الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رب رفع في صورة الخفض يبدو
…
وعطاء في هيئة الحرمان
وكبير في أعين الخلق يبدو
…
ماله بالذي احتملت يدان
أنموذج لفكر الشيخ سلمان بن فهد العودة:
هذا البحث الذي كتبه الشيخ سلمان العودة في (الإنترنت) تحت موقع (الإسلام اليوم) بتاريخ 20/ 8/ 1423 هـ.
مسلمون وكفى
.. !
منذ فترة طويلة وأنا مهموم بالبحث عن الأسباب التي أدت إلى تخلف الأمة الإسلامية في هذا الوقت، بل ومنذ مئات السنين، وتراجعها عن دورها الريادي والحضاري، وفشلها في كثير من شؤون الحياة.
هذا السؤال ليس جديدًا، بل ربما كان المسلمون يطرحونه قبل قرون، ولما حصل انحسار الإسلام عن بلاد الأندلس، وسقطت بأيدي النصارى بعد ثمانية قرون من الحكم الإسلامي أحدث هذا دويًا هائلًا في العالم الإسلامي، وتساءل المسلمون عن سر هذه المصيبة وهذا التخلف، وكتبوا ما كتبوا، وقالوا ما قالوا، من منثور ومنظوم، ولما جاء الغزو المغولي التتري حصل مثل ذلك، وكذلك لما جاء الغزو الصليبي، ولما جاء الغزو الاستعماري وهيمن على معظم الرقعة الإسلامية، واستسلم له المسلمون لفترة تكرر مثل هذا السؤال أيضًا.
والآن أصبح السؤال يطرح بشكل أكثر إلحاحًا، وكتب فيه من كتب من العلماء، ومن أشهر ما كتب (لماذا تأخر المسلمون وتقدم غيرهم؟ ) للأمير شكيب أرسلان، ومن أنقرة إلى القاهرة إلى دمشق إلى جاكرتا إلى الرياض إلى مناطق كثيرة من العالم، فإن هذا السؤال يطرح بقوة: ما السبب وراء تخلف المسلمين، وتقدم غيرهم؟
الكثير يطرحون سؤالًا وهو: من فعل هذا بنا؟ ! ، من العدو الذي أحدث فينا هذا الضعف ومن تسبب لنا بهذا التخلف والتأخر؟ ومن جرنا إلى هذا المصير؟ !
بيد أن القرآن الكريم يرشدنا إلى ضرورة تغيير السؤال، وأن أول مرحلة في الإصلاح هي أن نعيد صياغة السؤال بشكل آخر، بدلًا من سؤال من فعل هذا؟ علينا أن نتساءل: كيف حدث هذا لنا؟ لنؤكد أن المشكلة تبدأ من عندنا، وليست شيئًا خارجيًا مفروضًا علينا.
وهذا المعنى متضمن في عشرات الآيات القرآنية، من أبرزها وأوضحها قول الله:{وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} الأنعام 164، وقوله:{مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ} النساء: 79، وقوله:{وَمَنْ يَكْسِبْ إِثْمًا فَإِنَّمَا يَكْسِبُهُ عَلَى نَفْسِهِ} النساء: 111، وقوله:{قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} آل عمران: 165، وقوله:{وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} الأعراف: 160، وقوله:{وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} النحل: 118، وقوله:{ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} الأنفال: 53، وقوله:{إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} الرعد: 11.
هذه الآيات وما شابهها تقوم مقام القاعدة القرآنية الشرعية القطعية، التي تؤكد أن مبدأ التغيير هو من النفس، ويفترض أن نخلص من هذه النصوص القرآنية التي هي غاية الوضوح والسهولة إلى أن التغيير الحقيقي في المسلمين يجب أن يبدأ من عند أنفسهم، فتغيير وبناء الشخصية الإسلامية هو المنطلق، والحجر الأساس في عملية الإصلاح المنشودة، وهناك جانبان أساسيان في موضوع تغيير النفس يشملان كل ما وراءهما: الأول: جانب التصورات والعلوم، والتي يتفرع عنها تصحيح مناهج النظر والتفكير والتحليل.
الثاني: جانب الإرادة والقصد، جانب العمل والأداء والممارسة.
الإنسان ما هو إلا علم وعمل، والشريعة بل الرسالة السماوية كلها جاءت لإصلاح هذين الأمرين، إصلاح نظر الناس وعلمهم وتصوراتهم عن الأشياء بحيث تبدو صحيحة، وإصلاح أعمالهم بحيث تكون متوافقة مع العلم الصحيح، هذا هو مدار الأمر.
قبل أن نسترسل في هذا الجانب، دعونا نقف قليلًا مع بعض الإحصائيات التشخيصية المتعلقة بواقع الأمة الإسلامية.
رجل من كبار المستشرقين، بل هو عميد المستشرقين (برناند لويس) كتب مجموعة من المؤلفات قديمة وجديدة عن الإسلام والمسلمين، لكن من آخر ما كتب (تأثير الغرب ورد فعل الشرق الأوسط)، وهنا تقرأ هذه المجموعة من الإحصائيات:
- المسلمون ربع سكان العالم، ولكن حصتهم من الثروة العالمية تقل عن (6 %).
- ثلثا فقراء العالم الذين يعيشون بأقل من دولارين يوميًا هم من المسلمين، وهذه النسبة (نسبة الدخل للفرد المسلم) تنخفض بمعدل (2 %) سنويًا، وهو أكبر انخفاض يقع للفرد فيما يسمى بدول العالم النامي.
- لا يوجد بلد إسلامي واحد بين البلدان الثلاثين التي صنفت على أنها أغنى ثلاثين دولة في العالم.
- من بين منتجات الدول المميزة في كل مجالات الإنتاج هناك خمسة آلاف منتج تعتبر مميزة ولا يوجد واحد منها من بلد إسلامي.
- إذا ما استثنينا النفط، والكافيار (بيض السمك) والسجاد الإيراني، فإن الدول السبع والخمسين الأعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي لا تقدم
شيئًا وراء هذا السوق العالمية.
- مديونية الدول الإسلامية تقدر بمئات المليارات من الدولارات، ونسبة الاكتفاء الذاتي عند المسلمين تنخفض بشكل مستمر (السلعة التي يكتفون فيها ذاتيًا).
- الفرد المسلم يعيش متوسط حياة أقل بعشرين سنة من متوسط نظيره في بلاد الغرب، لاعتبارات الخدمة الصحية والغذائية والتوعوية، ولا تستبعد أثر القهر والشعور بالمهانة!
- أربعون بالمائة من الشباب المسلم المتعلم لا يحصلون على مهنة لائقة لهم في بلدانهم، فإما أن يبقوا عاطلين في بلادهم عن العمل، وإما أن يضطروا إلى الهجرة كما يهاجر شباب المغرب وتونس والجزائر وغيرها إلى فرنسا، أو يهاجر شباب مصر والشام إلى أمريكا أو أوربا.
- بينما تتراوح نسبة البطالة في الغرب ما بين (5 - 12 %) خلال العقدين الماضيين، فإن نسبة البطالة في العالم الإسلامي تزيد على (20 %) وهي آخذة بالأزدياد.
- نتيجة البطالة أن يفتقر الناس والشباب والمتخرجون إلى الوظائف والعمل، ويترتب على هذا عدم إمكانية توفير السكن، وهذا يعني أن كثيرًا من الشباب المسلمين لا يستطيعون الزواج وتكوين العائلات، وهذا يترتب عليه كثرة العنوسة في العالم الإسلامي، ولذلك في إيران: يحتمل أن ينتهي المطاف بـ (40 %) من الفتيات اللاتي هن دون سن العشرين إلى العنوسة، ونشرت الصحف هنا في السعودية قبل شهور تقريرًا مخيفًا عن العنوسة هو قريب من هذا الرقم.
- نقص المياه هو مشكلة يومية في العالم الإسلامي كله.
- وفقًا لدراسة أعدتها منظمة الصحة العالمية، يعتبر بلد إسلامي واحد فقط
هو عُمان من بين الدول الأربعين التي توفر لمواطنيها الرعاية الصحية وفق المعايير الحديثة.
- من الناحية السياسية لا يتمتع العالم الإسلامي إلا بنفوذ ضئيل جدًّا في التأثير على السياسات العالمية، وتوصد الأبواب في وجه الدول الإسلامية للدخول إلى منتدى صناع القرار في العالم، حيث تتحكم حفنة قليلة من الدول الغربية في هذا الأمر.
- من بين أبرز ثلاثين نزاعًا محتدمًا في العالم، هناك ثمان وعشرون نزاعًا في العالم الإسلامي تعني المسلمين أو العالم الإسلامي حكومات أو شعوبًا.
- في العقود الثلاثة الماضية لقي ما لا يقل عن مليونين ونصف مليون شخص من المسلمين حتوفهم في حروب جرت داخل العالم الإسلامي.
- يقبع ثلثا السجناء السياسين في العالم في سجون العالم الإسلامي.
- (80 %) من أحكام الإعدام في العالم تمت في دول إسلامية (1).
- يشكل المسلمون في العالم حوالي (80 %) من اللاجئين في العالم.
- كل الدول التي عانت من انهيار، وأصبحت دولًا عاجزة تنتمي للعالم الإسلامي، مثل ما حدث من انهيار دولة الصومال.
- العالم الإسلامي هو أقل مناطق العالم استثمارًا في ميدان البحث العلمي، والتقنية، وخدمة المعلومات.
هذه معلومات حديثة، ومعلومات إحصائية تدل على قدر من التخلف في العالم الإسلامي في مجال الصحة، في مجال التعليم، في مجال الاقتصاد، في
(1) تحتج منظمة العفو الدولية على حكم الإعدام، وعقوبة القتل في الشريعة الإسلامية ثابتة من باب القصاص (النفس بالنفس) وفي حالات عديدة معروفة في كتب الفقه.
مجال حقوق الإنسان، ربما هذه الأسئلة تجد من يخدمها، لأنها قضايا مطروحة عالميًا، وبالتالي هناك مقارنة بين العالم الإسلامي وبين غيره من دول العالم ولسنا بصدد التعليق أو الاستدراك، لأن العملية وصفية محضة.
لكن ثمة نمط آخر من الأسئلة يكمل الصورة.
عملت استبيانًا للرأي شارك فيه بضع مئات من الشباب في عملية توقعية محضة ليست بالضرورة متطابقة مع الصورة الحقيقية، ولكنها تقريبية، وطارحتهم مجموعة من الأسئلة السلوكية والتعبدية التي تمثل لونًا آخر من التخلف، ولا يمكن فصل هذا الجانب عن ذاك، إذ إن هذا الفصل ذاته يعني نوعًا من الازدواجية في النظرة، والتمزق في الشخصية.
وقد جاءت الأسئلة كما يلي:
س: كم نسبة الذين يصلون الصلاة جماعة في المجتمعات المسلمة؟
ج: أكثر من نصف الأصوات تقول: (20 %).
س: كم نسبة الذين يصلون من المسلمين في بيوتهم؟
ج: (20 %).
س: كم نسبة الذين يصلون أحيانًا ويتركون الصلاة أحيانًا أخرى؟
ج: (30 %).
س: كم نسبة الذين يختتنون من المسلمين؟
ج: نحو (80 %).
س: كم نسبة الذين يعقدون عقود الزواج الشرعية؟
ج: تقدر نسبتهم بنحو (75 %).
س: كم نسبة الذين يدفنون موتاهم بحسب الطريقة الشرعية؟
ج: أكثر من (90 %).
س: كم نسبة من يدفعون الزكاة؟
ج: من الصعب جدًّا إحصاء من يدفعون الزكاة، لأن الزكاة ليست هي مالًا يدفع لمصلحة جباية الزكاة فحسب، وحتى في العصر الإسلامي الأول لم تكن الدولة هي التي تأخذ أموال الزكاة كلها، فقط بعض الزكوات تجبي عن طريق السلطان أو الخليفة، وهناك أموال زكوية يدفعها صاحبها، وهو مؤتمن عليها، واليوم معظم الزكوات يدفعها أصحابها بأنفسهم للمستحقين، وفي كثير من البلاد الإسلامية لا يوجد جباية للزكاة أصلًا، لكن توقع (70 %) من الذين تعرضوا للسؤال أن نسبة الذين يخرجون زكاتهم من المسلمين (55 %).
س: كم عدد الذين يصومون شهر رمضان من المسلمين؟
ج: (70 %)، لأن كثيرًا من الناس لديهم إقبال على الشعائر التعبدية المحضة، لكنهم أكثر تفريطًا فيما يتعلق بالجوانب المالية، لوجود نوع من الشح، أو حب الدنيا، أو الأثرة في النفوس، هناك أشياء أخرى يصعب الحديث عنها بشكل دقيق مثل جوانب الالتزام الأخلاقي مع النفس، أو مع الزوج، أو مع الوالدين أو مع الآخرين أو مع أفراد المجتمع أو مع الأعداء.
وفيما يتعلق بالجانب الأول (الحياتي أو المعاملاتي) ففي العديد من الحالات يصبح المسلمون استثناءً سلبيًا داخل مجتمعات أكثر رقيًا وتطورًا، وهذا أمر في غاية الخطورة، لأنه يعطي الآخرين انطباعًا مباشرًا بأن سبب هذا التخلف يعود إلى تعاليم الدين ذاته، {رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنَا رَبَّنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} الممتحنة:5.
والمشكلة تعود في بعض أجزائها إلى اغترار بعض المسلمين بانتسابهم، ووقوفهم عنده يظن أن مجرد الحصول على الصفة أو اللقب يعيضهم عن الالتزام والتقيد بمقتضى الشريعة.
أو أن حصوله على جانب من الصلاح يعفيه عن استكمال النقص أو قبول النصيحة.
ولقد نعى الله سبحانه وتعالى على أهل الكتاب مثل هذا المعنى {وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ} المائدة: 18.
يقول حذيفة رضي الله عنه (نعم الإخوة لكم بنو إسرائيل إن كان لهم المر ولكم الحلو) يعني أن الأشياء التي حكاها الله سبحانه وتعالى عن اليهود أو النصارى، وحذر منها، وعابهم عليها، هي حق عليهم وحق عليكم، وإلا لما حكاها لنا، وإنما ذكرها الله لنا للاعتبار، ولهذا قال سبحانه وتعالى بعدما ذكر قصة بني النظير:{فَاعْتَبِرُوا يَاأُولِي الْأَبْصَارِ} الحشر: 2، والاعتبار هو: القياس، والنظر، وربط الشيء بمثله، فإذا كان الله سبحانه وتعالى يعيب على أهل الكتاب من قبلنا ألوانًا من المخالفات والانحرافات، فما ذلك إلا لنتجنبها، ولهذا كان مما يقرؤه المسلم في كل صلاة، بل في كل ركعة {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} الفاتحة 6 - 7.
يقول العلماء: المغضوب عليهم هم اليهود، والضالون هم النصاري، وهذا ليس قصرًا للآية على هؤلاء، وإنما هو من التفسير بالمثال أي من كان عنده علم، وعنده صدق في تصوراته، ولكن لم يكن عنده عمل، فهذا فيه نسبة من المغضوب عليهم، ومن لم يكن عنده تصور، وإنما عنده عمل على غير
هدى وبصيرة، فإنه يلحق بالضالين.
والمتأمل يجد أن الله سبحانه وتعالى جعل اسم هذا الدين الإسلام وكلمة (الإسلام) تدل على العمل والتحصيل بمعنى: الاستسلام الله سبحانه وتعالى فالإسلام علم، وعبادة، وتوحيد الله سبحانه وتعالى وهو خلق وسلوك، وهو أداء وإتقان للعمل ورعاية للأمانة، ولهذا بوب البخاري في صحيحه:
- الصلاة من الإيمان {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} البقرة من الآية 143، يعني: صلاتكم إلى بيت المقدس.
- أداء الخمس من الإيمان.
- أداء الزكاة من الإيمان.
- صيام رمضان من الإيمان.
- قيام ليلة القدر من الإيمان، وهكذا.
ففي الإسلام مزج وتشابك قوي بين العلم الصحيح والعمل الصحيح، وكلها إيمان وكلها إسلام، وكلمة الإسلام وكلمة الإيمان هي تدل بذاتها على هذه المعاني، ولهذا سمي الله سبحانه وتعالى المسلمين (مسلمين)، وقال:{وهو سماكم المسلمين من قبل} الحج: 78، بينما تجد اليهودية ليس في هذا المعنى، وإنما اليهودية نسبة إلى يهوذا وهو شخص، وكذلك النصرانية ليس في هذا المعنى، وإنما قد تكون نسبة إلى بلد وهي النصرانة أو الناصرة التي يقال: إن عيسى عليه السلام ولد فيها أو تكون نسبة إلى عيسى الناصري، والبوذية نسبة إلى بوذا، فالإسلام يتميز عن الديانات السماوية السابقة، وعن المذاهب الأرضية بأنه دين يقوم على العمل ليس وراثة، ولا أماني، ولا ادعاءات، ولم يسم أتباعه بالمحمديين ولا بالمكيين حتى لا يظن الناس أن الإسلام هو عبارة عن قومية أو جنسية أو نسب، كلا بل الإسلام عمل والناس الذين كان آباؤهم وأجدادهم من الوثنيين، وسدنة الأصنام، ومحاربي الدعوة صار كثير منهم من السابقين الأولين للإسلام، وأولاد الصلحاء الأتقياء الأنقيا ربما صار أبعد ما يكون عن الخير والهدى
والإسلام، وفي القرآن الكريم تجد فيما نجد قصة نوح وابنه وقصة إبراهيم وأبيه، وقصة امرأة نوح وامرأة لوط، وقصة امرأة فرعون.
إلى أن قال:
ويجب أيضًا أن يتم الفصل بوضوح بين الإسلام، وبين ممارسة المسلم (فردًا أو جماعة أو دولة) فالإسلام دين رباني محكم مهيمن، وهو المرجعية للحكم على الأشياء وتصحيحها.
أما عمل الناس وسلوكهم فهو قابل للنقد والمراجعة والتصحيح والنصيحة والملاحظة.
فكم يعزى إلى الإسلام ذنب
…
وكل الذنب ذنب المسلمينا
انتهى.
وللشيخ سلمان العودة أشعار كان ينشرها باسم مستعار وهو (أبو معاذ الخالدي) ومن ذلك ما نشره بهذا الاسم المستعار في مجلة البيان التي تصدر في قبرص بعنوان.
زحوف النور:
الانفعال الحق
…
بالإيمان يدفع للأمام
إن العقيدة قوة
…
قدسية ليست تضام
إن العقيدة قمة
…
شماء شامخة المقام
هيهات ليس يضيرها
…
وغد تمرغ في الرغام
يا ملتي السمحاء إن
…
يشرق ضياؤك في الأنام
* * * *
أهل العقيدة عند رب
…
العرش في حصن حصين
لا يستطيع نزالهم
…
أحد فربهم المعين
* * * *
هبت جنود الكفر والتخريب في هذا الوجود
وتألبت ضد العقيدة كل شرعات القرود
وتصايح الباغون في الدنيا كدمدمة الرعود
يا راية رقَّت على بدر بماضيها السعيد
وتألقت من بعدفي دنيا الورى للكون عودي
إن البرية في الضياع يقودها شعب اليهود!
* * * *
وغدًا سيشرق نورها الوضاء يهزأ بالدجون
إن الإله الواحد الديان خير الحافظين
* * * *
أفلم يجد شعب الضلالة مسلمًا صدق الولاء؟
لله دون تزيف وتردد دون التواء؟
ليصبح في وسط العماية حاملًا هدي السماء:
(الله أكبر) يسقط الشك المزين بالطلاء
(الله أكبر) صرخة الأجداد في يوم اللقاء
(الله أكبر) لا يعوض فقدها طول البكاء! !
* * * *
أيهود يومكمو دنا فلترقبوا الفتح المبين
الله يبعث جنده بالنصر .. ذلكمو اليقين
* * * *
ومن شعره أيضًا:
ربّاه عبدك مذنب قعدت به
…
آثامه .. فهو الأسير الموثق
إن لم تداركه بسابغ رحمة
…
فخساره بين الأنام محقق
عندما حصل حادث أليم أودي بالعديد من أنساب الشيخ من آل البقيشي، وكان من ضمن المتوفين عبد الرحمن بن الشيخ سلمان العودة، وقد توقع الناس - خاصة بعد تأخر الصلاة عليه لبضعة أيام - أن الشيخ سيشارك الناس في حضور جنازة ابنه، ولربما تسلل هذا الخاطر إلى نفس الشاعر أيضًا، فنظم الشيخ سلمان العودة هذه المرثية رثاء ابنه:
وداعًا حبيبي لا لقاء إلى الحشر
…
وإن كان في قلبي عليك لظى الجمر
صبرت لأني لم أجد لي مخلصًا
…
إليك وما من حيلة لي سوى الصبر
تراءا لك عيني في السرير موسدًا
…
على وجهك المكدود أوسمة الطهر
براءة عينيك استثارت مشاعري
…
وفاضت بأنهار من الدمع في شعري
وكفاك حينًا تعبثان بلحيتي
…
وحينًا على كتفي وحينًا على صدري
أرى فمك الحلو المعطر في فمي
…
كما اعتدت هذا الحب من أول البر
تحاصرني ذكراك يا ساكن القبر
…
وتجتاح أعماقي وإن كنت في الإصر
أراك جميلًا رافلًا في حريريةٍ
…
بمعشبة فيحاء طيبة النشر
وتفرحني أطيافك الخضر إن بدت
…
مضمخة، شكرًا لأطيافك الخضر
وألعابك اشتاقت إليك وهالها
…
غيابك عنها ميت وهي لا تدري
يتامي يكسرن القلوب هوامد
…
ولما يصل أسماعها فاجع السر
حبيبي في شعبان ألفيت زائرًا
…
طروبًا إلى لقياي مبتسم الثغر
قعدت بحجري والسرور يلفني
…
وشنفت سمعي تاليا سورة العصر
أراك تعزيني بها وتلومني
…
على جزع تخشاه من حادث الدهر
تمنيت لو تغني الأماني نظرة
…
إلى جسد ذاو يغرغر بالسدر
تمنيت حتى وقفة عند نعشه
…
تَرُدُ إلى نفسي الذي ضاع من صبري
تمنيت ما نالت ألوف توجهت
…
إلى ربها صلت عليك مع العصر
تمنيت كفًّا من ترابِ أسنها
…
على قبرك الميمون، طيب من قبر
أبا طارق جل المصاب بفقدكم
…
ثمانية زهر كما الأنجم الزهر
كانكم اخترتم زمان رحيلكم
…
يُعيد صلاة الليل والصوم والذكر
غسلتم بصافي الدمع صافي قلوبكم
…
فشعشع فيها النور كالكوكب الدري
وقال:
أستغفر الله العظيم جرائرًا
…
فيها كتاب بالحقيقة ينطق
* * * *
في بطن أمك - يا نسيُّ - تتابعت
…
آلاؤه، فهو الكريم المغدق
ويظهر آدم مَوْثِقٌ أعطيتَهُ
…
ألا تضل
…
فهل يُخان الموثق؟
وأتيت دنياك - التي عُلِّقتها
…
نضوًا، حقيرَ الشأن، حيًّا ترزق
لوهبت النسمات أزعج مسها
…
بشرًا .. يكاد لمسّها يتمزق!
فإذا استويت نسيت سابغ فضله!
…
وهو الذي يولي الجميل .. ويرزق
* * * *
يا أخوة الدرب الظليل تحية
…
للراحلين .. وكم جديد يخلق!
* * * *
واستكمالًا لترجمة الشيخ سلمان بن فهد العودة ننقل ما يلي من كتاب (آل عودة):
هو سلمان بن فهد بن عبد الله بن عودة، ولد في قرية البصر غربي بريدة، في جمادى الأولى من عام 1376 هـ، درس في المعهد العلمي في بريدة، ثم التحق بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، في قسم اللغة العربية، وفي أثناء دراسته رغب الانتقال إلى كلية الشريعة وأصول الدين، فانتقل إليها بعد أن اجتاز مقابلة أعدت له ليتم معادلة ما أمضاه في كلية اللغة العربية، ثم تخرج من كلية الشريعة وأصول الدين، وعُيِّن مدرسًا في المعهد العلمي في مدينة بريدة، ثم انتقل إلى التدريس في كلية الشريعة وأصول الدين في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، واستمر في التدريس فيها إلى أن أعفي من مهامه التدريسية وذلك في 15/ 4/ 1414 هـ، وقد سُجن بسبب بعض دروسه ومواقفه لمدة خمس سنوات من عام 1415 هـ إلى عام 1420 هـ.
وقد حصل على درجة الماجستير في السنة وعلومها، وكان موضوع رسالته (الغربة وأحكامها)، ثم حصل على درجة الدكتوراه في السنة، وكان عنوان رسالته (شرح بلوغ المرام، كتاب الطهارة) في أربع مجلدات، وهو مطبوع، وقد حفظ في أثناء نشأته العلمية القرآن الكريم، ثم الأصول الثلاثة، والقواعد الأربع، وكتاب التوحيد، والعقيدة الواسطية، ومتن الأجرومية، ومتن الرحبية، ونخبة الفكر، وبلوغ المرام، ومختصر صحيح مسلم للمنذري، كما
حفظ في صباه مئات القصائد الشعرية المطولة من شعر الجاهلية والإسلام وشعراء العصر الحديث.
ومن إنتاجه العلمي:
شرح العمدة في الفقه، وقد وصل فيه إلى باب الجهالة، وقد فسر مواضع من القرآن بطريقة عصرية حديثة، وخرج منه أشرطة بعنوان:"إشراقات قرآنية"، ومن كتبه: سلسلة رسائل الغرباء، وسلسلة نحو ثقافة شرعية، وتحية للشعب المقاوم، والأمة الواحدة، ومع العلم.
وقد نظم فيه الشاعر مشوح بن عبد الله المشوح القصيدة التالية:
أيا شيخنا سلمان
…
!
أتاني بشير السعد وهو يغرد
…
وفي كفه حلمٌ يهيم به الغدُ
وفي فمه للكون أحلى قصيدة
…
يغني رؤاها لحنه المتفردُ
يقطع أفراحي بهمس حديثه
…
وتقطيعه البشرى التي كان يسرد
بربك يا خلي أجبني أنال مَنْ
…
يعانقه حبسي الذي كان ينشدُ
وأصبح دكتورًا يتيه به المدى
…
ويزهو به التاريخ حسين يعددُ
فرد: أجل! وانثال فرحي وتمتمت
…
شفاهي بدعواتٍ إلى الله تصعدُ
* * * *
أيا شيخنا سلمانُ يا بهجة الوري
…
ويا مقلة في حضنها الناس ترقدُ
ويا بسمة في كل قلبٍ معذبٍ
…
ويا شمعة للسائرين توقدُ
ويا قصة صاغ الإباء حروفها
…
وأبدعها همٍّ لدينك مُسهدُ
ويا كوكبًا للعبقريسة نيرًا
…
يضيء سناء الكون والكون أسودُ
هنيئًا لك الدال التي فخرت بكم
…
وقامت على غصن السرور تغردُ