الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يُوسُفَ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَشْرَبُ عَسَلًا عِنْدَ زيْنَبَ بْنَةِ جَحْشٍ، وَيَمْكُثُ عِنْدَهَا، فَوَاطَيْتُ أَنَا وَحَفْصَةُ عَنْ أَيَّتُنَا دَخَلَ عَلَيْهَا، فَلْتَقُلْ لَهُ: أَكَلْتَ مَغَافِيرَ، إِنِّي أَجِدُ مِنْكَ رِيحَ مَغَافِيرَ، قَالَ:"لَا، وَلَكِنِّي كُنْتُ أَشْرَبُ عَسَلًا عِنْدَ زَيْنَبَ بْنَةِ جَحْشٍ، فَلَنْ أَعُودَ لَهُ، وَقَدْ حَلَفْتُ، لَا تُخْبِرِي بِذَلِكِ أَحَدًا".
(فتواطَيْتُ أنا وحفصة): أي: فتوافقنا والمواطأة الموافقة ولامه همزة إلا أنها أبدلت هنا ياء على غير قياس.
(أكلتَ مغافيرَ): هو نوعٌ من الصمغ ينجلب من بعض الشجر يُحل بالماء، وُيشرب، يقال: إنه له رائحة، وواحده مُغفور، بضم الميم (1).
* * *
باب: {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} [التحريم: 2]
2387 -
(4913) - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ، عَنْ يَحْيىَ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ حُنَيْنٍ: أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما يُحَدِّثُ: أَنَّهُ قَالَ: مَكَثْتُ سَنَةً أُرِيدُ أَنْ أَسْأَلَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ عَنْ آيَةٍ، فَمَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَسْأَلَهُ؛ هَيْبَةً لَهُ، حَتَّى خَرَجَ حَاجًّا، فَخَرَجْتُ مَعَهُ، فَلَمَّا رَجَعْتُ، وَكُنَّا بِبَعْضِ الطَّرِيقِ، عَدَلَ إِلَى الأَرَاكِ لِحَاجَةٍ لَهُ، قَالَ: فَوَقَفْتُ لَهُ حَتَّى فَرَغَ، ثُمَّ سِرْتُ مَعَهُ، فَقُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ! مَنِ اللَّتَانِ تَظَاهَرَتَا عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِنْ أَزْوَاجِهِ؟ فَقَالَ: تِلْكَ حَفْصَةُ وَعَائِشَةُ، قَالَ:
(1) انظر: "التنقيح"(2/ 1009).
فَقُلْتُ: وَاللَّهِ، إِنْ كنْتُ لأُرِيدُ أَنْ أَسْأَلَكَ عَنْ هَذَا مُنْذُ سَنَةٍ، فَمَا أَسْتَطِيعُ؛ هَيْبةً لَكَ، قَالَ: فَلَا تَفْعَلْ، مَا ظَنَنْتَ أَنَّ عِنْدِي مِنْ عِلْمٍ، فَاسْأَلْنِي، فَإِنْ كَانَ لِي عِلْمٌ، خَبَّرْتُكَ بِهِ، قَالَ: ثمَّ قَالَ عُمَرُ: وَاللَّهِ! إِنْ كنَّا فِي الْجَاهِلِيَّةِ مَا نَعُدُّ لِلنِّسَاءِ أَمْرًا، حَتَّى أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِنَّ مَا أَنْزَلَ، وَقَسَمَ لَهُنَّ مَا قَسَمَ، قَالَ: فَبَيْنَا أَنَا فِي أَمْرٍ أتأَمَّرُهُ، إِذْ قَالَت امْرَأَتِي: لَوْ صَنَعْتَ كَذَا وَكَذَا، قَالَ: فَقُلْتُ لَهَا: مَا لَكِ وَلِمَا هاهنا، فِيمَا تَكَلُّفُكِ فِي أَمْرٍ أُرِيدُهُ؟ فَقَالَتْ لِي: عَجَبًا لَكَ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ، مَا تُرِيدُ أَنْ تُرَاجَعَ أَنْتَ، وَإِنَّ ابْنَتَكَ لَتُرَاجِعُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى يَظَلَّ يَوْمَهُ غَضْبَانَ، فَقَامَ عُمَرُ، فَأخَذَ رِدَاءَهُ مَكَانَهُ حَتَّى دَخَلَ عَلَى حَفْصَةَ، فَقَالَ لَهَا: يَا بُنَيَّةُ! إِنَّكِ لَتُرَاجِعِينَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى يَظَلَّ يَوْمَهُ غَضْبَانَ؟ فَقَالَتْ حَفْصَةُ: وَاللَّهِ! إِنَّا لنرَاجِعُهُ، فَقُلْتُ: تَعْلَمِينَ أَني أُحَذِّرُكِ عُقُوبَةَ اللَّهِ، وَغَضَبَ رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم، يَا بُنَيَّةُ! لَا يَغُرَّنَّكِ هَذِهِ الَّتِي أَعْجَبَهَا حُسْنُهَا حُبُّ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِيَّاهَا -يُرِيدُ: عَائِشَةَ-، قَالَ: ثُمَّ خَرَجْتُ حَتَّى دَخَلْتُ عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ لِقَرَابَتِي مِنْهَا، فَكَلَّمْتُهَا، فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: عَجَبًا لَكَ يَا بْنَ الْخَطَّابِ! دَخَلْتَ فِي كلِّ شَيْءٍ، حَتَّى تَبْتَغِي أَنْ تَدْخُلَ بَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَزْوَاجِهِ، فَأَخَذَتْنِي -وَاللَّهِ- أَخْذًا كَسَرَتْنِي عَنْ بَعْضِ مَا كنْتُ أَجِدُ، فَخَرَجْتُ مِنْ عِنْدِهَا. وَكَانَ لِي صَاحِبٌ مِنَ الأَنْصَارِ إِذَا غِبْتُ، أَتَانِي بِالْخَبَرِ، وَإِذَا غَابَ، كُنْتُ أَنَا آتِيهِ بِالْخَبَرِ، وَنَحْنُ نَتَخَوَّفُ مَلِكًا مِنْ مُلُوكِ غَسَّانَ، ذُكِرَ لَنَا أَنَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَسِيرَ إِلَيْنَا، فَقَدِ امْتَلأَتْ صُدُورُنَا مِنْهُ، فَإِذَا صَاحِبِي الأَنْصَارِيُّ يَدُقُّ الْبَابَ، فَقَالَ: افْتَح افْتَحْ، فَقُلْتُ: جَاءَ الْغَسَّانِيُّ؟ فَقَالَ: بَلْ أَشَدُّ مِنْ ذَلِكَ، اعْتَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَزْوَاجَهُ، فَقُلْتُ: رَغِمَ أَنْفُ حَفْصَةَ وَعَائِشَةَ، فَأَخَذْتُ ثَوبيَ، فَأَخْرُجُ حَتَّى جِئْتُ، فَإِذَا
رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي مَشْرُبَةٍ لَهُ، يَرْقَى عَلَيْهَا بِعَجَلَةٍ، وَغُلَامٌ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَسْوَدُ عَلَى رَأْسِ الدَّرَجَةِ، فَقُلْتُ لَهُ: قُلْ: هَذَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، فَأَذِنَ لِي، قَالَ عُمَرُ: فَقَصَصْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم هذَا الْحَدِيثَ، فَلَمَّا بَلَغْتُ حَدِيثَ أُمِّ سَلَمَةَ، تَبَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَإِنَّهُ لَعَلَى حَصِيرٍ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ شَيْءٌ، وَتَحْتَ رَأْسِهِ وِسَادَةٌ مِنْ أَدَمٍ حَشْوُهَا لِيفٌ، وِإن عِنْدَ رِجْلَيْهِ قَرَظًا مَصْبُوبًا، وَعِنْدَ رَأْسِهِ أَهَبٌ مُعَلَّقَةٌ، فَرَأَيْتُ أَثَرَ الْحَصِيرِ فِي جَنْبِهِ، فَبَكَيْتُ، فَقَالَ:"مَا يُبْكِيكَ؟ "، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنَّ كسْرَى وَقَيْصَرَ فِيمَا هُمَا فِيهِ، وَأَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ! فَقَالَ:"أَمَا تَرْضَى أَنْ تَكُونَ لَهُمُ الدُّنْيَا، وَلَنَا الآخِرَةُ؟ ".
(حتى يظل يومه غضبانًا): قال الزركشي: كذا، و (1) صوابه:"غضبان"(2).
قلت: يريد بمنع الصرف بناء على أن مؤنثه غَضْبى، فقد تحقق شرطُ منع الألف والنون الزائدة في الوصف، وهو وجود فَعْلَى، فيجب منعُ الصرف.
لكن حكى الزركشي وغيره: أن بني أسد يقولون في مؤنث غضبان: غضبانة، فلعله اعتبر هذه اللغة في الحديث، فصرف.
(لا يغرنَّكِ هذه التي أعجبها حسنُها حُبُّ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم إياها): حكى الزركشي عن أبي القاسم بن الأبرش: أنه قال: حُبُّ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم معطوفٌ على "حسنُها" بغير واو؛ كقولهم: أكلتُ (3) تمرًا زبيبًا أَقِطًا،
(1) الواو ليست في "ع" و"ج".
(2)
انظر: "التنقيح"(2/ 1010).
(3)
"أكلت" ليست في "ع" و"ج".
وحذفُ حرف العطف جائز، ويؤيده روايةُ مسلم له بالواو (1).
قلت: حذفُ (2) حرفِ العطف بابُه الشعر، نصَّ عليه ابنُ هشام في "المغني"(3)، وما استشهدوا به من النثر (4) محتمِلٌ للتأويل.
وقال السهيلي في "نتائج الفكر": بلغني عن بعض مشايخنا الجلة: أنه جعله من باب حذف حرف (5) العطف؛ أي: وحُبُّ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، وبلغ الاستحسان بالسامعين لذلك إلى أن علقوه في الحواشي من كتاب الصحيح، وليس كذلك، ولكنه مرتفع على البدل من الفاعل الذي في أول الكلام، وهو "لا يغرنك هذه"، فهذه فاعل، و"التي" نعتٌ بصلتِه، و"حُبُّ" بدل اشتمال؛ كما تقول: أعجبني يومُ الجمعة صومٌ فيه، وسرني زيدٌ حُبُّ الناسِ له.
قلت: ولو جعل "حُبُّ رسول الله" من بدل الإضراب، والمبدَل منه "حسنُها"، لكان وجهًا.
هذا كلُّه على رفع "حُبُّ"، وهو الذي حكاه القاضي عن النحاة، قال: وضبطه بعضهم بالنصب على إسقاط الخافض (6).
قلت (7): يريد أنه مفعول لأجله، والأصل: لحبِّ رسولِ الله، ثم
(1) رواه مسلم (1986) عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما.
(2)
"حذف" ليست في "ج".
(3)
انظر: "مغني اللبيب"(ص: 831).
(4)
في "ع": "به ابن التين"، وفي "ج":"به ابن المنير".
(5)
"حرف" ليست في "ع" و"ج".
(6)
انظر: "التنقيح"(2/ 1010).
(7)
"قلت" ليست في "ع".
حذفت اللام، فانتصب (1) على أنه مفعول له، ولا نزاعَ في جوازه.
(اعتزل رسول الله صلى الله عليه وسلم): هذا خلاف الرواية التي سبقت له في كتاب: العلم، وغيره:"طلق رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه"(2)، والمذكور هنا هو الصواب، وأما الأول، فيحمل على (3) المجاز؛ أي: فعلَ فِعْلَ (4) المطلِّقِ من الاجتنابِ والاعتزال، لا على أن الطلاق وقع؛ لأن هذا خلافُ الواقع، وفي هذه الرواية ما يشير إلى أن إخباره أولًا بالطلاق إنما هو على جهة المجاز.
(وإنَّ عند رجليه قَرَظًا مصبورًا (5)): القَرَظُ -بفتح القاف والراء وبالظاء المعجمة-: وَرَقُ السَّلَم يُدبغ به الأَدَمُ، والمصبور: المجموع، مأخوذٌ من الصُّبْرَة، وهي الكَوْمُ من الطعام (6).
(وعند رأسه أُهُبٌ): -بضم الهمزة والهاء، جمع إهاب-، وحكى السفاقسي فتحَها أيضًا، والإهابُ: الجلدُ مطلقًا، سواء دُبغ، أو لم يُدبغ، وقيل: هو الجلدُ قبل أن يُدبغ (7).
(1) في "ع": "فانتصبت".
(2)
رواه البخاري (2468) عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما.
(3)
في "ع": "أي: على".
(4)
"فعل" ليست في "ج".
(5)
كذا في رواية أبي ذر الهروي، وفي اليونينية:"مصبوبًا"، وهي المعتمدة في النص.
(6)
انظر: "التنقيح"(2/ 1011).
(7)
المرجع السابق، الموضع نفسه.