الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وبالفعل وصل إلى الشريف، فيقال إنه جمع الشعراء من أهل مكة وضواحيها من أجل مساجلة العوني، ومعرفه منزلته من الشعر، فكان أن أعجز العوني شعراء مكة، إذْ قال لهم: أنا سأنشد قصيدة من 12 بيتًا كلها مهملة الكلمات لا توجد فيها نقطة واحدة فإن استطعتم أن تأتوا بأبيات مثلها اعترفت لكم بتفوقكم عليَّ في الشعر.
وهذه هي قصيدة العوني المهملة من النقاط:
هل الهلال وهاطل الدمع مدرار
…
لي هل واهمل كالهلل ماطره هل
علي مود مالك الله ولا صار
…
لا دام له حال ولا المال له دل
صور وصار الملح والدل له كار
…
له والمها ماله ولا رسم ماكل
لامر صاح مطالعه ساع ما دار
…
اسود على صدره على المسك عمّل
سامح محمد لي رسم عدل الأمطار
…
واحسامه الصارم لراعي الهوا دلّ
ولا رد كرد اهلا وسهلا له أكرار
…
والحلم هو والعلم دله ولا ملّ
اسئل اموٍّ ما دري الود ما صار
…
ولا دلاله كم دور لهم هل
اول اصدور امواصله والهوا حار
…
لما الدهر عاده على حاله اوّل
ما صح علمه والرعد ما وسم دار
…
والحال حال الحول والحمل ما حل
ولولا حلاله حلها روس الاكدار
…
ما حال حول اللاّل واللوم ما دل
عسى عسى ما كمل الدامر الدار
…
عاد الرحا دوه على روس واحلل
وصلوا على طه عدد سهل الأوعار
…
او ما كسا وعر الوطا للسما طل
قالوا: فافحم الشعراء، والمراد بهم شعراء العامية من كلام العوني ولم يستطيعوا أن ينظموا أبياتًا مهملة من النقاط كما فعل العوني.
من مكة إلى حائل:
قلت: إن العوني تنازعه نفسه الطموح إلى أن يكون له مقامه عند الحكام وأولي السطوة، وليس هو بالشاعر الذي يريد أن يحصل بشعره المال الذي إذا
حصل عليه رضي بالخمول، والاقتصار على أكل العيش.
وكان أكبر حاكم في نجد في ذلك الوقت هو محمد بن عبد الله بن رشيد الذي قضى على حكم الحكام في نجد، وأهم ذلك انتصاره على أهل القصيم في وقعة المليدا عام 1308 هـ.
ولا شك أنه كان تبادر إلى ذهن العوني أن يذهب إليه في حائل ويمدحه بقصيدة تمهد الطريق لبقائه قريبًا من أكبر حاكم في نجد أنذاك.
إلا أن ابن رشيد كان عدو أهل القصيم الأول فهو الذي أسقط الحكم القصيمي المحلي وقضى على نفوذ حكامه بعد أن كان قتل طائفة كبيرة من رجالات القصيم، وأشخاصها البارزين في وقعة المليدا.
لذا تردد العوني في الذهاب إليه، غير أن وكيلًا لابن رشيد عرف مالشعر العوني من مكانة، وما هو عليه من أثر فسهل له الذهاب إلى حائل، بل ذهب به إليها.
فقابل محمد بن رشيد وأنشده قصيدة عصماء هي:
ما ناض برق وهل وعلَّ الأسهال
…
وانساق نوه املث صيب والي
كالرمل بالعد والأشجار والحجر
…
وما شاهد البدر من انثى اورجالِ
او ما كتب باللوح من أدم أو امحي
…
وصر القلم به إلى ما يبعث البالي
سلام احلا من الما ساعة الظما
…
في طافح اللال والبارح له أذيالِ
في ريق درك هوي به غير خابره
…
ودق بنقر عن اللاهوب بظلالِ
واخن وانوج من الأطياب رايحه
…
سلام لطف سما في كل الأحوالِ
حاضيه بالمسك بالعنبر وزاعجه
…
بمزاج زاج زهاه الطرس وامثالِ
امثال كالحص والياقوت فضتها
…
من هيض بحر طما فيضه على الجالِ
لولاي اهينه وا كنه عن تزاوده
…
جميع بحر طماه ابشرب فنجالِ
لكني إلى اعتضته واحفتني جوانبه
…
من لطم الامواج زنجلته بالأقفالِ
والى لانت اقفوله مع لوا لبه
…
واقبل تدارج ابفيضه على الأدقالِ
من هاجس بالحشا هيضت حايره
…
والنوم عن ناظري قزآه ولوالِ
* * * *
وخلاف ذا قلت يا ركب ترحلوا
…
على يعابيب عنس تهذل هذال
فج مراويح كالقيسان قوسن
…
من كثر الإدلاج والأوماي بالخالي
علاكم يقطعن شاسع اخرومها
…
زهفات سهلات كالريلان تجتال
يا ركب مهلا عسى من بعد ذا سعه
…
ويسر بعد عسر وعين بعدها ذالي
ريضوا دعتكم اطروق الرشد والهدى
…
إلى قريتوا من الأبطح بالاميالي
مقدار ما اذهب واجيب الكاغد الذي
…
لي به سلام ونظم شايق غالي
إلى حملتوه مني طاب فالكم
…
لعل ما فالكم ياهل النضا فالي
سيروا على ما يدني البعد سيرهن
…
سيروا عسى ما حوى طرسي يْودَّي لي
عقب اربع تدعيكم مضيفته
…
دآخن لهبها سمك من فوق الأطلالِ
لكان زحمة مني فيها او ضجته
…
من كل ناس تشوف اجناس واشكال
ذولي وردوا وهذولاك صدروا
…
وذولي جلوس بشاف غذي لهم تالي
وذولاك فوق الفقار الرخم شرعوا
…
وذولاك قفوا وذولا تو باقبالِ
ما شاهد الشمس من حي من الملا
…
الاّ لبرزان شاهد خوف وسوالِ
احد يجي طامع واحد يجي خايف
…
لمحمد الحمد حمد الحمد لا زالِ
مقدي ومعدي وهو لولاه ما اشرقت
…
شمس المعالي جنوب اوشرق او شمالِ
خصوه باركب بالتسليم وابلغوا
…
أزكي سلام زهاه الطرس ينبالي
نبّوه لمحمد واثنوه واجهروا
…
ثاني أو ثالث ثمان آلاف يثني لي
ثم اشملوا به حمى الوندات والتلا
…
الليث ابوماجد ركاب الأهوالي
وكل الرشيد الصخا اشمل بلا عدد
…
ازنود فرند الأرياحيد الأثقالِ
هو ريف الأيتام في ليعات مسغبة
…
منها النجوم الزواهر تشعل اشعالي
غيث إلى شح قطر الغيث وامحلوا
…
والعد كمل فهو للمال بدَّالِ
محمد لي علا فوق العلي واعتلا
…
رومه على كل روم مصعده عالي
محمد ضايم الضايم ولو عظم
…
لطام الأبطال في لطام لأبطالِ
محمد المشتهر بالمدح والثنا
…
والمدح له من قديم اول أو تالي
ضراب بالبيض فرع البيض والضبا
…
توضي كما أوضت بروق الصيف بخيالِ
من ناف قحطان مع عدنان كلها
…
فخر العرب راس غصن الذروة العالي
اشرف قبايلها وازكا عناصرها
…
وابها بها ما بهانزل او نزالي
المرام الهمام الهياع الذي
…
ذلت له الروس واردا كل سردالي
والترك والروم والأعجام والعرب
…
شهدوا فعاله تعلت كل الأفعالِ
واستيقنوا أن ذا من أمر خالق
…
فالأرض من به مماليك وهو والي
من حين شافوا اخلاصه واستعانته
…
بالفرد محيي الهشيم الميت البالي
خافوا وكل بدا يرسل مكاتبه
…
وخيل اترخت وقطم اكياس ورجالِ
خوف من الحاكم الساخط إلى سخط
…
واهتز منه الجبل تهتز الأجبالِ
من مطلع الشمس إلى المغرب إلى عدا
…
يحل ما بينهم رجف أو زلزالي
والبدو محفلين روس العود بابلهم
…
ما يعلمون القدر ما عين هو يالي
ذلوا وهجوا وهم ماجاهم النذر
…
اغبار الأفق جاهم عنه مرسال
واهل المدن من جاهم طارق الوبا
…
كل يناظر متى قصاف الأجال
لما يدمر بها من كان معتدي
…
يبقى مثل دآر كسري سكنها خالي
ما عسعس اليل وانباح الصباح على
…
مثله شجاع صخي كدر وزلالي
في سورة النحل آيات مفصلة
…
أوفاي بالعهد من مفروض الأعمالِ
من لا يرد الثنا بالأولي كد هنا
…
لا بد ما يتضح عيبه مع التالي
عسى آله عطاه الملك واقتدر
…
يصفط لنا منه ولف القلب والحسالِ
هذا وانا أبو ثمان وسبع مع عشر
…
ما حيط بأمر حدا اللي حافظٍ بالي
وصلوا عدد ماورد عد وصدروا
…
على نبيّ الوفا والصحب والآلِ
واعداد ما قلت في مبداي سلموا
…
ما ناض برق وهل أو علا الأسهالِ
وقد كان لهذه القصيدة أثر كبير في نفس الأمير محمد بن رشيد فأمر
بإنزال العوني في بيت قريب منه وأن يحضر مجلسه، وأغدق عليه من أنواع الضيافة والإكرام ما يتمناه أمثاله.
ولكن العوني لم يستقر طويلًا في حائل.
قال الأستاذ فهد المارك وهو من أهل حائل:
ظفر العوني من ابن رشيد بالعفو وبالمال الوافر الذي أغدقه عليه الأمير، ولكن الفتى لم تكن غايته الأساسية من مجيئه إلى أمير حائل محصورة على طلب العفو ولا على الرغبة بالمال الهائل الذي جاءه من الأمير - بل ولم يكن هدفه محصورًا على الوجاهة فيما إذا كانت هذه الوجاهة لا تتجاوز حدودًا معينة لماذا؟ لأن هذا الفتى الشاعر طموح لا يقف به طموحه عند حدود وجاهة لم يكن فيها صاحب الكلمة النافذة واللسان الناطق له - أو على الأقل يكون عند ذا الحاكم هو الوزير المفضل والإنسان الذي لا يضارعه في منزلته عند الحاكم أي من كان.
يقول الأخ سعود إبراهيم المشاري نقلًا عن والده الذي كان موجودًا في حائل - عندما قدم العوني إلى الأمير محمد بن رشيد يقول: إن العوني عندما جاء إلى الأمير محمد يطلب منه الإذن بالسفر ليغادر حائلًا بلاد الأمير - يؤكد الراوي عن والده أن الأمير قال للعوني دعك عندنا ولماذا تذهب عنا؟ فكان جواب العوني ما يلي:
أنت أطال الله عمرك لست قابلًا بأن تضعني عندك وزيرًا، وأنا لا أرضى النفسي أن أكون خادمًا.
هذه الجملة التي أجاب بها العوني الأمير تعبر لنا أبلغ التعبير عن نفسية صاحب الترجمة تعبيرًا يعطينا صورة واضحة المعالم عما تنطوي عليه نفسية العوني من طموح لا يقف صاحب هذه النفس الكبيرة دون حدود الوجاهة الوسط - أو المنزلة الوسط، إذ لو كانت همته تقف عند هذا الحد - كان بإمكانه أن يصل إلى ما يريد عند الأمير محمد الرشيد الذي كان لا يضارعه في علو الجاه والسلطان أي حاكم في تلك البقعة من الأرض.