الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحاكم الثالث:
الحاكم الثالث من حكام آل مهنا هو صالح بن الأمير حسن بن الأمير مهنا الصالح.
كان قد أمضى مدة في حبس عبد العزيز بن رشيد في حائل مع إخوته وبعض أبناء عمومته، وقد هرب معهم من سجن ابن رشيد مع شدته وتضييق الخناق عليهم.
وكل ذلك بسبب (سالم الذايدي) الذي أسلفنا ذكره في حرف الذال، وكان الذايدي قد أعد لهم ركابًا عليها زاد لهم وسلاح قليل يدافعون به عن أنفسهم.
وفي ليلة ما بها نجوم كما تقول العامة يريدون أن الغيوم قد طمست ضؤ نجومها خرجوا هاربين من سجن حايل قاصدين الكويت فوجدوا (الذايدي) مع الإبل في انتظارهم، ثم وجدوا في طريقهم جماعة قليلة من شمر أتباع ابن رشيد فأغاروا عليهم وأخذوا مما وجدوه معهم ما تقووا به.
ودخلوا الكويت وذلك في أول عام 1318 هـ.
وابن صباح حاكم الكويت هو كما هو معروف عدو لابن رشيد، ومن مظاهر ذلك معركة الصريف بين عبد العزيز بن رشيد وبينه، وقتل طائفة من جنده منهم بعض أعيان الكويت، كما كان الإمام عبد الرحمن بن فيصل آل سعود والد الملك عبد العزيز هو وابنه عبد العزيز في الكويت أيضًا.
فاتفق الملك عبد العزيز آل سعود مع آل مهنا أمراء بريدة وآل سليم أمراء عنيزة على الخروج إلى القصيم وانتزاعه من حكم عبد العزيز بن رشيد الذي كان قد نكل بأهله بعد وقعة الصريف.
على أن تكون لآل مهنا إمارة بريدة وتوابعها من القصيم، وتكون لآل سليم إمارة عنيزة، وذلك تحت حكم الملك عبد العزيز كما بلغنا.
وقد رأى رجال آل مهنا الموجودون في الكويت أن أفضل من يجعلونه أميرًا عليهم وأن يكون مع الملك عبد العزيز آل سعود لهذا الغرض هو عبد الله بن الأمير مهنا رأس الأسرة وهو أخو الأمير حسن بن مهنا الذي أخذ محمد بن رشيد الإمارة منه.
ولكن بعضهم بعد أن اتفقوا على ذلك رأوا أن يختاروا صالح الحسن لهذا الغرض، ذلك لكونه شابًا خلافا لعمه عبد الله المهنا، ويقال: إن الملك عبد العزيز آل سعود كان مع هذه الفكرة لكونه عرف صالح الحسن فرأى فيه الكفاية لهذا العمل وأهلًا للإمارة تحت حكم الملك عبد العزيز إذا تم لهم النصر على ابن رشيد، وحكموا القصيم.
قال الإخباريون فسارت الأمور على ما عرف من بعد وهو أن آل مهنا ومعهم الملك عبد العزيز سطوا على أمير بريدة وما يتبعها لابن رشيد وهو عبد الرحمن ابن ضبعان في قصر بريدة وحاصروه في القصر ثلاثة أشهر وبضعة أيام، وذلك أن القصر كان حصينًا وفيه مؤونة لا بأس بها، ولكن الحصار كان شديدًا عليهم، ولم تكن لدي ابن رشيد الحصافة ولا بعد النظر الذي يجعله يبدأ بتخليصهم قبل أن يفوت الأوان.
فنفد طعامهم حتى أكلوا خيولهم، ولم يأتهم خبر من ابن رشيد ولا يستطيع أحد منهم أن يخرج من القصر أو يدخل إليه.
ثم خرجوا بأمان من الملك عبد العزيز إلى حايل فحملهم الملك عبد العزيز على إبل معها زهاب أي طعام في السفر إلى ابن رشيد وكان نازلًا في قصيبا.
واستتب الأمر للملك عبد العزيز ومعه المهنا في القصيم ومعهم أهل القصيم.
ثم حصلت وقعة البكيرية وكان النصر العسكري الواضح فيها هو لأهل القصيم بقيادة صالح الحسن المهنا، وكان هذا النصر هو نصرا للملك عبد العزيز ثم استمر الأمر حتى قتل عبد العزيز بن متعب بن رشيد في روضة
مهنا في عام 1424 هـ وبذلك صار صالح الحسن أمير القصيم غير منازع، ولكن تحت حكم الملك عبد العزيز آل سعود.
وكانت شخصيته قوية وكريمًا، صار ينادي بالعشاء، وهو أن يصوت للناس: أين أنت يا باغي العشاء؟
وهذه خصلة لا تتم إلَّا لحاكم كبير كريم.
وحدثني بعضهم أن بعض أهل بريدة من المؤيدين لصالح الحسن كان يصنع أختامًا لمن يطلبها من أهل بريدة ليختموا على أوراق يقولون فيها (ما نبي حاكم لنا إلَّا صالح الحسن)، متجاهلين الملك عبد العزيز.
بل إن بعض أمراء أهل البادية والقرى كانوا ينوخون على صالح الحسن تاركين الملك عبد العزيز وهو في بريدة.
والمراد بذلك أن ينزلوا ضيوفًا على صالح الحسن يطلبون منه القرى والطعام، ويطلبون منه أن يقضي لهم حاجاتهم.
هذا إلى وصول مجموعة من الجنود الأتراك غير محاربة، أي إنها ليست مع أحد من أهل نجد ضد أحد كما تظهر ذلك وهي برئاسة المشير فيضي باشا تحمل خطة بأن يكون القصيم تحت رعاية الأتراك.
هذا والملك عبد العزيز آل سعود يراقب ذلك بصمت حتى خشي أنه إن استمر على ذلك وتوسع أن يفلت منه القصيم بزعامة صالح الحسن بن مهنا.
لذلك بادر وقبض على صالح الحسن وإخوانه مهنا وعبد الرحمن وعبد العزيز وأرسلهم مقبوضًا عليهم إلى الرياض فسجنهم هناك.
وقد لبثوا في سجن الرياض مدة وحدثنا الأشياخ الكثر أن صالح الحسن وأخاه مهنا هربا من سجن الرياض واختفيا في جبل طريق مدة يريدان أن يخف الطلب عليهما
وأن يقل البحث عنهما، ولكن كانت المشكلة كما حدثنا بها الأشياخ أن الوقت كان صيفًا، ولا ماء في المنطقة إلَّا في قرى وأماكن لا يأمنان فيها على نفسيهما.
أما الملك عبد العزيز فإنه عندما علم بهربهما أرسل إلى كل أمراء البلدان والقرى في المنطقة التي بين الرياض والقصيم وبخاصة ما كان منها قرب الرياض يخبرهم بذلك ويطلب منهم أن يخبروه بأي خبر يعرفونه عنهم، وجاءت الفرصة لصاحب البرة الواقعة في جو اليمامة القديم فقد لاحظ أن شخصين يأتيان من جبل طريق إلى مزرعته في البرة فيشربان من البركة ويصدران منها عايدين إلى جبل طريق في الليل فأخبر الملك عبد العزيز بذلك فأرسل في طلبهما أناسا من المقربين إليه فقتلوهما في البرة بعد أن كمنوا لهما.
هذه هي القصة الشائعة التي سمعت بها عشرات المرات.
ولكنني سمعت الآن وقبل فترة أن قصة هربهما كانت غير صحيحة وأنهما قتلا قتلًا في سجن الرياض.
وعلى أية حال فقد قتلا.
ومن لم يمت بالسيف مات بغيره
…
تعددت الأسباب والموت واحد
وقيل في سبب قبض الملك عبد العزيز على صالح الحسن أنه اكتشف أنه
وافق أو مال للموافقة على خطة تركية تجعل القصيم تحت حكم (المهنا) خارجًا
عن حكم الملك عبد العزيز آل سعود.
عودة إلى ذكر الاستيلاء على القصيم:
لابد لكي تتضح الصورة من ذكر شيء عن انتزاع القصيم من حكم ابن رشيد، وأهم الأحداث التي وقعت قبيل ذلك من استيلاء الملك عبد العزيز ومعه آل أبا الخيل بقيادة صالح بن حسن المهنا على القصيم وطرد رجال عبد العزيز بن متعب بن رشيد منه.
وذلك في أول عام 1322 هـ فقد استولى الملك عبد العزيز ومعه السليم أمراء عنيزة، والمهنا على مدينة عنيزة، ثم توجهوا إلى بريدة وفيها حامية لابن رشيد برئاسة أميرها من قبل ابن رشيد، عبد الرحمن بن ضبعان حيث بقيت متحصنة في قصر بريدة الشهير الذي مضى الكلام عليه عند ذكر إمارة حسن بن مهنا أكثر من ثلاثة أشهر تحت الحصار ولاقت من صنوف الجوع والخوف ما يهد عزائم الرجال، ولكن سيدها ابن رشيد كان مشغولًا في العراق ثم في الطريق إلى القصيم يجيش الجيوش ويسعى لاسترداد القصيم ولكنه لم يفلح.
لذا نزلت تلك الحامية بأمان من الملك عبد العزيز وأخلت قصر بريدة والتحقت بعبد العزيز بن رشيد الذي كان نازلًا في قصيبا أو القوارة وهما متقاربان.
ثم وقعت بين الطرفين وقعة البكيرية في العام نفسه 1322 هـ فانهزم فيها ابن رشيد ولم تقم له بعد ذلك قائمة حتى قتل في (روضة مهنا) عام 1324 هـ.
قال إبراهيم القاضي في تاريخه:
وفي سنة 1322 هـ آخر ليلة الأربعاء خامس من المحرم: وصل ابن سعود ومعه أهل القصيم إلى عنيزة، فارتحل ماجد بن رشيد ومن معه من الملقا ونزلوا في باب السافية، فقال ابن سعود لأهل القصيم: عندكم البلد وأنا أكفيكم ماجد ومن معه، فدخل أهل القصيم البلد وحصل بينهم وبين أهلها مناوشة قتال، وقتلوا فيها فهيد السبهان واستولوا عليها وأغار ابن سعود على ماجد ومن معه فانهزموا، وقتل منهم عبيد بن حمود آل عبيد وعدة رجال.
ثم إن آل سليم قتلوا أمير عنيزة وأخاه صالح بن عبد الله صبرًا، وتأمر بعنيزة عبد العزيز آل عبد الله بن سليم بأمر ابن سعود، وتوجه آل أبا الخيل ومن معهم إلى بريدة، فتحصن أميرها عبد الرحمن بن ضبعان في قصرها، ومعه مائة وخمسون رجلًا وامتنعوا، فركب ابن سعود ومن معه من الجنود إليها وحاصروا أهل القصر، إلى سلخ ربيع الأول تلك السنة حتى نفد ما عندهم من
الزاد، ثم طلبوا الأمان من ابن سعود فأمنهم على دمائهم، فخرجوا وتوجهوا إلى الجبل، واتفق خروجهم في اليوم الذي وصل فيه ابن رشيد ومن معه من العساكر والعربان إلى قصيبا.
وفي يوم الخميس تاسع وعشرين من ربيع الآخر من تلك السنة: التقى ابن سعود وابن رشيد في البكيرية واقتتلوا قتالًا شديدًا، وقتل من الفريقين خلائق كثيرة منهم ماجد بن حمود آل عبيد، وقتل دخنان باشا، وعدد كثير من العسكر، وواجه أهل القصيم جنود ابن رشيد من خَيَّالة شمر وعساكر الترك، فقتلوهم قتلًا ذريعًا وهزموهم، ولم يكن أهل القصيم يعرفون أن الملك عبد العزيز ومن معه قد واجهوا جنود ابن رشيد وانهزموا لأن ابن رشيد ركز في هجومه على الملك عبد العزيز وجنوده، وبعد هزيمة ابن رشيد في البكيرية ارتحل بعد ذلك إلى الشنانة، ونزلها وقطع نخلها، ونزل ابن سعود وأهل القصيم الرس، فلما كان في اليوم الثامن عشر من رجب سار بعضهم إلى بعض واقتتلوا عند قصر ابن عقيل وانهزم ابن رشيد.
وقال الشيخ إبراهيم بن عبيد وصف في معركة البكيرية.
ولما أن نزل ابن رشيد في قصيبا أمر بتجارب المدافع وتهيئتها، فلما أطلقت وسمع لها دوي عظيم وثار قتام الأرض.
إلى أن قال:
ثم إنه زحف يريد بريدة فوافته السرية التي أميرها ابن ضبعان قد طردت من بريدة فعاتب أميره ابن ضبعان، ولما اعتذر ببطئه عنهم وأنه أوشك ومن معه على الخمود من الجوع عذره ووالى الزحف ليهجم من الجهة الغربية على بريدة فنزل القرعاء، فلما علم به ابن سعود وما أبرمه من الكيد كان اذ ذاك في إمارة بريدة صالح الحسن بن مهنا فصيح بالنفير العام وأخلى ابن سعود بريدة وسار بجموعه من أهل الرياض.