الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
العييري:
من أهل بريدة، أصل اسمهم العجيري وهم أسرة مشهورة في الحوطة كان منهم علماء وأدباء هناك.
والعييري جاء جدهم إلى بريدة فسأله أهلها عن اسمه فكان يجيب العييري، يريد العجيري على لغة أهل حوطة بني تميم التي جاء منها في إبدال الجيم ياءً في لغتهم، فأسماه أهل بريدة (العييري) بالياء على لفظه الذي خرج من فمه وبقي ذلك حتى الآن.
أول من جاء منهم من الحوطة إلى بريدة أحمد بن حسين العجيري ومعه اثنان من أبناء عمه فسموا أيضًا بالعييري، لأنهم هكذا يلفظون بأسمائهم.
ثم انتقل منهم حمد بن صالح العييري من بريدة إلى الكويت وأنجب ابنه صالحًا فصارت له شهرة ووضع تقويما، ورجع إلى لفظ اسم الأسرة الأصيل عندما كانوا في الحوطة وهو العجيري - بالجيم - وسمي تقويمه:(تقويم العجيري).
أكبر أسرة العييري سنا في الوقت الحاضر - 1409 هـ - علي بن أحمد بن علي بن أحمد بن حسين العييري.
أشهر الأسرة بالمال والثراء والوجاهة أحمد بن علي العييري أدركناه، بل عاصرناه فكان ثريًا محبوبًا من الناس.
كانت معظم تجارته أو لنقل أولها البيع والشراء في الإبل ومعاملة أهل البادية بالتجارة، وتبضيع تجار المواشي وهم عقيل الذين يتاجرون بها من نجد إلى الأمصار القريبة يعطيهم النقود يستثمرونها ويشترك معهم فيما تحققه من ربح، كما كان يفعل كثير من أثرياء أهل بريدة.
واشتهر أحمد بن علي العييري هذا بحرصه على إخراج زكاة ماله، وتحري المحتاجين المتعففين بها.
وقد رزق أحمد العييري بأبناء صالحين عاملين بجد بالتجارة، وكانوا عضدا له عندما كبر سنه وكثر ماله، وكانوا أول الأمر من عقيل: تجار المواشي ثم تفرغوا للتجارة في الداخل.
وبنى مسجدًا في شرقي بريدة من ماله لم يشاركه في النفقة عليه أحد ويعرف هذا المسجد بمسجد العييري.
مات أحمد العييري في ربيع الآخر من عام 1383 هـ عن 87 سنة.
قال الشيخ إبراهيم بن عبيد في تاريخه، في حوادث سنة 1383 هـ:
وممن توفي فيها من الأعيان أحمد العلي العييري، كان رجلًا من أثرياء بريدة وفيه رجولة ودين ومحبة لأهل الدين حسّن المعاملة، طيب العشرة، محسنًا إلى الفقراء والمساكين وذا عقل ومعرفة، مرضيًا عنه من سائر طبقات النّاس وآتاه الله مالًا وأولادا، وكان شكور النعم الله، وكانت وفاته عن عمر يناهز الثمانين عامًا وقد شهد جنازته جموع كثيرة، وأثنى عليه المسلمون يوم وفاته تغمده الله برحمته وأسكنه بحبوح جنته (1).
ومنهم فهد بن علي العييري وهو ثاني أبناء أحمد العييري ولد في عام 1333 هـ.
وهو رجلٌ تجارة ناجح سالته في عام 1413 هـ عن عدد أولاده فأجاب: إنهم كثير فهم (27) فيهم 17 ابنًا والباقي بنات!
وقال أحد الحاضرين: إنّ أخاهم وهو الابن الأصغر لأحمد بن علي العييري، واسمه صالح بن أحمد العييري مدير المعهد العلمي في بيشة له من الأولاد الآن (42) اثنان وأربعون، وربما كان في هذا الرقم مبالغة سببها كثرة أولاده، وأنا أعرفه عندما كان طالبًا عندنا في المعهد العلمي في بريدة.
(1) تذكرة أولي النهى والعرفان، ج 5، ص 318.
ومن أسرة العييري الدكتور سليمان بن إبراهيم العييري له كتاب: (الخلق الإداري في الإسلام)، رأيته مطبوعا على الآلة الناسخة في (100) صفحة.
وهو من أفضل ما كتب في بابه، وهو في موضوع مهم جدًّا، وبخاصة في هذا الوقت الذي حصل فيه التوسع الإداري في بلادنا.
ثم حصل على الدكتوراه، وألف كتابًا حافلًا في التحكيم التجاري الدولي والتحكيم السعودي: دراسة مقارنة طبعه في عام 1428 هـ - 2007 هـ الطبعة الأولى، وبلغت صفحاته 780 صفحة.
والكتاب قليل النظير في اللغة العربية.
ومنهم الأستاذ صالح بن عبد الله بن أحمد العييري ألف عدة كتب منها (الجغرافيا ولجام الحق: تتبع الأسس الجغرافية لظاهرة الجبال والامطار والرياح)، طبع في مطابع السلمان في بريدة 1410 هـ.
وكتاب: (البداية كانت: قصص الاختراعات والاكتشافات)، نشرته له الجمعية العربية السعودية للثقافة والفنون بالقصيم، طبع في مطابع السلمان في بريدة عام 1408 هـ.
نبذة عن المؤلف:
هو صالح بن عبد الله العييري، من مواليد 1371 هـ، في بريدة.
ويحمل (بكالوريوس جغرافيا) 1396 هـ، من جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، يعمل في حقل التعليم، وهو عضو الجمعية الجغرافية السعودية، وعضو نادي القصيم الأدبي، وعضو الجمعية السعودية للعلوم التربوية والنفسية.
وله كتاب أدبي نفيس عنوانه: (تولب نافع والتولب هو ولد الحمار، أو قل: إنّه الفتيُّ من الحمير.
وقد أجرى على لسانه أقوالًا وحكمًا وأشعارًا وأفكارًا عميقة، ولكن الكتاب لم يجد من القراء هذا الاحتفاء اللازم لمثله، طبع هذا الكتاب في 280 صفحة في مطابع السلمان للأوفست في بريدة.
وقد قدم له بإهداءين اثنين على خلاف العادة قال فيهما:
إهداءان:
منذ ثلث قرن قرر الأطباء ووافق الجميع على بتر يدي الطفل الصغير، فلا أمل من شفائهما.
قال الجد رحمه الله لابد من إخبار أمه كي لا تفاجا بابنها دون يدين، فأخبروها.
وقفت الأم ضد الجميع تصيح بهم: هاتوا ابني فلن يدفن بعضه وهو حي فقال الأب: أعطوها ابنها فمعها الحق.
وفي مشراق الفيناء وبين يدي الجدة العزيزة بدأ الطب الشعبي حيث عجز الطب الحديث، وما هي إلَّا أسابيع وإذا بالصغير يمسك بيديه الأشياء، وهو الأن يكتب بهما إهداء لوالديه ووالديهما.
فإليهم أهدي كتابي.
ابنكم صالح
ليس بالضرورة وجود ألم يعصر قلب الأبوين لكشف مكنون التهاب قلبيهما.
فيا أخي القارئ، ويا أختي القارئة قدما ما بوسعكما ولا تنتظرا الالتهاب، فقد يحترقان من انتظار ما بوسعكما، أو يحترقان من قدح قلبيهما إنّ كان فوق طاقتهما.
وإلى كل من لا ينتظر أهدي كتابي
أخوكم المؤلف
ذي القعدة 1414 هـ - أبريل 1994 م
وهو يعني بالفتى الذي قرر الأطباء بتر يديه نفسه إذ شفي من مرضه وعادت يداه كما كانتا صحيحتين كتب بهما كتبًا عديدة!
من أقواله في هذا الكتاب يخاطب التولب وهو الحمار الصغير:
ثرثرة المرأة أمر متواتر ليس هناك مجال للنقاش فيه، عندما يعود الرجل من العمل تستلمه الزوجة فلا تجعله يهنا بعيشته، وعندما يجتمعن حديثهن لا ينقطع.
أبدا يا نافع أنتم أيها الرجال أكثر ثرثرة من النساء، النساء يقبعن في بيوت خرس طوال فترة عملكم، خرس حتى تعودوا من العمل، فماذا تنتظر من ربة البيت (أن تستمر خرساء)، أما الموظفة فلا تستطيع أن تتهمها بالثرثرة لأنها مثلك أيها الرجل قد أخذت نصيبها من الثرثرة في العمل.
أما ثرثرتهن مع بعضهن فناتج عن الفترة القصيرة التي تمنحونهن فلابد أن يقلن كل ما في جعبتهن، وأنتم أيها الرجال مع طول فترات اجتماعاتكم لا تجلسون خرسا لا تتحدثون.
لو نفَّذنا إحصائية وأخذنا صمت ربة البيت وفترة السماح القصيرة الخروجهن لوجدنا أن الثرثرة ميزة رجالية.
لقد انكشفت أيها التولب، إنك ممن يطالب بتحرير المرأة، إنك ممن يدَّعي أن حقوقهن مسلوبة مهضومة كالكاتب قاسم أمين الذي طالب بتحرير المرأة.
- لست من حزب قاسم أمين وأضرابه كالأديب أحمد حوحو الذي يقول (لا وجود للمرأة في بلادنا، لدينا آلات للنسل نحتفظ بها في بيوتنا) أو الأديب التونسي الطاهر الحداد الذي ينادي بالتحرر في كتابه "امرأتنا في الشريعة والمجتمع"، وفيه يقول (إنّ سجن المرأة لم يكن قاصرا على جسمها بل إنّه واقع أيضًا وبصورة أشد على روحها).
- ولست نصيرًا للمرأة كالدكتور اللبناني جورجي باز المعروف بـ"نصير المرأة" والذي يطالب بأن تكون المرأة صنو الرجل، وقد علق على دعوته الشاعر موسى الزين شرارة بقصيدة ومنها:
لو أن غيرك يا ابن الباز خاطبنا
…
بمثل ما قلت قلنا ويحه كفرا
أتيت تطلب تعليم الفتاة وأن
…
تشدو فتسمعنا من نظمها الدررا
ما الفتاة وما للعلم في بلد
…
لو أمكن البعض فيه حجب الذكرا؟
أنا يا نافع لست مع هؤلاء، أنا مع الضعيف حتى يقوى، إنني أطالب بتحرير الرجل من جبروت المرأة.
لترسب ضعف المرأة في عقل نافع ظن أن التولب قد غلط، وأنه مع المرأة حتى تأخذ حقوقها الشرعية، فقال منبهًا تولب:
تقصد تحرير المرأة.
بل أعني ما أقول، فالمرأة هي المسيطرة، وأطالب بتحرير الرجل وينبغي أن تضم صوتك لصوتي لتحريره مما يعاني.
كيف تقول ذلك والرجال والنساء متفقون على أن (تحرير المرأة) قضية مطروحة، وإن رفضها البعض من الطرفين.
لا يعني الاتفاق حقيقة الأمر، الزعيم الألماني النازي هتلر عندما انهزم أشاع المؤيدون والمعارضون انتحاره دون أن يتأكد الطرفان، فالمؤيدون أشاعوا الانتحار حتى ينتهي حزبه ويستسلم، كذلك قضية (تحرير المرأة) استأنس بهذه المقولة بعض الرجال، والبعض الآخر شهر سيفه لمعركة التحرير وكلاهما ليثبت قوته الوهمية، وطالبت المرأة بالقضية نفسها لتنال حقوقًا أكثر.
عقد نافع جبينه وكشر بوجهه كردِّ فعل من استهتار التولب بالرجال فقال بحنق:
أتغالط، نحن القوامون على النساء؟
لا اعتراض على قوامتكم عليهن، وهل تريد أن يأخذهن من لا يستطيع القوامة؟ هذا محال أن تعيش جوهرة على رصيف الحياة.
أن تعيش ذرية عالة، أن تعيش من جبلت على الحمل والرضاعة ومعاناتهما على من لا يستطيع القوامة، أو تريد أن تكون القوامة عليها وهي في حملها ونفاسها؟ الحكمة الإلهية اقتضت أن تكون أنت أيها الرجل القوام.
انتظر التولب لعل نافعا يطلب معنى (القوامة) لكنه لم يفعل، فقال التولب ليحرك غريزة حب الاستطلاع:
حتى ابن المرأة الرضيع إن أرضعته فلها الحق في طلب أجرة إرضاعه وهذا جزء من القوامة.
بادر نافع في وقف معنى القوامة بتساؤله:
إذن ما صفة جبروتها وقوتها؟
إنك تكد عليها وتشقى لتسعدها وتنفذ أوامرها كقرارات الزواج وغيرها.
نحن الذين نطلبهن للزواج.
لكن الكلمة الأخيرة لها إذن القرار بيد المخطوبة ولا عبرة بالقلة المخالفين للتشريع الذين لا يستأذنونهن، ثم لأمها وقريباتها قرارات مراسيم الزواج، ويندر منكم من يتخرج بنته دون مراسيم.
لو أنهن الأقوى لما تزوج البعض على زوجته.
لا حكم للأقلية القوية من الرجال، ثم إنّه ليس كل زواج دليل على قوة
فقد سبق أن تحدثنا عن العقوق وقلنا إن له دورًا في الزواج، وقد يكون دافع الزواج دفع ظلم الزوجة وهذا إثبات أنهن المسيطرات فتنتصر له الزوجة الثانية فلا يفل الحديد إلا الحديد.
هذا لا يكفي لإثبات قوتهن.
متى اقتنعت يا نافع بطروحاتي حتى تقتنع وأنا أهز رجولتك وأنادي بتحريرك؟ لكن خذ قوتهن في محيط الأسرة.
أثناء تناول التولب للكوب تسمر نافع خوفًا من دليل مقنع، وبعد برهة من الوقت واصل التولب حديثه:
كل رجل منكم إمّا أنّه تحت سيطرة الأم أو الزوجة ويقل من يستطيع أن يوازن، الأم لها بالشرع حقوق (أمك ثم أمك ثم أمك) وللزوجة بالشرع حقوق (خيركم خيركم لأهله)، فأنت مأمور بهذه الأقوال وغيرها كثير بطاعتهما، يختل توازن الطاعة بعنف وتثور ثائرة الأم إن استولت بنت النّاس على ابنها الذي نسي تعب وحق الأم، ويختل من الجانب الآخر إن استمرت طفولة الرجل إلى ما بعد الزواج بهذا تجد بنت النّاس أن أحلامها سراب بقيع، وفي الحالين إمّا أن تنتصر إحداهما وتحتويه أو يستطيع أن يقسم الطاعة بينهما فيريح ويستريح.
لم أقتنع فنحن الرجال الأقوى بيدنا الطلاق.
أتريد أن يكون سلاح الطلاق مع المرأة الأقوى؟ فتكون المرأة في البداية الموافقة على الرجل وفي النهاية الرافضة لوجود الطلاق بيدها، عليه لن تتزوجوا وإن تزوجتم لن تستمروا، لكن الحكمة الإلهية اقتضت العدل، فالمرأة المقرة للزواج المسيطرة والباكية لطلب المزيد، وبالمقابل بيد الرجل الطلاق لإحداث توازن القوى في البيت، تصور بيتا لا يوجد فيه سلاح الطلاق ما
حالته؟ إن كنت تمتلك قوة تخيل تصور ذلك التحكم.
فكر نافع بتغيير اتجاه الحديث إلى الفرق بين ذكر وأنثى الحيوان لعل التركيز على الرجل يخف فقال نافع:
لم أقتنع فنحن الأقوى، فالمرأة تتجمل لنا أما بنو الحيوان فالذكر هو الذي يتجمل لها، ويناطح من أجلها.
ونطاح بني البشر بالمهور أيُنسى؟ وإنه لأشد من نطح القرون فاسأل المحرومين إن كنت لا تعلم، ولبساطة طرحك هذه المرة لن أذكر مجالات تجملكم المادية والمعنوية، ولكن خذ حقيقتكم من حكاية (اليدي استور).
وما هذه؟
هذه سيدة كانت تتحدث في مأدبة كبيرة، فزعمت أن الرجال أشد اختيالًا من النساء، فأحدث قولها عاصفة من الاعتراض فردت بأنها قادرة على إقامة الدليل الحسي، ثم قالت: مما يؤسف له أن أذكى الرجال وأعلمهم، أقل النّاس عناية بملابسهم فحول هذه المائدة مثلًا رجلٌ لعله أعظم المعاصرين ثقافة، ومع ذلك فإن ربطة ياقته شوهاء تؤذي العين.
فامتدت أيدي الحاضرين فورًا إلى ربطات أعناقهم ليتحسسوها أو يصلحوا من شأنها، فضحك الجميع.
بحث نافع عن مدخل لانتقاص هذه الحكاية، هنا تذكر الأثر القائل (إنّ المرأة ناقصة عقل ودين) فقال:
مهمًا قلت فالرجل هو الأقوى، ففي الأثر (المرأة ناقصة عقل ودين).
- عقلك يا نافع هو الأكثر نقصانًا، نحن بواد وأنت بواد، نتحدث عن القوة وتحدثنا عن العقل، لا أريد أن أدخل في حوار عن عقل المرأة والذي
يفوق كيده كيد الشيطان (إنّ كيدكن عظيم) كما أنني لا أريد أن أظهر ميزتهن المتمثلة بالنسيان، والتي هي وراء استمرار النوع البشري، فالمرأة تتعرض الآلام المخاض ولو أنها تتذكر ما عانته لما عادت لاستقبال بعلها بكل ما تملكه من وسائل الإغراء بعد فترة النفاس، لكنها حكمة إلاهية أنها تتعرض للنسيان ولهذا فشهادة المرأة نصف شهادة الرجل يقول تعالى:(فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون) وليست هذه الظاهرة انتقاصا لعقولهن كما أنها لا تقلل من عبقرية العباقرة الذين يتعرضون لظاهرة النسيان كألبرت أنشتاين الذي يسأل زوجته كثيرًا أين وضع القلم.
وغالبًا تكتشف أن القلم على طاولته.
ليس الأمر يا نافع كما يظن البعض من الرجال والذين يعتقدون بوجود تناقض بين نصف الشهادة والكيد العظيم المنبثق من العقل فهالهم الأمر ونادوا بـ (تحرير المرأة) وكانت عوامل الدفع تأتي من الطرف الآخر حيث يظن البعض أن نصف الشهادة تعني بالضرورة نقصان العقل، فالطرفان بطريق مباشر وغير مباشر أحدثا قضية تحرير المرأة.
قلت ذلك لنكون في وادي ولنعود لحديث القوة لا العقل، فلا يختلف اثنان بأن عقل هتلر أقل من عقل أي فيلسوف ألماني، ومع هذا قاد هتلر ألمانيا إلى الهاوية لأنه الأقوى، تماما كما يقدنكم إلى الهاوية، فطلبوا بتحريركم من براثنهن.
وضع التولب حافره على غرته، ثم قال متذكرًا:
لو أتيت يا نافع بالحديث الذي استمدوا منه الأثر لتركت الاستدلال به، لأن الحديث فيه الرد على حجتك، ففي صحيح مسلم حديث (ما رأيت من ناقصات عقل ودين أغلب الرجل الحازم منكن) وفي رواية أخرى (الذي اللب منكن) فالحديث مع الواقع يؤكد قيادتهن لكم للهاوية، والتي تفوق هاوية هتلر.
وجد نافع ثغرة في طرح التولب فلا مقارنة بين هاوية هتلر وهاويتهن حسب زعم التولب، فقال مدفوعا بكرامته التي تهان:
أي مقارنة هذه؟ أتخفي عليك هاوية هتلر؟
تهون هذه الهاوية أمام هاوية الحروب وهاوية قيادة الأسرة في كل بيت.
أتزعم بأن للمرأة دورا في الحروب إلى جانب زعمك بقيادتهن للبيوت؟
فتش عن المرأة تجدها خلف كواليس الحروب، فمن الحرب خوفًا عليهن لدرجة وأدهن، أو الرغبة في سبيهن، إلى زنوبيا والبسوس والحولاء إلى وا معتصماه، بل إلى كل امرأة ترفض فلذة كبدها حتى يأخذ بثار أبيه، إلى كل امرأة تلطم الخد وتشق الجيب حتى تقوم الحرب، إلى كل فتاة جميلة ترفض أن يضاجعها بعلها وهو لم يأخذ الثأر وممن؟ من الأقارب وبتعبير يقطر أسي وحزن، يقول البحتري:
تذمَّ الفتاة الرود شيمة بعلها
…
إذا بات دون النار وهو ضجيعها
حميَّة شعب جاهلي وعزة
…
كليبيّة أعيا الرجال خضوعها
تُقتّل من وتر أعز نفوسها
…
عليها بأيد ما تكاد تطيعها
إذا احتربت يومًا ففاضت دماؤها
…
تذكرت القربى ففاضت دموعها
شواجر أرماح تقطع بينهم
…
شواجر أرحام ملوم قطوعها
رجال تقتل أقاربها فإذا فاضت دماؤها تتذكر القربي فتبكي، ولا تستطيع إلَّا تنفيذ أوامر الزوجات لأنهم آلات بأيديهن.
وأسلحتهن لا تقتصر على الرجال كآلات بل هناك ذخائر من نوع آخر،
في مسرحية (جمهورية جنونستان) لنزار قباني، أخرجت المرأة مرآة ومشطًا وعلبة بودرة وأنبوب أحمر شفاه وقارورة عطر، وقالت للمسلحين الذين طلبوا منها إخراج أسلحتها: صدقوني أنا لا أخبي شيئًا والسلاح الذي وضعته أمامكم هو السلاح الذي تحمله كل امرأة في العالم.
والجمال والدموع وسحر العيون والقد وحمرة الخد وغيرها وغيرها أسلحة طبيعية، هذه أسلحة بأيديهن، يعترف الشيخ برهان الدين بذخيرتهن فيقول:
أهداب لحظك للورى شرك فمن
…
أوثقت فيهن لا يتفلت
كيف النجاة ورمح قدك مشرع
…
كيف الخلاص وسيف لحظك مصلت
وتترنمن مع جرير لما قال:
إنّ العيون التي في طرفها حور
…
قتلننا ثم لم يحيين قتلانا
يصرعن ذا اللب حتى لا حراك به
…
وهن أضعف خلق الله أركانا
اعتراف ضمني بالقتل، ومع هذا فالبعض يعتبر ما قاله جرير أغزل بيت قالته العرب.
من يحملن هذه الذخائر ألا يتربعن علي عرش القيادة؟ ألا يدرن المعارك المنزلية وغيرها؟ إنّ فتاة الرود خلف كواليس حروبكم ويندر ألا تكون المرأة موجودة اللهم إلَّا الحروب التي هي بدوافع دينية.
عزم نافع على إيقاف حديث التولب فهذه حروب الأقارب، فماذا لو جاء بحروب الأباعد؟ فقال وهو ينظر لساعته التي تتباطا عقاربها:
الشرع يأمرهن بطاعتنا، وأنت يا تولب تقول بطاعتنا لهن.
- قولك يدل على قوتهن فلا يؤمر إلَّا العاصي أو الذي يتوقع عصيانه، لكنكم أيها الرجال لا تعترفوا بالواقع عدا القليل منكم كثواب الذي ضُرب به المثل بالطاعة.
رغم جهل نافع بهذا المثل إلَّا أنّه لم يطلب إيضاحا، لكن التولب واصل حديثه قائلًا:
ثواب رجل من العرب سافر سفرًا طويلًا ثم انقطع خبره، فنذرت امرأته
إن جاء أن تخرم أنفه وتجيء به إلى مكة فلما قدم أخبرته بذلك فأطاعها عليه، فضرب به المثل فقيل (أطوع من ثواب).
ولمحمد بن موسى الملقب بـ (سيبويه المصري) إجابة تتضمن الإقرار بقوة النساء، فقد كان محمد يركب في الأسواق حمارة، فقيل له لماذا تركب حمارة؟ قال: لأن في البيت حمارة تركبني.
لاحظ التولب أن نفسية نافع قد تكدرت، فقال ملطفًا الجو:
أبناؤكم أيها الرجال انتصروا لكم من المرأة، فالأطفال يحكمون أمهاتكم، قال (لتميستوكل) السياسي الإغريقي لابنه الصغير: أنت يابني أقوى مخلوق في العالم، فسأله وكيف ذلك يا أبتاه؟ فقال الوالد: لأن العالم يحكمة الإغريق، وأهل أثينا يحكمونهم، وأنا أحكم أثينا، وأمك تحكمني، وأنت تحكم أمك.
تحركت نخوة الرجولة في نافع لكنها ذليلة، وقال والرجا، ينضح من كلماته:
ظلمتنا ياتولب، لقد وضعتنا تحت حكم امرأة يحكمها طفل، جُلَ حكاياته كذب وتخيلات، لقد قسوت علينا.
تخيلات الطفل ليست تمت للكذب بصلة، وهي تمامًا كوجبات الكذب التي تتناولونها قبل النوم، فلا تخجل في أن يحكمك طفل يتجرع ما تتجرعه.
أيقن نافع أن التولب سيقارن بين الطفل وهو الأقرب لعقلية الحيوان وبين الرجل، وهو يفكر في تفويت فرصة المقارنة، قال التولب متداركًا الوقت:
الوقت لا يسمح بالمزيد، فالطفل
…
نهض نافع لكي يودع ضيفه، غير أن التولب استمر يتحدث:
فالطفل يلجأ للخيال والكذب لمواجهة الواقع المحّيِّر بالنسبة له، ففي
الواقع أمور يصعب على سنه تفسيرها وإدراكها فيخترع خيالًا يقابل غامضه، ومع الوقت يقل خياله كلما أدرك الواقع، لكن المصيبة أنتم الكبار؟
أنحن الكبار نتخيل؟
تدركون الواقع وتتخيلون بما يناسب فشلكم، الواحد منكم عندما يأوي للنوم يستعرض شريط اليوم فيأتي القلق ويلازمه مؤنبا ويوقظه محاسبا، إلى أن يتناول وجبة من الكذب تسمى (الأماني والآمال) فيغطي فشله وواقعه بها فينام متخيلًا النصر، وقد يرفض العقل هذه الوجبة لأن الفشل أكبر من أن يُستر حتى بالتخيل فيلازمه القلق إلى أن يدرك الواقع المرير.
هكذا ترى أيها الكبير بأنك مدمن لقرص (الأماني والآمال) وحسب عجزك يكون مقدار تناولك، فلا تخجل وأنت المدمن بأن يحكمك طفل يتناول قرصًا مشابهًا لقرصك ينتهي من تناوله إذا أدرك الواقع، بينما أنت أيها الكبير تستمر في التناول حتى يضع الواقع أنفك في التراب أو تستمر حتى ترمس تحت التراب.
وقف التولب وسار نحو الباب وهو يصفق بأذنيه ونفض جسمه، فالتفت مودعًا.
إلى اللقاء.
إلى اللقاء.
انتهى.
وفي كتاب الأستاذ صالح بن أحمد العييري درر وغرر مثل هذه، ولو كان عند أمة تقدر الأدب وخصب الخيال لكان له شأن في قومه غير هذا الشأن.
ترجم له الأستاذ عبد الله بن سليمان المرزوق لكونه من رجال التربية والتعليم، فقال: