الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
العِيدي:
من أهل بريدة.
منهم الشاعر المشهور محمد بن عبد الله العيدي، مات في عام 1353 هـ حسبما أخبرني بذلك حفيد له.
وله بنت عمرت وماتت عام 1394 هـ، وكنا نعرفها وهي كبيرة السن باسم (العيدية) نسبة إلى العيدي، وهي جدة الشيخ صالح بن عبد الرحمن السكيتي من جهة الأم، وكان بيتها قريبًا من بيتنا في شمال بريدة القديمة.
ولأبي صالح العيدي أخبار طريفة، ونكت عذبة، منها ما حدثني به والدي رحمه الله، قال: لقيت الشاعر العيدي بعد أن ترك الزراعة وتعطل فقلت له: كيف حالك يا أبو صالح؟ فقال: ثان على ضرسي، يريد أنه سيأكل ما يقدم إليه.
قال والدي: فأخذته معي وقدمت له صحنا من التمر، وسويت القهوة فلما أخذ يشرب منها بعد أن شبع من التمر، قال: الله يغنيك، أنت ما أنتب من أهل هالزمان اللي سلامهم سلام حريم: كيف أنت؟ كيف عيبلك؟
ويروح ويخليك لا يعزم، ولا يحط لك شيء.
هذولاك ما يفهمون، والا وش كارهم من عييلي ينشدونَنْ عنهم؟
الحكي بي أنا.
حدثني والدي رحمه الله قال: كنت أحب أن أسمع كلام محمد العيدي بما كان جرى له في شبابه، فقلت له: يا أبو صالح: علمني عن اللي جرى لك بالزمان الفايت، فقال:
والله يا ابن الحلال - سنة من السنين زرعت ووافق الزرع وصار
طوفان، وسنة أخرى زرعت ولا صار الزرع شيء، وسنة بل سنوات لحقني دين وسنة قعدت بلا شيء، وكل هذا راح الحكي الليلة هو عشاي به طعم، يعني لحمه أو ما فيه شيء.
أقول: كأنما يريد العيدي أن يقول بلغة عصرنا: التعويل على الحاضر وإلا الماضي ذهب بما فيه.
وحدثني والدي أيضًا قال: أجدبنا مرة فخرج أهل بريدة إلى (المطا) يستسقون وأخرجوا البهائم والنساء والأطفال، وكان ذلك بعد انسلاخ فصل الشتاء دون مطر، فلما انصرفنا لقيت (العيدي) فدعوته إلى القهوة و (القدوع) في البيت فسر بذلك، ولما وصلنا الباب الشمالي من سور بريدة داخلين رأيت ما يشبه السحاب الأسود مقبلًا من جهة الشمال الغربي فأخبرته بذلك، وكان قد ضعف بصره، ففرح وقال: لعله سحاب إلَّا أنه بعد قليل أصبح لونه أصفر، وانتشر بسرعة فقلت له: إنه (عجاج يا أبو صالح) ولم نكد نصل إلى بيتنا حتى بدأ يزلزل الأبواب فأنشأ العيدي يقول:
هذا زمان لي شاف الرجل رفيقه
…
امتقعْ وجهه ودمه به يغور
نستغيث ولا يجي كَود العجاج
…
حاكم يظلم وفي حكمه يجور
وما دمنا في الحديث عن الاستسقاء فلنذكر حادثة استسقاء (العيدي) وذلك أن الناس أجدبوا سنة واحتبس عنهم المطر، فخرجوا للاستقاء إلَّا أنهم منعوا (العيدي) من الخروج معهم إلى الاستقاء وقالوا: هذا شاعر يقع في أعراض الناس، ونخاف إذا كان معنا ألا يقبل دعاؤنا.
فاستسقى الله لنفسه، وكان زارعًا في (قصر العيدي) قصره، وأنشأ منظومة مؤثرة يستسقي فيها الله تعالى.
وتسمى تلك المنظومة (استغاثة العيدي) والاستغاثة عند العامة هي
الاستسقاء أي الدعاء بأن يسقي الله الناس من السماء بأن ينزل عليهم المطر.
فجمع أهله، وجعل يستغيث حسب معرفته، فصلى ركعتين ثم دعا: وهم يؤمِّنون، فقال:
ياربنا يا عالي
…
يا راحم الأحوال
إفرجها بسيله
…
يا اللي سريع نيله
من مُدْلِهِمٍّ ناشي
…
ترعي به الأدباش
واللي ردي حيله
بعاريننا له جَضَّهْ
…
ومن الهزل مِرْتَضِّهْ
والعامل كِبر حَظِّه
…
يقول يا مَنْ هي له؟
عيالنا جَزَّونا
…
وعمالنا مَلُّونا
وضيوفنا ضامونا
…
وديني من يشيله؟
قالوا: فأمر الله سبحانه سحابة أن تمطر إلى جهة الغرب منه وفوق زرعه فسال السيل إلى جهته وشرب زرعه دون زروع الآخرين.
قال العيدي يذكر الشيخ محمد بن عبد الله بن سليم عندما أقصاه عبد العزيز بن رشيد إلى النبهانية:
يا رادّ يوسف علي يعقوب
…
ترد شيخ لنا غالي
شيخ كريم ونظيف جيوب
…
وروايته عن أبا العالي
ماهوب رعديد رديد خبوب
…
عِد ومن جاه رَوْيان
وقصته مع دائنيه في زرعه، وذلك أنه كان قد استدان على زرعه الذي يراد به القمح والحبوب لأن له قصرًا يعرف بقصر العيدي في المتينيَّات يزرع
فيه القمح والحبوب مما يسمى عندهم زرع الشتاء، وقد يزرع فيه زرع القيظ وهو الذرة والدخن.
وهو يستدين مثل غيره من الفلاحين الذين يستدينون من التجار ثم يوفونهم من محصول زرعهم فإذا كان المحصول قليلًا لا يكفي للتاجر والزارع كانت المصيبة على الزارع.
وفي سنة من السنين كان المحصول رديئا فجاء الدائنون إليه وتولوا حصاد زرعه ودياسه ثم تطييبه بمعنى ذريه في الهواء، لا يثقون به، إذا فعل ذلك لأنه في نظرهم قد يدخر منه شيئًا أو يخبئ منه شيئًا لأيام الجوع المقبلة.
ولذا منعوه حتى من الاقتراب من الزرع، ولم يكن بيده حيلة إلَّا أن ينظم منظومة ويسارع إلى حسن بن مهنا أمير القصيم يلقيها على مسامعه تتضمن بيان حاله وما فعله الدائنون في زرعه، حتى إنهم لم يسمحوا له بوجبة واحدة يشبع منها هو وعياله من القمح الذي أنتجه.
فما كان من حسن المهنا إلَّا أن أرسل لدائنيه وكفهم عنه، وتحمل مالهم عليه من الدين في الزرع وترك الزرع للعيدي وعياله.
والقصيدة طويلة وكنت سمعت الشيوخ ينشدونها والنساء المسنات يحفظنها، ولكن دون كتابة فذهبت مع الذاهبين، وحتى أنا نسيت بعض أبيات كنت حفظتها منها في صغري.
قال محمد العيدي يخاطب الأمير حسن بن مهنا:
سلام عليك يا عز القصيم
…
يا زبن الفلاليح البياد
أنا جيتك مقزيني ديون
…
ظني فيك إني في بلادي
جونا غلمةٍ معهم مناخل
…
وقالوا يمكم فينا سداد
طلبنا وجبة نبي نذوقه
…
نعده شبعة يوم الجداد
صار بينهم عانج ووانج
…
واقطعوا الرأي بمدٍّ ما يزاد
وبعدها أبيات تصف دبر ذلك التاجر وهو يعمل في تصفية العيش، وكذلك وصف أعضاء جسمه السفلى مما لا يستساغ أن يذكر هنا لفحشه.
وتضاف إلى العيدي أشياء عديدة منها استغاثة العيدي التي ذكرتها وصلاة العيدي وقصتها كما حدثني بها والدي عن الشاعر محمد العيدي، قال: كنت زارعًا في المتينيات وتقع جادة الطرفية إلى الشرق من مزرعتي، ولم يكن عندي في ذلك اليوم حبة قهوة ولا حبة قمح ولا تمرة واحدة، فقد صادف ذلك نفاد كل ما عندي، وقد أرسلت ابني صالح في فجر ذلك اليوم إلى دياننا في بريدة (دحيم العليط) ليحضر لنا ذلك منه.
قال: وفي ذلك اليوم بينما كنت في الزرع أقبل أهل خمس ركايب من شمر تنادي بعضهم بعضا: نريد أن نخطر، أي نضيف هالشايب - يعنونني، فقال أحدهم: خلونا نضيف هالشايب حنا مشتهين القهوة والتمر.
قال: فأسقط في يدي إذ لم يكن لديَّ ما أقدمه لهم.
قال، وكان الوقت في آخر الضحى، فقلت لهم: يا ها اللحي الغائمة، حاجة الله أبدًا خلونا نصلي.
قال: فأدخلتهم مسجدا هو حجرة ليس لها حائط من جهة الشرق وهي المعاكسة لجهة القبلة، وبدأت بعد الفتحة أقرأ كل ما أحفظه من القرآن ثم بدأت أعيد في نفسي ما قرأته.
قال: وقد فعلت ذلك انتظارًا للفرج فإما أن يصل ابني صالح من بريدة معه القهوة والتمر أو يملوا فيذهبون.