الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
العوني في آخر أيامه في السجن:
قال الأستاذ فهد المارك:
كنت دائمًا وأبدًا شديد الحرص بأن أحصي كل شاردة وواردة مما له صلة بالشاعر العوني، وكم أجد لذة عندما أنقل أخباره ممن لهم به صلة مباشرة وتتضاعف عندي هذه اللذة عندما أثق في صحة حديث الراوي.
وذكر من ذلك حديثًا له مع الدرازي الذي سجن مع العوني في سجن واحد.
قال الدرازي:
سجنت المرة الأولى ثم خرجت وسجنت بسب الدين أيضًا شهر وست أيام.
وهل تعرف مقدار المدة التي قضاها العوني بالسجن في الرياض أولًا وفي الأحساء أخيرًا؟
نعم سجن في مصمك الرياض شهرين وسجن في دباب الأحساء اثنين وعشرين شهرًا.
هل أنشد العوني قصائد عندما كان في السجن غير قصيدتيه الاثنتين اللامية التي بعبد الله بن جلوي والميمية بابني عبد الله فهد وسعود - والقصيدة الثالثة التي كلها توبة ورجوع إلى الله؟
نعم، أنشد العوني قصائد كثيرة غير القصيدتين اللتين تشير إليهما وغير قصيدته المسماة بالتوبة.
هل تحفظ شيئًا من قصائده التي أنشدها في السجن؟
أحفظ القليل والكثير ضاع مني.
هل يمكن أن توافيني بما تحفظه من قصائده؟
قلت لك: إنني لا أحفظ جميع القصائد التي أنشدها عندما كان في الحبس، وإنما أحفظ أبيات من قصيدة أنشدها بعبد الله بن جلوي خلاف القصيدة اللامية المشهورة - كما أحفظ أبيات من ثلاث قصائد كل معانيها رجوع إلى الله وابتهال إليه خلاف قصيدته المعروفة بالتوبة - فخذ أولًا ما أحفظه من قصيدته بابن جلوي التي جاء منها قوله:
يا أبو فهد مالي بنجد محبين
…
عادون كل الناس من غير عله
من اول بالامس ربعي كثيرين
…
واليوم كل قال: للنار خله
من يوم شافوا غيظ زين المخلين
…
كل جرد سيفه على العرض سله
ما منهم اللي رجحه بالموازين
…
اورد عني عند شيخ لعله
يا أبو فهد يا ذخرتي لا تخلين
…
مهجور في دار العنا والمذله
أرجيك ترضي لي إمام السلاطين
…
اعز من فوق الوطا داج كله
رجواي بالله ثم بك وانت تكفين
…
عن كل من ورد ذراعه وشله
نجم الذخيرة يوم عافون الادنين
…
خزن لقيته يوم جا وقت حله
حامي أوقام بكل درب لنا زين
…
وبالله وعونك كل درب تحله
يا لولب القالات غش المعادين
…
يا سور سور الشرف انته هل له
بمهندات برقهن يبهر العين
…
للدم من الهامات وبل تهله
واسلم ودم بالعز والنصر والدين
…
لازلت حيد نلتجأ حدر ظله
وأختم صلاتي عد ما خطت السين
…
علي نبي فضل الله محله
عندما انتهى السيد الدرازي من تلاوته لهذه القصيدة التي نقلتها منه قلت له - وافني بالقصائد الثلاث التي ذكرت أن فيها ابتهال إلى الله - فقال لم احفظ إلا أبيات قليلة من كل قصيدة فقلت هات الذي تحفظه - فذهب وأنشدني ما يحفظه باديًا أولًا بقصيدة ينادي الشاعر بها الله تعالى فيقول:
يا حي غيرك ما بقي لي رجا حي
…
تقطعت عنا العرى والعنايا
ما غير عروتك الوثيقة بقى شي
…
متمسك به عن شرور البرايا
العايذ اللائد بجالك تحت في
…
عفوك ولطفك يا جميل العطايا
مولاي زبني مقصدي من ترى في
…
اليا عاد مالي بالخلايق دنايا
اليا عاد عبد مذنب والعمل سي
…
من ذا الذي غيرك يغفر الخطايا؟
وقد مضى الدرازي وقال هذا ما أحفظه من قصيدته التي على هذه القافية والمتضمن معانيها استنجاده بالله تعالى - أما القصيدة الثانية التي خلاف هذه القاقية وهي على هذا المنوال فهي الآتية:
بالله يا سامع نبأ صوت ذا النون
…
وهو في بطن الحوت والموج غاطيه
اسمع دعا عبد غريب ومسجون
…
في ظلمة ماله صديق يحاكيه
بين الرجا واليأس بالسجن مرهون
…
ما حد رحم حاله ولا احد يواسيه
تقطعت، ماله رفيق بذل عون
…
الا انت يا مناع الادراك تنجيه
ناس لهم ناس وناس يداعون
…
وانا بلا داع ولا حد نظر ليه
غير انت ياللي دبر الملك والكون
…
انت الرجا وانت حجا من لجا فيه
لي منهم قاموا لبعضهم ينادون
…
اقوم انا له وارفع الراس وادعيه
ويختم السيد الدرازي محفوظاته من قصائد رفيقه في السجن بالقصيدة التي يزعم الراوي أنها آخر قصيدة أنشدها العوني عندما كان بالسجن والأصح آخر قصيدة حفظها منه قبل مغادرته له وهي الآتية:
يالله ترى غيرك فلاني بداعي
…
ولا شوف حبل للسبب غير دعواك
تكللت ببيان كل المساعي
…
ولا شوف انا باب سوى باب رجواك
يا خير من يدعى وبدعيه داعي
…
يا فارج الضيقات حلال الاشراك
أفرج لعبد ما وراه امتناع
…
الا امتناءك ثم جودك ورجواك
عبد زبن بابك مخيف يراعي
…
يرجي الفلك له منك يا مدير الافلاك
فان كان ما انت له وديع وراعي
…
فهو المضيع بين ذولا وذولاك
فرد غريب طاح بين السباع
…
من يمنعه غيرك وهو بين الادراك
انا دخيلك يا مقيت الجياع
…
وانا بزبنك بين عفوك وحسناك
بعد أن انتهى الأخ الدرازي من تلاوته لما حفظه من قصائد العوني التي أنشدها وهو في السجن والتي ضاع منها الكثير أو أكثر من الكثير مات مع العوني، بعد ذلك وجهت إلى الدرازي السؤال التالي:
كيف كانت معنويته لمصاحبة العوني؟ فقال: لم ألاحظ منه أي دليل يعبر عن الضعف أو الانهيار، بل كان دائمًا يحدثني بما جرى له وعن حياته كأنه لم يكن في حالة سجن مثل السجن الذ نحن فيه، ويمضي الدرازي في حديثه عن العوني ويؤكد أنه وهو في سجنه ووضعه الذي هو فيه فإنه كان لا يترك النكتة فيما إذا جاءت المناسبة يقول الدرازي: ومن أمثال ذلك أن والدتي زارتنا في السجن، وقالت: كيف حالكم؟ فأجابها العوني قائلًا: حالنا يا أم محمد على ما تحبين حسنة وجميلة للغاية، ومن أكبر الأدلة على حسن حالنا هو أن القملة الواحدة التي هي ضمن الوف القمل لا يستطيع أحدنا أن يقتلها بيده من كبرها وسمنها وشراستها، اللهم إلا إذا أمكن قتلها برصاص البندق - ثم أضاف وهل تريدين يا أم محمد حال لنا أحسن من هذه الحال؟
ويؤكد الدرازي أن العوني خفف عنه السجن قبل موته بفترة، فأخلي سبيله بصورة محدودة، أي أنه أفسح له المجال بحيث أنه ترك يخرج من غرفته التي كان يوضع فوق ساقيه أصفاد الحديد - وسمح له أن يسير حرًّا كيف يشاء، ولكن ضمن جدران وأسوار السجن.
وإذا كان رفيقه الدرازي يؤكد أن معنوية العوني ظلت كما كانت دون أن يصاب بانهيار عصبي وإنه ظل على نكته - فإن لدي دليل آخر يؤيد رواية