النهر المعروف بنهر الملك وهو الذي حفر حوضا واسعا وترعة للماء الزائد من الفرات أي (خزانا) وأقام سدودا كثيرة وجاء في أحوال الساسانيين وذكر ماضيهم أن الملك قباذ وابنه انوشروان والملك ابرويز كل منهم نهض في إقامة القناطر والسدود وردع الماء بالمسنيات حتى أن الملك ابرويز صلب في يوم واحد أربعين جسارا لتسامحهم في شأن السدود.
وفي العهد العربي الإسلامي تعاطى كثير من الرجال هذا الإصلاح حتى أعرست البطائح في أيامهم وصارت كورة وقرى كثيرة وانفق أحد الأمويين وقد اقطعت له البطائح ليستغلها بعد العمارة ثلاثة ملايين درهم على سد واحد.
وفي الناشفة اليوم آثار بثوق وخروق وسدود كثيرة منها (التناهي) الواقعة في شرقي الشطرة على بعد خمس ساعات في منازل خفاجة الغراف وهو ردم على هيئة تل مستطيل أقيم على البطائح ليكون سدا في وجه الماء الطاغي من الفرات ولا نعرف الذي أقامه والعرب اليوم تسميه (تناهي) ويظهر أنه اسمه القديم فقد ذكر الفيروزابادي في قاموسه أن (التناهي) سد في وجه الماء وهناك محل آخر تسميه العرب (الخروق) في شمالي واسط وأمامه سد في وجه الماء المنساب من دجلة وفي ظهر الناصرية وكربلا والمنتفق تل في الشمال الغربي ممتد في عرض البادية مسافة خمسة كيلو مترات وهو عال مرتفع وموقعه في منازل (الازيرق) سد في وجه الفرات.
والى اليوم إذا طغى الفرات يأتي سيبه فيقف عنده وجاء في الاعلاق النفيسة لأبن رستة أن خالد بن عبد الله عامل الأمويين حاول أن يسكر دجلة وانفق الأموال فلم ينجح سعيه وسطت دجلة على البنيان والمعمور، ونقل البستاني في دائرة معارفه ج6 ص643 أنه كان على دجلة العوراء سكران.
وقد يستفحل أمر هذه البطائح بأن تفيض دجلة والفرات معا فيضيق عنهما
عقيقاهما فينبثق الفرات من عدة أمكنة أشهرها وأخطرها من موطن حول (المسيب) وهو مدينة وفرضة على الفرات، وعلى هذا الموضع سدة مهمة تعرف ب (أم الصخور) ثانيا من مكان في أعلى المسيب وعليه سدة كبيرة تعرف ب (السرية) لأنها أنشئت في عهد سري باشا ثالثا من مكان يقع بين بلدتي السماوة والناصرية. وتنخرق دجلة من محلات عديدة منها في
ظهر بغداد قريبا من (عقرقوف) ومن النهر المعروف ب (الجرية) قريبا من المدائن؛ ومن النهر المعروف ب (الحسينية) غربي (كوت الإمارة) وتوجد في الغراف أمكنة كثيرة تسمى (خرور) من كل هذه ينساب الماء زمن الطغيان فيستفحل أمر البطائح.
وقد استفحلت في عهد كسرى قباد بن فيروز فأنبثق بثق عظيم وقد كان هذا الملك واهنا قليل التفقد لشؤون الملك فأغفلها حتى رجع الملك إلى ابنه انوشروان فعمل القناطر والسدود وانكشف الماء عن بعض الأرضين وفي عهد الملك ابرويز زاد الفرات ودجلة معا فأفلت الماء وحاول الملك أن يسكره ففشل ومال الماء على العمارة وغشي المساكن والقرى ثم رجع أمر المملكة إلى بعض النسوة من الفرس فخارت العزائم وبقيت الأمور هملا فأتفق دخول العرب أرض العراق فانشغلت الأعاجم بالنزاع على الملك وكبرت آفة البطائح.
وفي عهد الحجاج علت الزيادة واتسعت الخروق وقدر إصلاحها فكان ثلاثة ملايين درهم فأستكثرها الوليد على بيت مال المسلمين إذ وجده إصلاحا غاليا ولكنه بقي يحاوله فأقطع مسلمة بن عبد الملك تلك الأرضين وقام بالأمر على نفقته. وفي عهد الدولة المباركة كثر الطغيان واشتد في زمن وزارة آل بويه أو إمارتهم وأهمل أمر البطائح فأتسع الخرق وهكذا ما زالت الفتوق تعاود حتى اليوم فإذا طفح الفراتان واشتد الطغيان حار الماء حتى يركب المعمور ويسف (أي يجري جريا سريعا) والعرب اليوم تسمي ذلك (موحان) إلا أنه أصبح أخف وطأة من قبل لأن المياه اشتد جريها إلى الأمام حيث يتكون شط العرب ولأن الفلاح العراقي عاد ملما بفنون الحراثة والزراعة فهو ينتفع به اكثر من أن يتضرر منه.
وقد أثرت في البطائح السدة الجديدة التي أنشئت على الهندية والجداول التي حولها؛ كما أثر فيها شط (الحفار) الذي كراه البريطانيون زمن حركاتهم الحربية
وذلك ليكون مهيما لبواخرهم النهرية. وفي هذه السنة 1345 (1926م) بذلت الحكومة العربية على شط الحفار دراهم كثيرة وسدته إنعاشا لحالة الفلاح الذي تضرر منه كثيرا ومن الاتفاق المحمود حدوث موحان في سنة 1333هـ (1915م) عام وجودي في الغراف والبطائح.
موحان
اسم مشهور عند أعراب الغراف وما حوله ويحتمل أنه أخذ من قولهم (ميح الماء) والعرب هناك تطلق هذا الاسم على الماء السائب الذي يهجم عليهم وعلى قراهم ومزارعهم ويسمون
عامه (سنة موحان) وآخر زياداته على تلك البقاع كان سنة 1333 عام الهزاهز العامة فقد طغى ماء دجلة وامتلأ عقيقها حتى ضاق وفاض فجرف السدود وهجم على المسنيات والعمارة فغرقت دار السلام بغداد وأنفتقت دجلة من الجانب الغربي وركبت كل منخفض وتدافعت تلولا من الأمواج في وسط البادية ومد الماء على عرض 20 كيلومترا فأخذ الجزيرة الفارغة التي بين فرات الحلة والغراف وهي امكنة بطائح في القديم ولها ماض زاهر زمن الحضارة العباسية وفيها آثار كثيرة وربما اتفق لسيب دجلة أن يختلط في هذه الأماكن بسيب الفرات فيميلان معا إلى سقي الغراف.
ويظهر أنه في القديم كان موحان يجعل أرض الغراف كله بطيحة واحدة ولا يترك إلَاّ التلال ولأجل ذلك تجد ابن الأثير وغيره من المؤرخين لا يذكرون الغراف باسم نهر أو سقي بل يذكرون بطيحة الغراف أما الآن وقد ارتفعت تلك البقاع بواسطة الحرث أو الزرع الذي يعلي وجه الأرض بتطاول الأيام صار الكثير من مدالث الغراف ومزارعه في منعة وسلامة على أن الأضرار التي تحصل منه اليوم ليست بالقليل الهين ويندفع موحان هذا إلى أن ينصب في الفرات الأسفل قريبا من بلاد الناصرية ولا يندفع جريه توا إليها بل تعترضه في كل مهابطه حياض واسعة وبطائح جافة يصب في كل منها عدة أيام حتى تمتلئ
ويهبط الماء إلى غيرها وفي هذا الدور الموحش بين فرات الحلة والغراف عدة بطائح ناشفة يعرفها الأعراب بأسمائها فإذا تذاكروا في مهابط موحان عدوها واحدة واحدة باسم هورة كذا وهورة كذا فمن مهابطه:
(مسماة)(وقد تبدل الميم الأولى بالياء فيقال بسماة) وهي تل جالس في سهل واسع كبير فيه جذور مزارع قديمة وآثار انهار.
ومنها (أم الدور) بطيحة جافة فيها آثار الألواح (أي الدبار) وخطط سواق ورواضع.
ومنها (أبو الذروق) هور كبير جاف.
ومنها (طرخومة) وهي سهل متسع.
ومنها (الظاهر) في الشمال الغربي من الشطرة على بعد 13 ساعة وهب بادية مقفرة كبيرة في الطول والعرض وفيها تلان متلاصقان تسميهما الأعراب (القصور العباسية) وعلى مقربة منها تل عال مستطيل ومن ورائه رواق عليه قبة بيضاء تسميه الأعراب (الظاهر)
وبين تلاله والرواق آثار نهر يابس تسميه الأعراب ب (شط العنق) وقد سألت عنه بعض العارفين من الشيوخ فقال أنه أحد (النيليات) وهي جداول كانت تتشعب من شط النيل الشهير الذي طهره وكراه الحجاج، وهناك كثير من كسر الطاباق ورضوض الآجر والقاشاني المعرق وأطلال بالية وسحيق خزف فيظهر جليا أن التلال اخربة بلاد كانت هناك.
ومنها (جوخى) وهي الآن بطيحة جافة وفيها تلال وآكام بلاد (أما) الشمرية الشهيرة في التاريخ القديم.
ومنها (أبو جويري) وهو إقطاعية في منازل بني ركاب يزرع فيها ألوف من التناء والاكرة ومنها يبدأ موحان باكتساح مزارع الغراف ومساكنه فيجرف ما أمامه حتى ينتهي إلى البطائح المصاقبة للفرات الأسفل الآخذة منه مثل (هور الدكة) و (هور أبي قداحة) فيصب مجموع تلك الأسياب في فرات الناصرية.
هذه هي مهابط موحان أو بعضها ولقد شاهدته ينحط على منازل الأعراب وأكواخ الفلاحين بجري واندفاع هائل وكان على ارتفاع مترين تقريبا
ولموج عجاج وما كان باستطاعتهم إنقاذ الأثاث والأمتعة بل فروا في وجه الطاغي وأووا إلى التلعات وجعلوا يتصيدون أو يلتقطون مهمات بيوتهم الطافية على وجه الماء.
وهناك أمكنة مرتفعة ضيقة يمكن أن تقام السدود عليها في وجه هذا الهاجم ولا يراد بها صده جد الصد لأن ذلك ليس لهم بالمستطاع. ولكن تحويل مجراه إلى الأودية الفارغة من الزرع أو تعويق جريه حتى ينضج الزرع ويتم نموه، إلَاّ أن أولئك الأعراب لا يحسنون إتقان السدود والسكور فتجيء ناقصة ويخفق كدهم فيها وقد وقفت على ردم اشتغل فيه مئات من الفلاحين الكدد وقد بذلوا فيه طاقتهم فجاء في 13 كيلومترا وارتفاع 3 أمتار وعرض مترين وكان قويا محكما جاء الماء حتى وقف عنده لا يقدر على إزاحته؛ ولكن عصفت ذات ليلة زعزع شديدة صادف مهبها مع مجرى الماء فأجتمع على الردم قوة الماء وقوة الهواء ولم تمكن المقاومة فأنفتق 150 فتقا في وقت واحد وهجم الماء فألتهم القرى والمنازل واغرق الزرع البالغ، وللغرافيين زمن استفحال البطائح حال مزعزعة واضطراب مستمر تسمع أصوات حرسهم طول الليل وهم تحت سخط البرد القارس عكفا
ساهرين على أفواه الجداول وضفاف المياه وترى بلادهم وقراهم مطوقة بالمياه المتفلتة وهم يقيمون السدود على أفواه الشوارع والأزقة.
هذه كلمتي في تكون البطائح واستفحالها. ولقد أعان على تكوين البطائح النزاعات الحربية واضطراب حبل الأمن هناك في كل فسحة من الزمن وإذا وقفت حق الوقوف على السبب المكون للبطائح خلال الأيام والسنين تعرف أن حالتها غير واحدة وأن ماضيها غير بين ولا يخلو من إبهام وظلمة.
النجف: علي الشرقي
طبع كتاب الجمهرة لأبن دريد
أخذت بطبع كتاب الجمهرة لأبن دريد في حيدراباد الدكن وقد وصلني نموذج منه في 52 صفحة من القطع الكبير، ولما كانت الحروف المشكلة قليلة القدر في تلك المطبعة فإبراز ذلك المعجم بحلته الموشاة يطول كثيرا.
من بكنهام (انكلترة) ف. كرنكو