الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال والدي: فوافق الملك عبد العزيز وكان البيت الذي يسكن فيه العوني في شمال بريدة بجانب سوق الصناع القديم في طريقي إذا ذهبت من بيتي إلى دكاني في سوق بريدة القديم الذي يقع إلى الشمال من الجامع، قال: فكنت أرى إذا حان الوقت حمول القمح تحملها الإبل والألف من الأصواع محملة عشرًا من الإبل، والألف وزنة من التمر تحملها خمس من الإبل فرايتها تنيخ على باب بيت العوني تفرغ حمولتها فيه أو عنده.
كتابة شعر العوني:
العوني شاعر كبير ولو أن الشعراء العامية مجلسًا يتوجون فيه أحدهم أميرًا على الشعراء لما ترددوا في تتويج العوني.
وقد قال الأستاذ عبد الله بن خميس: إن العوني أعظم شاعر ظهر في وقته في الجزيرة العربية.
ويريد بذلك شعراء العامية.
وأقول: إنه يصح أن يسمى العوني متنبئ الشعر العامي.
ولذلك كتب شعره مرات، بل ربما تكررت كتابته مرات عديدة، وهذا من شأنه أن يوجد فيه غلط أو خلط، لاسيما إذا تصدى لكتابته من لا يفهم مقاصد الشاعر، ومعاني شعره.
ولاحظنا مع الأسف الشديد أن بعض الذين يتصدون لطباعة شعره يطبعونه عن أصل محرف، ولا يحسنون تصحيح تجارب الطبع فيضيفون تصحيفًا إلى تصحيف، ثم يأتي أناس مثلهم بعدهم فيطبعونه عن ذلك المصحَّف أو المحرف فيزيدونه تحريفًا وتصحيفًا.
وإذا وقع شعره بين يدي راوٍ من رواة الشعر العامي، الذين ينظمون
الشعر أو يكتبونه ورأى فيه بيتًا ناقصًا أو كلمة ساقطة أبدلها بغيرها من عنده من دون أن ينبه إلى ذلك، بل إن بعضهم يجرؤ على أن يبدل كلمة أو جملة بكلمة أو جملة من عنده، استهانة بأمانة النقل، ويقول بعضهم: إنه فعل ذلك لدافع جيد هو ألا تشيع لفظة فاحشة بين الناس وردت في الشعر، أو نحو ذلك.
وبعضهم قد عرض الشعر لغرض سياسي وأحيانًا لغرض ديني فيما يزعم، لذلك لا أطمئن أنا إلى كتابة شعر العوني في المجاميع المطبوعة، ولا حتى من المخطوطة التي عرفت أن كاتبها يستجيز إبدال كلمة قاله الشاعر بكلمة من عنده، أو تعمد إسقاط بيت، وأفظع منه إضافة بيت، يُقَوِّل فيه الشاعر ما لم يقله.
لذا رأيت ألا أفعل هنا في ترجمة العوني إلَّا موثقًا عندي بخطوط من عاصروا العوني، وكانت له معرفة بالشعر مثل الشاعر علي بن محمد الطريخم، وما كتبه محمد بن سليمان أبوطامي، فكلاهما من أهل بريدة وكلاهما معاصر للشاعر وكتب شعره في حياة العوني، وما عدا ذلك أضربت عن ذكره، لأنني لست بصدد جمع كل شعر العوني، وإنما أوردت منه ما يكون بمثابة نماذج، وذلك كاف مما نقله هذان الرجلان.
من أشهر قصائده المشهورة الطويلة المسماة المستحيطة من الإحاطة لأنها أحاطت بذكر الوقائع، والحوادث التي رافقت استعادة القصيم ومحاربة ابن رشيد في البكيرية والرس والشنانه.
وقد سماها بعض المتعلمين بالملحمة وقد نقلتها من خط محمد أبو طامي إلا أن الذين أدركناهم من الرواة في بريدة يقولون: إنها أكثر من ذلك، وإنه قد سقط منها أبيات لم تطبع.
قال لي أحدهم وهو الأخ إبراهيم الصالح الحسين أمير الصباخ: إنه ربما كان الساقط منها مائة وخمسين بيتًا.
وهذا أمر مفهوم السبب لكونها تتحدث عن وقائع وأحداث كثيرة ومهمة مما يجعل الحديث عنها على طول القصيدة يفترض أن يكون أكثر من ذلك.
ويوصف العوني بأن شعره مهيج لعواطف الناس ومؤثر فيهم إلى درجة أن يجعلهم يتقاتلون، وينتقلون من بلد إلى آخر وهذا أمر معروف عنه سواء خلال إقامته في حائل أو عند إقامته عند السعدون.
ومن أشهر قصائده أثرًا في تهييج الناس على القتال وإثارة النخوة والحمية في نفوسهم، ثم حملهم على ترك كل ما كانوا قد اشتغلوا به من تجارة أو مال أو حتى من عيش رخي والخروج إلى القتال قصيدته (الخلوج).
والخلوج هي الناقة التي فقدت ولدها فهي ترزم، أي تحن وتتألم لفراقه شبه مدينة بريدة بتلك الناقة الخلوج.
وسببها أنه بعد وقعة الصريف التي هي وقعة الطرفية انهزم أهل القصيم وابن صباح ومن معه أراد صالح بن حسن المهنا وهو ابن حسن المهنا أمير بريدة المهزوم في المليدا أن يجند من أهل بريدة من هم خارج القصيم لأن الذين في القصيم لا يستطيعون الخروج جماعات ولا يستطيع هو أن يتصل بهم وهم واقعون تحت تنكيل وعسف وبطش ومصادرة لأموالهم من حكم ابن رشيد بعد هزيمتهم في الطرفية، وكان صالح الحسن آنذاك في الكويت، فعزم على أن يذهب إلى الشمال لأن عقيلًا من أهل بريدة أقوياء هناك، ولكنه كان يعرف أنه لن يستطيع ذلك بمجرد مسعاه.
فنظم العوني قصيدته الخلوج وحملها (علي بن محمد الحميدة) إلى عقيل في دمشق، فلما سمعوها تجمعوا وعرضوا أي عقدوا العرضة وهي رقصة الحرب وضربوا الدماميم وهي الطبول، فأحس الوالي التركي في ذلك الوقت بتجمعهم وكانوا عددًا لافتًا للنظر حتى قيل إن الذين خرجوا بالفعل كانوا أكثر من ألف مقاتل.