الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
العدد 44
- بتاريخ: 01 - 04 - 1927
مكشوفات أور
منازل في عصر إبراهيم الخليل للمستر وولي
عادت في 28 تشرين الأول 1926 لجنتا المتحفة الإنكليزية ومتحفة كلية بنسلفانية المشتركتان في الحفر لتأخذا بأشغالهما في اور الكلدان؛ أن الموظفين هم بعينهم كما كانوا في السنة الماضية ماعدا الأب باروز اليسوعي، فأنه قد قام مقام الدكتور لكرين والمستر وتبرن رازي على قدوم.
وقد تجددت لائحة الشغل الابتدائي بحسب الشغل الذي باشرناه في الفصل الماضي، وابتدأنا مع مائة وخمسين عاملا كي ننقل تلا كبيرا كان قد استخرج منه بعض صفائح ثمينة وآثار بيتية مفيدة وفي الحال الحاضر بعد شهر قضيناه في الجد والسعي ظهرت فسحة كبيرة على عمق عشرين قدما وقد حان الوقت أن نختصر الكلام عن النتائج التي حصلنا عليها.
إن غايتنا مزدوجة: الغاية الأولى أن نقع على لوائح اكثر مما عندنا بخصوص الآداب التي كانت معروفة في عهد إبراهيم الخليل. الثانية أن نكتسب
معلومات أوفر عن المعيشة البيتية في الزمان الغابر، ولقد نجحنا نجاحا تاما في الغايتين، فلقد عثرنا على ثلاثة كنوز مختلفة من الصفائح عدا اللقى المتفرقة التي ظفرنا بها، إننا وأن كنا لا نريد أن نتكلم قبل الوقت عن محتوياتها إلَاّ أننا نقول الآن إننا حين استخرجناها من مدافنها كانت ممحوة ولا تقرأ ومن الضروري أن تحرق في أتون وبعد ذلك تنظف وتصلح قبل أن نتمكن من الاطلاع عليها وذلك الاطلاع لا يكون إلَاّ بعد مدة.
ولقد وجدنا بعض النماذج وعددها يختلف بين الثلاثين إلى الأربعين وكانت قد أحرقت اتفاقا في حريق اتلف البناء الذي كانت قد وضعت فيه فصلبت النار تلك الصفائح صلابة كافية تمكننا من أن ننظفها أو ننظف بعض وجوهها حالا ويمكننا أن نستنتج أن اللقية مهمة.
عوضا عن كتب المصالح والمقبوضات والمقاولات التي توجد عادة في موطن الحفر. وجدنا هذه الصفائح تحوي مواد أدبية أو علمية وبعضها تحوي مواد هندسية وعلى جداول للجذر المربع والجذر المكعب وعدد جميع الأرقام يبلغ ستين وبعض تلك الصفائح تحتوي
على أناشيد وبعضها تدون الأوقاف التي وقفها الملوك الأولون وهي مسألة مهمة نظرا إلى التاريخ والى شرح مواقع البلدة. ويظهر على إحدى الصفائح اسم أحد ملوك اور المجهولين لعله يدل على أحد حكام الدولة الثانية التي لا نعلم عنها شيئا سوى أنها وجدت. ويرى بين هذه الصفائح نحو مئتين جمعناها لتحرق في النار وإن كان لا عيب فيها وذلك لتتصلب وفعلنا ذلك بعد أن غلفناها بغلاف من رمل ولا جرم أن فيها مواد أدبية مفيدة جدا.
أفيد اللقى هي المنازل التي وجدت فيها تلك الصفائح ويرجع عصرها إلى أيام إبراهيم الخليل الذي كان يسكن في اور وقد بنيت تلك المنازل في بادئ الأمر في سنة 2100 قبل المسيح وقد سكنوها وسكنوا عدة منازل صغيرة غيرها مع بعض العمارات مدة تجاوز مئتي سنة. أول ما تشاهد العين في تلك المنازل هي درجة رغد العيش التي تجاوز درجة التنعم درجة تدل عليها تلك الآثار. وهذه المنازل مبنية طبقتين من الطاباق. وبعض الحيطان قائمة إلى اليوم وسمكها خمس عشرة قدما إلى عشرين قدما وتشابه أحسن منازل بغداد الجديدة وفي البيت فناء
متوسط يحيط به قاعة كبيرة من الخشب تؤدي إلى الغرف العليا وكان من العادة أن بناء البيت يعيشون في الطبقة العليا وفي طبقة البيت السفلى غرفة الاستقبال وخزائن البيت والمطبخ ومنازل الخدم. وجدنا الغرف العالية وأحد السلالم محفوظة إلى الآن وعلوها عشر أقدام وكان يرتقي إليها في بادئ الأمر بسلم من خشب يتصل بسلم من حجر. ولأجل ذلك كنت ترى الغرف في الطبقة الأولى على علو اثنتي عشرة أو خمس عشرة قدما. ولو إننا لا نرى الآن اثر زخرفة فيها إلَاّ أننا نشاهد جدرانا بسيطة مزخرفة بعض الزخرفة عليها جص أو ما يشبهه ولهذا لا نخطئ أن قدرنا أن أثاث البيت كان يناسب عظمة البناء.
هذه أول مرة كشفت منازل خصوصية كانت تسكن في ذلك الزمان وهذا الكشف غير أفكارنا بتاتا عن حالة معيشة الناس في ذلك العصر. أمامنا عدة منازل متفرقة هي عبارة عن اكاريس تقسمها شوارع منفصلة ضيقة والمنازل الواسعة التي كانت للأغنياء ترى في صف المنازل التي تحتوي على أربع أو خمس غرف وكان أصحابها جيرانهم الفقراء. ويسهل علينا أن نتصور سكان الفناء والغرف المهدومة لكي نتمكن من أن نعلم ما أحاط بالناس الذين كانوا يسكنونها في الزمان الغابر حينما كانوا يكبون على مطالعة لوائح
الجذور المكعبة وقد حيرتنا غرفة واحدة طويلة ضيقة رقمناها بعدد 7 في الشارع الهادئ.
وكان من المألوف في ذلك العهد أن تدفن الموتى تحت المنازل التي كانت تسكنها في حياتها وكثيرا ما لقينا تحت أرض الغرفة توابيت من طين أو سراديب من آجر للموتى تحتوي على جثة وآنية فيها تقادم وطعام للسفر إلى الآخرة، وربما أيضا نجد فيها ختم صاحب المنزل وقد امتازت هذه الغرفة بوجود مشكاة أو روزنة في الحائط إلَاّ بعد وأمام تلك الروزنة أكوام من حجر تشبه مذبحا. ووجدنا حواليه تحت التبليط نحو ثلاثين اجانة كبيرة فيها عظام أطفال.
وليس في معبودات الشمريين إله ك (مالك أو ملك) يطلب ذبائح أطفال ولأجل ذلك يعز علينا أن نظن أن في مدة قصيرة ومن بيت واحد يموت ثلاثون طفلاً موتا طبيعيا.
أفيمكن إننا عثرنا على مقام مقدس في ذلك البيت وقد خصصت ذخيرة بيتية بأحد الآلهة شفيق بالأطفال. فكان الأصدقاء والأقارب تأتي بأطفالهم لدفنهم فيه؟ فإن كان الأمر كذلك فيمكننا أن نستنتج إنه كان للشمريين في عصر إبراهيم الخليل شعور إنساني وجداني اكثر مما تدلنا عليها النصوص.