الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
من ينتهي إلى ذلك الرجل نسبًا، ويحتمل (1) مذهبًا، وهذا القائل يظهر أن يكون ذا الخُوَيْصِرَة.
قال الزركشي: واعلم أن البخاري ترجم هذا الحديث بقوله تعالى: {وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ} [التوبة: 60].
وكان ينبغي أن يترجمه بقوله تعالى: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ} [التوبة: 58](2).
[قلت: ووجهُ ما فعله البخاري ظاهرٌ -أيضًا-؛ فإن الحديث اشتمل على إعطاء المؤلفة قلوبهم صريحًا، واشتمل على لمزه في الصدقات](3)، فإن ترجم على الأول، صَحَّ، وإن ترجم على الثاني، صح، ولا نسلِّم أولويةَ أحدِهما بالنسبة إلى الآخر، فلا وجه للاعتراض.
* * *
باب: قوله تعالى: {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ} [التوبة: 80]
2288 -
(4670) - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ أَبي أُسَامَةَ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما، قَالَ: لَمَّا تُوُفِّيَ عَبْدُ اللَّهِ، جَاءَ ابْنُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَسَأَلَهُ أَنْ يُعْطِيَهُ قَمِيصَهُ يُكَفِّنُ فِيهِ أَبَاهُ، فَأَعْطَاهُ، ثُمَّ سَأَلَهُ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهِ، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم
(1)"ويحتمل" ليست في "ع".
(2)
انظر: "التنقيح"(2/ 929).
(3)
ما بين قوسين ليس في "ع".
لِيُصَلِّيَ، فَقَامَ عُمَرُ، فَأَخَذَ بِثَوْبِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! تُصَلِّي عَلَيْهِ، وَقَدْ نهاكَ رَبُّكَ أَنْ تُصَلِّيَ عَلَيهِ؟! فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:"إِنَّمَا خَيَّرَني اللهُ، فَقَالَ: {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً} [التوبة: 80]، وَسَأَزِيدُهُ عَلَى السَّبْعِينَ". قَالَ: إِنَّهُ مُنَافِق، قَالَ: فَصَلَّى عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَأَنْزَلَ اللَّهُ:{وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ} [التوبة: 84].
(عن ابن عمر، قال: لمّا تُوُفِّيَ عبدُ الله بنُ أُبي (1)): قال الزركشي: في هذه الرواية وَهْمٌ، وهو أن عمر قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم:"أتصَلِّي عليه، وقد نهاكَ ربُّك أن تُصلِّيَ عليه؟! "، ثم أخبر بعد انفصال القضية: أن الله تعالى أنزل: {وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ} [التوبة: 84](2).
قلت: لا (3) وهمَ -إن شاء الله- في الرواية، والكلامُ شديد منتظم، وذلك بأن تقول: لعل عمر رضي الله عنه فهم نهيَ الله تعالى عن الصلاة على هذا المنافق من قوله تعالى: {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ} [التوبة: 80]؛ من حيث سوى بين الاستغفار وعدمه في عدم النفع، وعلل ذلك بكفرهم، وقد ثبت من جهة الشرع امتناعُ المغفرة لمن مات كافرًا، والدعاءُ بوقوع ما عُلم انتفاءُ وقوعه شرعًا أو عقلًا ممتنعٌ، ولا شك أن الصلاة على المشرك الميت استغفارٌ له ودعاء، وقد نُهي عنه، فتكون الصلاة عليه منهيًا عنها (4).
(1) كذا في رواية أبي ذر الهروي، وليست في اليونينية.
(2)
انظر: "التنقيح"(2/ 930).
(3)
في "ج": "ولا".
(4)
في "ج": "عنه".
ويؤيده قوله في الرواية الأخرى بعد هذا: "أتصلِّي عليه [وهو منافق، وقد نهاك الله أن تستغفر لهم؟! "، وحينئذ فلا منافاة بين قوله: وقد نهاك ربك أن تصلي عليه] (1)، وبين إخباره بأن آية النهي عن الصلاة على كل مشرك، والقيام على قبره، فنزلت بعد ذلك.
(إنما خيّرني الله، فقال: {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً}، وسأزيد (2) على السبعين): قال الزمخشري: لم يخْفَ على النبي صلى الله عليه وسلم أن الذي يفهم من ذكر هذا العدد كثرةُ الاستغفار، ولكنه خيل بما قال؛ إظهارًا لغاية رحمته ورأفته على من بعث إليه؛ كقول إبراهيم:{وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [إبراهيم: 36]، وفي إظهار النبي الرحمة والرأفة (3) لطفٌ لأمته، ودعاءٌ لهم إلى ترحُّم بعضِهم على بعض (4).
قال ابن المنير: وقد أنكر القاضي حديثَ الاستغفار، ولم يصححه، وتعالى قوم فجعلوه عمدة مفهوم المخالفة.
قلت: وقد تبع القاضيَ أبا بكر على إنكار الحديث إمامُ الحرمين، والغزاليُّ، وهذا من هؤلاء الأئمة الأكابر عجيب، كيف (5) باحوا بذلك، والحديثُ ثابتٌ صحيح مدوَّن في (6) البخاري ومسلم؟!
(1) ما بين معكوفتين ليس في "ع".
(2)
نص البخاري: "وسأزيده".
(3)
في "ج": "الرأفة والرحمة".
(4)
انظر: "الكشاف"(2/ 281).
(5)
في "ع": "فكيف".
(6)
في "ج": "صحيح بدون".