الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومن قراءة بعض قصائده والسؤال عن أسبابها ونتائجها.
ولكن ذلك كله في نطاق محدود غير أنه قيض للشاعر العوني من يحرص على كتابة سيرته، وتوضيح ما يحيط بمعظم قصائده.
وذلك ماثل في جهود صديقنا الأديب المدقق الأستاذ فهد المارك صاحب كتاب (من شيم العرب) فألف كتابًا حافلًا في هذا الشان ذكر لي عنوانه في أول الأمر ثم ذكر في مقدمته كيف غير عنوانه.
كتاب المارك عن العوني:
كانت بداية معرفتي بهذا الكتاب لقاءً جمعني بالأستاذ فهد المارك في دمشق أظن ذلك في عام 1388 هـ وكنت ذاهبًا إلى دمشق للتعاقد مع أساتذة للتدريس في الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة، إذ كنت آنذاك أعمل في الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة، وكانت وظيفتي (الأمين العام للجامعة) وهي الوظيفة الثانية فيها بعد الوظيفة الأولى التي كان يشغلها الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله.
فدعاني الأستاذ فهد المارك للعشاء في بيته قائلًا: إنني أريد أن أجلس معك جلسة خاصة في بيتي.
فلما تمنعت قليلًا، قال وهو ذكي ومتحدث لبق: إنني سوف أخبرك بشيء إذا سمعته سوف تستجيب لدعوتي.
إنني سوف أجعل أهلي يصنعون لك عشاء من المطازيز التي بعد عهدك بها، ويجعلون بها من فقع الشام الذي لم تجربه من قبل، وسوف أطلعك على كتاب ألفته عن الشاعر محمد العوني عنوانه (تاريخ أمة في حياة رجل).
فقلت له: شكرًا، وقد وافقت.
وكرم الرجل، وأراني كتابه عن العوني قد كتبه بخطه دون أن يضرب على الآلة الكاتبة.
وقد فوجئت بتوسعه في ترجمة العوني في الكتاب، وذكر سيرته ومراحل حياته مستوحى من قصائده، وما أحاط بنظمه تلك القصائد أو نتج عنها.
وعرفت أن من أسباب تأليفه الكتاب أنه وهو - أي المارك - من أهل حائل، والعوني أقام سنوات في حائل صار له فيها رواة لشعره، وعشاق له اتصل بهم الأستاذ فهد المارك، وعرف عن طريقهم من خلال ما رووه من شعره أو قصصه كثيرًا مما احاط بحياة العوني.
بل لم يقتصر الأمر على ذلك، وإنما روى أيضًا ما كان سبق من حياة العوني قبل أن يستقر في حائل وكان استقراره فيها اضطراريًا، لأنه كان أيد الانقلاب الذي قام به محمد بن عبد الله أبا الخيل أمير بريدة والقصيم الذي كان الملك عبد العزيز آل سعود عينه أميرًا على القصيم بعد أن قبض على الأمير صالح بن حسن بن مهنا وأخويه، ثم كان ما عرف من قتل صالح وأخيه مهنا في الرياض أو خارجه، وسوف تأتي إشارة لذلك عند ذكر (المهنا) في حرف الميم.
وقد أيد العوني محمد بن عبد الله أبا الخيل في الاستقلال بالقصيم، وخلع طاعة الملك عبد العزيز لاسيما أن الأمير محمد بن عبد الله المهنا كان اتفق مع ابن رشيد حاكم حائل العدو التقليدي للملك عبد العزيز بن سعود آنذاك.
ولم يقتصر العوني على ذلك بالتأييد السياسي ولكن بشعره الذي هو كالسلاح الناري أو أشد فتكًا.
كما سيأتي ذلك أيضًا.
ونعود إلى ذكر عنوان كتاب الأستاذ فهد المارك عن العوني فنقول: إن عنوانه كان ما ذكرته (تاريخ أمة في حياة رجل).
ولكن المؤلف غيَّره فيما بعد إلى عنوان (محمد العوني حياته وشعره).
ويوضح المؤلف ذلك ويبين صعوبة الكتابة عن العوني الشاعر السياسي النشط، فيقول:
وكتابي هذا الذي أسميته (تاريخ جيل وحياة رجل) سبق أن أعلنت عنه في هذا الاسم في صحف المملكة، وفي مؤلفي الأجزاء الأربعة (من شيم العرب، الذي طبعته في بيروت المطبعة الأهلية عام 1965 م).
وعندما أشير إلى أنني أعلنت عنه منذ ثمان سنوات، فإن الداعي إلى إشارتي هذه هو أنني سمعت أن كاتبًا استعار هذا الاسم، وجعله اسمًا لكتابه.
وعندما أسمي كتابنا بهذا الاسم، فإنني استهدف حقيقة أثبت من خلالها أن تاريخ ذلك الجيل الذي عاش بين ظهراني أهله العوني، قد عبر عنه هذا الشاعر بقصائده تعبيرًا تاريخيًا وواقعيًا جديرًا أن يكون حجة تاريخية لا تقبل الجدل.
والشاعر يصف تلك الأحداث التاريخية الواقعة منذ 1318 إلى 1340 هـ أي من خروج الملك عبد العزيز من الكويت إلى أن وحد نجدًا، يصفها وصفًا دقيقًا.
ولا أعتقد أن كاتبًا أو مؤرخًا أورد تلك الأحداث على الصورة الواقعية التي صورها العوني بصفته شاهد عيان.
بقي علينا الجواب لمن يقول ما دام أن حياة العوني لها من المكانة التاريخية ما يجعلها جزءًا من تاريخ جيل حافل بالأحداث، فلماذا لا يكتب عنه الكتابة التي تنسجم مع واقع أمره، والتي يستحق صاحبها الخلود؟ الجواب بكل بساطة كما يلي:
لقد انتهت حياة العوني السياسية والعسكرية وهو بجانب المهزوم، ولو قدر له أن تنتهي حياته بجانب المنتصر كما بدأت لوجدنا المؤلفات المتعددة التي يدبجها يراعات الكتاب عنه، بل انتهت حياته سجينًا مغضوبًا عليه، وكما قال الشاعر:
الناس أعوان من والته دولته
…
وهم عليه إذا عادته اعوان
وثمة ملاحظة أخرى لابد أن أشير إليها وهي أن الكاتب الذي يود أن يتصدى للكتابة عن شاعر كالعوني، سوف يضطر إلى أن يسلك طريقة بأسلوبه تختلف عن طريقة الأسلوب الذي نهجه كثير من كتاب عصرنا الراهن، كالذين كتبوا عن نوابغ الفكر العربي من الشعراء وغيرهم، نعم تختلف كثيرًا عن أولئك، وذلك لأسباب منها: أن العوني لم تكن موهبته واتجاهه ونفسيته محدودة الميول، على أن يكون شاعرًا يقصد بشعره الجاه، أو اكتساب المادة بشتى الوسائل والأسباب، كما هو مبدأ كثير من الشعراء الذين سخروا مواهبهم لكسب المادة.
لا .. لم يكن العوني من هؤلاء، ولكن العوني سياسي أكثر من أن يكون شاعرًا مرتزقًا بشعره.
كل هذه الأمور الحية التي مرت بحياة العوني والتيارات السياسية التي حدثت في الجزيرة العربية إبان عصر الشاعر المباشر منذ عام 1318 هـ - 1890 م حتى عام 1340 هـ - 1931 م كل تلك الحوادث الصاخبة والمعارك الطاحنة كلها تعتبر جزءًا من حياة العوني، والعوني جزء منها.
كما أن الذي يريد أن يكتب عن العوني كشاعر مطبوع وسياسي بارع، لا يستطيع أن يكتب عنه بصورة مختصرة عن حياته وعن أدبه، وعن نبوغه بشكل محدود، على هذه الناحية ما لم يصطدم بالحوادث السياسية والعسكرية ذات التاريخ الحافل بالعبر من صميم جزيرتنا، تلك الأحداث التي كان للعوني دور عملي فيها.
ولهذا وجدتني مهمًا حاولت أن أكتب عن العوني بشكل مختصر عن حياته وأدبه، كما كتب أولئك الكتاب عن أدب وحياة بعض الشعراء، فإنني ما استطعت أن أنجح لأن حياة هذا الشاعر ودوره الذي لعبه يختلف كل الاختلاف