الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وتزيد ثلاث آيات عند الكوفي لانفراده بعدِّ (حم) ، وبعدِّ
(عسق) وبعدِّ (كالأعلام) .
فاختلافها هذه الثلاث، انفرد بعدهن الكوفي، ولم يعدهن الباقون.
وفيها مما يشبه الفواصل وليس معدوداً بإجماع، ستة مواضع:
(أن أقيموا الدين) ، (كَبُر على المشركين) ، (من كتاب)(طرف خفي) ، (عليهم حفيظا) ، (من يشاء عقيماً) .
ورويها تسعة أحرف: قدم، لصب، نزر
مقصودها
ومقصودها: الاجتماع على الدين، الذي أساسه الإيمان، وأمُّ دعائمه
الصلاة، وروح أمره الألفة بالمشاورة، المقتضية لكون أهل الدين كلهم فيه
سواء، كما أنهم في العبودية لشارعه سواء.
وأعظم نافع في ذلك الِإنفاق، والمواساة فيما في اليد، والعفو والصفح
عن المسيء والِإذعان للحق، والخضوع للأمر، وإن صعب وشق، وذلك كله هو الداعي إليه هذا الكتاب الذي هو روح جسد هذا الدين، المعبر عما دعا إليه من محاسن الأعمال، وشريف الخلال بالصراط المستقيم.
وتسميتها بالشورى واضح المطابقة لذلك لما في آياتها، وكذلك بالأحرف
المقطعة فإنها جامعة للمخارج الثلاثة: الحلق، والشفة، واللسان، وكذا جمعها لصنفي المنقوطة والعاطلة، ووصفي المجهورة والمهموسة.
وكذا تسميتها ببعضها، بدلالة الجزء على الكل، على أن هذه الحروف
يجوز أن تكون إشارة إلى كلمات منتظمة من كلام عظيم، يشير إلى معنى هذا
الجمع، نحو أن يقال: حكمة محمد عَلَتْ وعمت، فشفت سقام القلوب.
ويجوز أن تعتبر مفردة، فتكون إشارة إلى أسرار تملأ الأقطار، وتشرح
الصدور والأفكار.
فإن نظرت إلى مخارجها، وجدتها قد حصل الابتداء فيها باد في وسط
الحلق إلى اللسان باسم الحاء، وثنى بأوسط حروف الشفة وهي الميم. وحصل الرجوع إلى وسط الحلق بأقصاه من اللسان في اسم العين، وهو جامع للحلق واللسان.
وقصد ثالثاً إلى اللسان بالسين، الذي هو مع كونه أوسط حروف
اسمه من أدق ما يخرج منه إلى الشفتين وهو رأسه، وله التصاق بالثنيتين
السفليين، واتصال بأعلى الفم، ففيه بهذا الاعتبار "حم" ثُمَّ حصل بعد هذا
الظهور بطون إلى أصل اللسان، وهو أقصاه من الشفة بالقاف.
ولاسم هذا الحرف جمع بالابتداء بأصل اللسان مع سقف الحلق.
والاختتام بأصل الشفة العليا، والثنيتين السفليين.
ففي هذه الحروف ثلاثة وهي أكثرها لها نظر، بما فيها الجمع إلى
مقصود السورة وقد اتسق الابتداء فيها بما كان من حرفين، جمعهما مخرج
بالأعلى تْم بالأدنى، إشارة إلى أنه يكون لأهل هذا الدين بعد الظهور بطون، كما كان في أول الِإسلام، حيث حصر النبي صلى الله عليه وسلم وأقاربه في الشِّعب. وفي ذلك أيضاً إشارة إلى أنه من تحلية الظاهر ينتقل إلى تصفية الباطن: مَنْ زيَّن ظاهره بجميع الأعمال الصالحة، صحح الله باطنه بالمراقبة الخالصة الناصحة، على أن هذا التدلي بُشرى بأن الحال الثاني يكون أعلى من الأول، كما كان أعلى من الأول، كما كان عند الظهور من الشِّعب، بما حصل من نقض الصحيفة الظالمة، لأن الثاني من مراتب هذه الحروف أقوى صفة مما هو أعلى منه مخرجاً، فإن الحاء لها من الصفات: الهمس والرخاوة، والاستفال والانفتاح، والميم له من الصفات: الجهر والانفتاح، والاستفال، وبين الشدة والرخاوة.
والعين لها من الصفات ما للميم سواء.
والسين لها من الصفات: الهمس والرخاوة، والاستفال والانفتاح، والصفير. والقاف لها من الصفات: الجهر والشدة، والانفتاح والاستعلاء، والقلقلة. فالحرفان الأخيران لكل منهما خمس صفات، فتلك عشر كاملة، أغلبها قوة، هي بمنزلة ما بعد هجرة النبي صلى الله عليه وسلم، فإنه عشر سنين، أغلبها نصر وفتح.
والحرف الأخير منهما كله قوة، بمنزلة الخمس الأخيرة من سني الهجرة
من سنة الحديبية التي هي أول الفتح، إلى سنة الوفاة، فإنها كلها فتح.
والحرف الأول من أصل حروف هذا الاسم، أكثر صفاته الضعف.
ويزيد بالِإمالة التي قرأ بها كثير من القراء.
والثاني والثالث، هما على السواء في القوة والضعف، وهما إلى القوة
ارجَحَ قليلاً، وذلك كما تقدم من وسط الحال عند الخروج من الشِّعب.
والرابع فيه قوة وضعف، وضعفه أكثر، فإن فيه للضعف ثلاث
صفات، وللقوة صفتين. وذلك كما كان حال النبي صلى الله عليه وسلم عند آخر أمره بمكة الشرّفة حين مات الوزيران: خديجة رضي الله عنها، وعمه أبو طالب.
ولكن ربما كانت الصفتان القويتان غالبتين على الصفات الضعيفة، بما
فيهما بالانتشار بالصفير، والجمع الذي مضت الِإشارة إليه، من الإِشارة
إلى ضخامة تكون باجتماع أنصار كما وقع من بيعة الأنصار.
والخامس - وهو الأخير - كله قوة، كما وقع بعد الهجرة عند اجتماع
الكلمة وظهور العظمة، كما قال صلى الله عليه وسلم:"فلما هاجرنا انتصفنا من القوم، وكانت سجال الحرب بيننا وبينهم ".
ثم تكاملت القوة عند تكامل الاجتماع، بعد قتال أهل الردة، بعد
موته: صلى الله عليه وسلم، لا جرم، انتشر - بعد الاجتماع - أهل هذا الدين في أقطار الأرض يميناً وشمالًا فما قام لهم مخالف، ولا واقفتهم أمة من الأمم على ضعف حالهم وقلتهم، وقوة غيرهم وكثرتهم، إلا ومروا عليهم، فجعلوها كأمس الذاهب. وقد جمعت هذه الحروف - كما مضى - وصفي المجهورة والمهموسة، وكانت المجهورة أغلبها، إشارة إلى ظهور هذا الدين على كل دين كما حققه شاهد الوجود، وصنفا المنقوطة والعاطلة.
وكانت كلها عاطلة - إلا حرفاً واحداً - إشارة إلى أن أحسن أحوال
المؤمن:
أن يكون الأغلب عليه المحو، لا يرى لنفسه صفة من الصفات، بل
يعدها في زمرة الأموات، وإلى أن المتحلى بالأعمال الصالحة الخالصة من أهل
القلوب من أرباب هذا الدين، قليل جداً.
وكان المنقوط آخرها، إشارة إلى أن نهاية المراتب عند أهل الحق: الجمع
بعد المحو والفرق.
وكان حرف الشفة من بين حروفها الميم، وهي ذات الدائرة المستوية
الاستدارة: إشارة إلى أن لأهل هذا الدين من الاجتماع، والانطباق عليه.
والِإطافة به، والِإسراع إليه، ما ليس لمن تقدمهم، وإلى أن لهم من القدم
الراسخ في القول، المقتطع من الفم، المختتم بالشفتين ما لا يبلغه غيرهم.
بحيث أنه لا نهاية له، مع حسن استنارته، بتناسب استدارته.
ثم إنك إذا بلغت نهاية الجمع في الأحرف، بأن جمعت أعداد
مسمياتها، وهو مائتان وثمانية وسبعون، إلى أعداد أسمائها، وهو خمسمائة
وأحد وثلاثون، بلغ تسعاً وثمانمائة سنة وفي السنة الموافقة لهذا العدد من
هجرة نبينا صلى الله عليه وسلم وُلدت.
فكان الابتداء في أصل هذا الكتاب حينئذ بالقوة القريبة من الفعل.
وسنة ابتدائي فيه بالفعل وهي سنة إحدى وستين، في شعبان منها، كان سني
إذ ذاك قد شارف أربعاً وخمسين سنة وهو موافق لعد حرفي "دن" أمراً من
الدين، الذي هو مقصود السورة.
فكأنه برز الأمر إذ ذاك بالشروع في الكتاب، لتحصيل مقصودها.
وسنة وصولي إلى هذه السورة وهي سنة إحدى وسبعين، في شعبان منها، كان سني قد شارف أربعاً وستين سنة. وهو موافق لعدد أحرف دين، الذي هو مقصود السورة.
فأنا أرجو بهذا الاتفاق الغريب، أن يكون ذلك مشيراً إلى أن الله تعالى
يجمع بكتابي "نظم الدرر" الذي خصني بإلهامه، وادخرُه إلى أهل الدين جمعاً
عظيماً، جليلَاَ جسيماً يظهر له أثر بالغ في اجتماعهم، وحسن تأسيهم برؤوس نقلته واتباعهم.
ومن الآثار الجليلة في لحظ هذه الأحرف للجمع، أنه لما كان مقصود
سورة مريم عليها السلام وصف الرحمن، المنزل لهذا القرآن، بشمول الرحمة
لجميع الأكوان، وكانت هذه السورة لرحمة خاصة هي الاجتماع على هذا
الدين، فكانت هذه الخاصة ثانية لتلك العامة، ومتشعبة منها، كانت بمنزلة
اليسار، وتلك بمنزلة اليمين.
فلذلك - والله أعلم - قال الأستاذ أبو الحسن الحِرَالِيِّ في كتاب له في
الحرف:
ولما كان ذلك - أي هذا الاسم - المجتمع من هذه الأحرف المقطعة.
أول هذه السورة، مما ينسب إلى أمر الشمال، كان متى وضع على أصابع
اليسار، ثم وضعت على هائجة ظلم أو جور استولى عليه بحكم إحاطة
حكمة الله، وكانت خمستها مضافة إلى خمس "كهيعص" المستولية على حكمة
اليمين، محيطاً ذلك بالعشر، المحيط بكل الحكمة التي مسندها الياء، الذي
هو أول العشر، ومحل الاستواء بما هو عائد وحدة الألف.