الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سُورَةُ حَم السَّجْدَةِ
وَقَالَ طَاوُسٌ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ:{ائْتِيَا طَوْعًا} [فصلت: 11]: أَعْطِيَا. {قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ} [فصلت: 11]: أَعْطَيْنَا.
وَقَالَ الْمِنْهَالُ، عَنْ سَعِيدٍ، قَالَ: قَالَ رَجُلٌ لاِبْنِ عَبَّاسٍ: إِنِّي أَجِدُ فِي الْقُرْآنِ أَشْيَاءَ تَخْتَلِفُ عَلَيَّ؟ قَالَ: {فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ} [المؤمنون: 101]، {وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ} [الصافات: 27]، {وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا} [النساء: 42]، {رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ} [الأنعام: 23]: فَقَدْ كَتَمُوا فِي هَذِهِ الآيَةِ؟ وَقَالَ: {أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا} إِلَى قَوْلهِ: {دَحَاهَا} [النازعات: 27 - 30]: فَذَكَرَ خَلْقَ السَّمَاءِ قَبْلَ خَلْقِ الأَرْضِ، ثُمَّ قَالَ:{أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ} إِلَى {طَائِعِينَ} [فصلت: 9 - 11]: فَذكَرَ فِي هَذِهِ خَلْقَ الأَرْضِ قَبْلَ السَّمَاءِ؟ وَقَالَ: {وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} [الأحزاب: 73]، {عَزِيزًا حَكِيمًا} [النساء: 56]، {سَمِيعًا بَصِيرًا} [النساء: 58] فَكَأَنَّهُ كَانَ ثُمَّ مَضَى؟
فَقَالَ: {فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ} [المؤمنون: 101]: فِي النَّفْخَةِ الأُولَى، ثُمَّ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ:{فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ} [الزمر: 68]: فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ عِنْدَ ذَلِكَ، وَلَا يَتَسَاءَلُونَ، ثُمَّ فِي النَّفْخَةِ الآخِرَةِ:{وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ} [الصافات: 27].
وَأَمَّا قَوْلُهُ: {مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ} [الأنعام: 23]، {وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ} [النساء: 42]: فَإِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ لأَهْلِ الإخْلَاصِ ذُنُوبَهُمْ، وَقَالَ الْمُشْرِكُونَ: تَعَالَوْا نَقُولُ: لَمْ نَكُنْ مُشْرِكينَ، فَخَتَمَ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ، فَتَنْطِقُ أَيْدِيهِمْ، فَعِنْدَ ذَلِكَ عُرِفَ أَنَّ اللَّهَ لَا يُكْتَمُ حَدِيثًا، وَعِنْدَهُ:{يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا} [النساء: 42].
وَخَلَقَ الأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ، ثمَّ خَلَقَ السَّمَاءَ، ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ، فَسَوَّاهُنَّ فِي يَوْمَيْنِ آخَرَيْنِ، ثُمَّ دَحَا الأَرْضَ، وَدَحْوُهَا: أَنْ أَخْرَجَ مِنْهَا الْمَاءَ وَالْمَرْعَى، وَخَلَقَ الْجبَالَ وَالْجمَالَ وَالآكامَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي يَوْمَيْنِ آخَرَيْنِ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ:{دَحَاهَا} [النازعات: 30]، وَقَوْلُهُ:{خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ} [فصلت: 9]، فَجُعِلَتِ الأَرْضُ وَمَا فِيهَا مِنْ شَيْءٍ فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ، وَخُلِقَتِ السَّمَوَاتُ فِي يَوْمَيْنِ.
{وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا} [الأحزاب: 73] سَمَّى نفسَهُ ذَلِكَ، وَذَلِكَ قَوْلُهُ؛ أَيْ: لَمْ يَزَلْ كَذَلِكَ، فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يُرِدْ شَيْئًا إِلَّا أَصَابَ بِهِ الَّذِي أَرَادَ، فَلَا يَخْتَلِفْ عَلَيْكَ الْقُرْآنُ؛ فَإِنَّ كُلًّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {مَمْنُونٍ} [فصلت: 8]: مَحْسُوبٍ. {أَقْوَاتَهَا} [فصلت: 10]: أَرْزَاقَهَا. {فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا} [فصلت: 12]: مِمَّا أَمَرَ بِهِ. {نَحِسَاتٍ} [فصلت: 16]: مَشَائِيمَ. {وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاءَ} [فصلت: 25]: قَرَنَّاهُمْ بِهِمْ. {تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ} [فصلت: 30]: عِنْدَ الْمَوْتِ. {اهْتَزَّتْ} [فصلت: 39] بِالنَّبَاتِ، {وَرَبَتْ} [فصلت: 39]: ارْتَفَعَتْ.
وَقَالَ غَيْرُهُ: {مِنْ أَكْمَامِهَا} [فصلت: 47]: حِينَ تَطْلُعُ. {لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي} [فصلت: 50]: أَيْ بِعَمَلِي أَنَا مَحْقُوقٌ بِهَذَا. {سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ} [فصلت: 10]: قَدَّرَهَا سَوَاءً. {فَهَدَيْنَاهُمْ} [فصلت: 17]: دَلَلْنَاهُمْ عَلَى الْخَيْرِ وَالشَّرِّ؛ كقَوْلهِ: {وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ} [البلد: 10]، وَكَقَوْلهِ:{هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ} [الإنسان: 3]: وَالْهُدَى الَّذِي هُوَ الإرْشَادُ بِمَنْزِلَةِ أَصْعَدْنَاهُ، مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ:{أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} [الأنعام: 90].
(سورة حم السجدة).
({ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا}: أَعْطيا): ائتيا: من الإتيان، وهو المجيء، فكيف يُفَسَّر بالإعطاء، وهذا غير (1) معروف في اللغة، وإنما يفسر بالإعطاء قولُك: آتيتُ زيدًا مالًا -بمد همزة القطع-، والهمزة التي في الآية همزة وصل.
وقال السفاقسي: لعل ابن عباس قرأ بالمد، فيصح تفسيره بالإعطاء (2).
(قال رجل لابن عباس: إني لأجد في القرآن أشياء (3) تختلفُ عليَّ): روى الحاكم في "المستدرك" في كتاب: الأهوال: عن داود بن أبي هند، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: سأل (4) نافعُ بنُ الأزرق عن قوله عز وجل: {هَذَا يَوْمُ لَا يَنْطِقُونَ} [المرسلات: 35]، و {فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا} [طه: 108]، {وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ} [الصافات: 27]، و {هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ} [الحاقة: 19]، فقال: وَيْحَكَ! هل سألتَ عن هذا أحدًا قبلي؟ قال: لا، قال: أما إنك لو سألتَ هلكتَ، أليس قال الله تعالى:{وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ} [الحج: 47]، قال: بلى، وإن لكل مقدار يوم من هذه الأيام لونًا من هذه الألوان. قال: هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه (5) انتهى.
فعلى هذا يفسَّر المبهم هنا بنافع بن الأزرق، كذا في "الإفهام".
(1)"غير" ليست في "ج".
(2)
انظر: "التنقيح"(2/ 984).
(3)
في "ع": "أشياء بالقرآن".
(4)
في "ج": "سأله".
(5)
رواه الحاكم في "المستدرك"(8710).
(والسَّمَاء بناها): التلاوة: {أَمِ السَّمَاءُ} .
(والهدى الذي هو الإرشاد بمنزلة أسعدناه (1)): حكى الزركشي عن السهيلي أنه قال: هو (2) بالصاد أقربُ إلى تفسير أرشدناه من أسعدناه -بالسين-؛ لأنه إذا كان بالسين، كان من السعادة ضد الشقاوة، وأرشدتُ الرجلَ إلى الطريق، وهديته السبيل بعيدٌ من هذا التفسير.
قلت (3): لا أدري ما الذي أبعدَ هذا التفسير مع (4) قربِ ظهوره؛ فإن الهدايةَ إلى السبيل، والإرشادَ إلى الطريق إسعادٌ لذلك الشخص المهديِّ؛ إذ سلوكُه في الطريق مُفْضٍ إلى السعادة، ومجانَبَتُه لها مما يؤدِّي إلى ضلاله وهلاكه.
ثم قال: فإذا قلت: "أصعدناه" -بالصاد- خرجَ اللفظُ إلى معنى الصُّعُداتِ في قوله: "إِيَّاكُمْ وَالقُعُودَ عَلَى (5) الصُّعُدَاتِ"(6)، وهي الطرق (7)، وكذلك أصعدَ في (8) الأرض: إذا سار فيها على قصد، فإن كان البخاري
(1) في "ع": "أصعدناه".
(2)
"هو" ليست في "ع".
(3)
"قلت" ليست في "ع".
(4)
في "ج": "من".
(5)
في "ع" و"ج": "إلى".
(6)
رواه مسلم (2161) من حديث أبي طلحة رضي الله عنه، بلفظ:"ما لكم ولمجالس الصعدات. . . ." الحديث.
(7)
في "ج""الطريق".
(8)
في "ج""أصعدت".