الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والرضا، والتبرؤ من كل حول وقوة، إلى من أنعم بذلك كله، ولو شاء
سلبه.
وأدل ما فيها على هذا المقصود: قصة الأنفال، التي اختلفوا في أمرها
وتنازعوا قسمها، فمنعهم الله منها، وكف عنهم حظوظ الأنفس، وألزمهم
الإخبات والتواضع، وأعطاها نبيه صلى الله عليه وسلم، لأنه الذي هزمهم بما رمى من الحصيات التي خرق الله فيها العادة، بأن بثها في أعين جميعهم، وبما أرسل من جنوده، فكان الأمر له وحده يمنحه من يشاء، ثم لما صار له صلى الله عليه وسلم، رده فيهم، منة منه عليهم، وإحساناً إِليهم.
واسمها الجهاد كذلك، لأن الكفار دائماً أضعاف المسلمين، وما جاهد
قوم منا قط إلا أكثر منهم.
وتجب مصابرة الضعيف: فلو كان النظر إلى غير قوته سبحانه ما أطيق ذلك.
فضائلها
وأما فضائلها: فروى أبو عبيد عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس
رضي الله عنهما: أنها نزلت في بدر.
ولأحمد - قال الهيثمي: ورجاله ثقات - عن عبادة بن الصامت رضي
الله عنه، أنه سُئِلَ عن الأنفال فقال: فينا معشر أصحاب بدر نزلت حين
اختلفنا في النفل، وساءت فيه أخلاقنا، فانتزعه الله من أيدينا، وجعله إلى
رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقسمه رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المسلمين عن بواء.
يقول: على السواء.
وفي كتب الفتوح في وقعة القادسية من بلاد العراق، قالوا: ولما صلى
سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه الظهر، أمر غلاماً - كان عمر رضي الله
عنه ألزمه إياه، وكان من القراء - بقراءة سورة الجهاد - يعني الأنفال - وكان المسلمون كلهم إذ ذاك يتعلمونها، فقرأها على الكتيبة التي تليه، وقرئت في كل كتيبة، فهشت قلوب الناس، وعرفوا السكنية مع قراءتها.
قال مصعب بن سعد: وكانت قراءتها سنة، يقرؤها رسول الله صلى الله عليه وسلم عند الزحف وويستقرئها، فعمل الناس بذلك.
قالوا: ولما فرغ من القراءة كبّر سعد، فكبر الذين يلونه، وكبّر
بعض الناس بتكبير بعض، فتخشخش الناس، ثم ذكر أمر اليوم الأول في
القتال.
وفي الفتوح لأبي القاسم عبد الرحمن بن حبيش، وكذا تلميذه الحافظ
أبو الربيع بن سالم الكلاعي، في أواخر وقعة اليرموك، عن كتاب سيف
بن عمر، عن أشياخه: وكان القارىء يوم ذاك المقداد بن الأسود.
قالوا: ومن السنة التي سنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد بدر أن تقرأ سورة الجهاد عند اللقاء، وهي سورة الأنفال، ولم يزل الناس بعد على ذلك.
وروى البزار - وفي مسنده عبد العزيز بن عمران، وهو ضعيف - عن
عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه قال: نزل الِإسلام بالكره والشدة.
فوجدنا خير الخير في الكراهة، فخرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة فجعل لنا في ذلك العلاء والظفر، وخرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بدر على الحال التي ذكر
الله عز وجل: (وإن فريقاً من المؤمنين لكارهون) - إلى قوله: (وتودون
أن غير ذات الشوكة تكون لكم) ، والشوكة: قريش، فجعل الله لنا
في ذلك العلاء والظفر، فوجدنا خير الخير في الكره.