الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سُورَةُ {هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ}
يُقَالُ: مَعْنَاهُ: أتى عَلَى الإنْسَانِ، وَهَلْ: تَكُونُ جَحْدًا، وَتَكُونُ خَبَرًا، وَهَذَا مِنَ الْخَبَرِ، يَقُولُ: كَانَ شَيْئًا، فَلَمْ يَكُنْ مَذْكُورًا، وَذَلِكَ مِنْ حِينِ خَلَقَهُ مِنْ طِينٍ إِلَى أَنْ يُنْفَخ فِيهِ الرُّوحُ.
(سورة {هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ}).
(و"هل" تكونُ جحدًا): يعني: أنها يُراد بالاستفهام بها: النفيُ (1)، ولذلك دخلت على الخبر بعدها "إلا" في نحو:{هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ} [الرحمن: 60].
(و"هل"، تكون خبرًا، وهذا من الخبر): يريد أنها تكون حيثُ لا استفهامَ أَلبتة، فتدخل في كلام خبري، وغرضُه أنها تكون بمنزلة "قد".
قال سيبويه في باب: بيان "أَمْ" لِم دخلت على (2) حروف الاستفهام، ولم تدخل على الألف، ما نصه: نقول: أم من (3) تقول، أم هل تقول، ولا تقول: أم أَتقول، وذلك لأن "أم" بمنزلة الألف، وليست "أي"، و"من"، و"ما (4) "، و"متى" بمنزلة الألف، إنما (5) هي أسماء بمنزلة هذا، وذلك، إلا أنهم تركوا ألف الاستفهام؛ إذ (6) كان هذا النحو من الكلام لا يقع
(1) في "ج": "يراد بها الاستفهام المنفي".
(2)
في "ع": "في".
(3)
في "ج": "هل".
(4)
في "ج": "أي ومما".
(5)
في "ج": "وإنما".
(6)
في "ع" و"ج": "إذا".
إلا في المسألة، فلما علموا أنه لا يكون إلا كذلك، استغنوا عن الألف، فكذلك "هل" إنما تكون بمنزلة "قد"، لكنهم تركوا الألف؛ إذ كانت لا تقع إلا في الاستفهام (1).
ووقع -أيضًا- في كتاب سيبويه في بعض أبواب الاشتغال، في باب: ما يُختار فيه النصب، وليس قبله (2) منصوبٌ بُني على الفعل، وهو باب (3) الاستفهام، ما نصه: وأما الألف، فتقديم الاسم فيها قبل الفعل جائز كما جاز ذلك في هذا؛ لأنها حرف الاستفهام الذي لا يزول (4) إلى غيره، وليس للاستفهام في الأصل غيرُه، وإنما تركوا الألف في "من"، و"متى"، و"هل"، ونحوِهِنَّ حيث أَمِنوا الالتباسَ، ألا ترى أنك تُدخلها على "من" إذا تمت بصِلَتِها؛ كقول الله تعالى:{أَفَمَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [فصلت: 40].
وتقول: أم هل، فإنما هي بمنزلة "قد"، ولكنهم تركوا الألف استغناءً؛ إذ (5) كان هذا الكلام لا يقع إلا في الاستفهام (6).
فقد صرح سيبويه [بأن "هل" بمنزلة "قد"، بل أتى بإنما المفيدة للحصر.
(1) انظر: "الكتاب"(3/ 189).
(2)
في "ج": "قوله قبله".
(3)
في "ج": "وهو من باب".
(4)
في "ع": "لا يؤول".
(5)
في "ج": "إذا".
(6)
انظر: "الكتاب"(1/ 98 - 100).
وإنكارُ ابنِ هشام أن يكون سيبويه] (1) قالَ ذلك قصورٌ، وقد أوضحناه في "حاشية المغني".
وقول البخاري: وهذا من الخبر؛ يعني: أنها من قوله تعالى: {هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ} [الإنسان: 1] بمعنى "قد"، وأن (2) الكلام خبرٌ (3) عار عن الاستفهام، وبذلك فسره جماعة، منهم ابنُ عباس رضي الله عنه، والكسائيُّ، والفَرَّاءُ، والمبرِّدُ.
قال في "المقتضب": "هل" للاستفهام؛ نحو: هل جاء زيد؟ ويكون بمنزلة "قد"؛ نحو قوله -جل اسمه-: {هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ} (4).
قال ابن هشام: ولعل ابن عباس إنما أراد: الاستفهامُ في (5) الآية للتقرُّر، وليس باستفهام حقيقي، وقد صرح بذلك جماعةٌ من المفسرين، قال بعضهم:"هل" هنا للاستفهام التقريري، والمقرَّرُ به (6) مَنْ أنكرَ البعث، وقد علم أنهم يقولون: نعم قد مضى دهرٌ طويل لا إنسانَ (7) فيه، فيقال لهم: فالذي (8) أحدثَ الناسَ بعدَ أن لم يكونوا كيف يمتنعُ عليه إحياؤهم بعدَ
(1) ما بين معكوفتين ليس في "ع".
(2)
في "ج": "وإن كان".
(3)
"خبر" ليست في "ع".
(4)
انظر: "المقتضب"(1/ 43).
(5)
"في" ليست في "ج".
(6)
في "ج": "والمقر به".
(7)
في "ع": "طويل لإنسان".
(8)
في "ج": "ما الذي".
موتهم، وهو معنى قوله:{وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولَى فَلَوْلَا تَذَكَّرُونَ} [الواقعة: 62]، فيعلمون أنه من أنشأ شيئًا بعدَ أن لم يكن قادرٌ على إعادته بعدَ عدمِه (1).
(1) انظر: "مغني اللبيب"(ص: 461).