المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌مقتل مهنا الصالح: - معجم أسر بريدة - جـ ٢١

[محمد بن ناصر العبودي]

فهرس الكتاب

- ‌المفتاح:

- ‌المُفراص:

- ‌المْفَرِّج:

- ‌المْفَرِّح:

- ‌المفيز:

- ‌المِقْبل:

- ‌الشيخ القاضي سليمان بن علي المقبل

- ‌أشهر علماء المقبل:

- ‌الشيخ سليمان بن علي المقبل وطلبة العلم:

- ‌توليه القضاء:

- ‌أين تلك الأوقاف

- ‌الأوقاف على مساجد مدينة بريدة:

- ‌أوقاف متفرقة على الجامع الكبير بمدينة بريدة:

- ‌مواصلة الحديث عن الشيخ سلميان المقبل:

- ‌إخلاص الشيخ وورعه:

- ‌كثرة كتابات الشيخ سليمان المقبل:

- ‌الشيخ سليمان بن علي المقبل بأقلام العلماء:

- ‌الشيخ سليمان بن مقبل (1220 - 1305 ه

- ‌سليمان بن علي بن مقبل من خب المنسي في بريدة:

- ‌والد الشيخ سليمان بن علي المقبل

- ‌الشيخ محمد بن مقبل آل مقبل

- ‌محمد بن مقبل من خب المنسي في بريدة:

- ‌أنموذج من خط الشيخ محمد بن مقبل:

- ‌المقبل:

- ‌أفعال علي بن مقبل الخيرية:

- ‌قصص علي المقبل وورعه:

- ‌طالب علم يقول لزوجته أنت أفقه مني:

- ‌إطعام طلبة العلم:

- ‌الشيخ علي بن مقبل بن علي بن عبد الله آل عبيد:

- ‌النائب عبد العزيز بن عليّ المقبل

- ‌نماذج من كتابة (النائب) عبد العزيز بن عليّ المقبل:

- ‌سليمان بن عليّ المقبل (أبو حنيفة)

- ‌النائب عبد الله بن عليّ المقبل:

- ‌المِقْحم:

- ‌المقرن:

- ‌المقرن:

- ‌المقرن:

- ‌المقصورة:

- ‌المْقَيْذِل:

- ‌المقيرشه:

- ‌المقيطيب:

- ‌حق العلم:

- ‌المْكَيْرِش:

- ‌المَلَاحي:

- ‌الشيخ عيسى الملاحي يرد على منتقديه:

- ‌ الشيخ عيسى الملاحي

- ‌المَلَّاك:

- ‌وصية مزنة الملاك:

- ‌المناور:

- ‌محمد بن مناور:

- ‌المْناور:

- ‌المْنَجِّم:

- ‌وثائق لأسرة المنجم:

- ‌المِنْدِيل:

- ‌نسب عائلة المنديل من أسرة التواجرة:

- ‌المِنْسلِح:

- ‌الشيخ محمد بن صالح المنصور (المنسلح): ولد عام 1350 ه

- ‌وثائق للمنسلح:

- ‌المنصور:

- ‌الملك عبد العزيز مع شعبه في الصحراء:

- ‌ المنصور

- ‌ المنصور

- ‌ المنصور

- ‌المنصور:

- ‌المنصور:

- ‌المنصور:

- ‌المنصور:

- ‌المَنْفُوحي:

- ‌المَنْقُوري:

- ‌المنيصير:

- ‌المنيع:

- ‌المْنَيِّع:

- ‌المنيعي:

- ‌وصية عثمان بن عبد الله المنيعي:

- ‌المنيف:

- ‌المَوَّاش:

- ‌سلطان بن محمد المواش (1300 - 1372 هـ) تقريبًا:

- ‌الإحسان وأثره في النفوس:

- ‌محمد بن سلطان المواش (1340 هـ - 1418 ه

- ‌الموالي:

- ‌الموسى:

- ‌الموسى:

- ‌المْهاوش:

- ‌المْهَرِّف:

- ‌المْهَنَّا:

- ‌قتلى المليدا من المهنا:

- ‌مهنا والعلم:

- ‌إمارة مهنا الصالح:

- ‌استقرار القصيم في وقته:

- ‌استقلال القصيم:

- ‌عود إلى الحديث عن مهنا:

- ‌مهنا الصالح موفد لأهل القصيم إلى الإمام فيصل بن تركي:

- ‌ثروة مهنا الصالح:

- ‌نماذج من بيان ثروة مهنا الصالح:

- ‌مقتل مهنا الصالح:

- ‌غزوات حسن المهنا:

- ‌تدين حسن المهنا:

- ‌حسن المهنا والكرم:

- ‌دَيْن حسن المهنا:

- ‌قصر بريدة:

- ‌ما بعد وقعة المليدا:

- ‌عودة إلى الحديث عما بعد المليدا:

- ‌وصية حسن المهنا:

- ‌صالح بن حسن المهنا

- ‌الحاكم الثالث:

- ‌القبض على صالح بن حسن المهنا:

- ‌الحاكم الرابع:

- ‌وقعت الواقعة:

- ‌دور محمد بن شريدة:

- ‌نهاية حكم آل مهنا:

- ‌عبد الله بن مهنا الصالح

- ‌وثائق للمهنا:

- ‌المهنا:

- ‌المهَوِّس:

- ‌أشخاص بارزون من (المهوِّس):

- ‌وصف تجارة المواشي بالملعونة:

- ‌وثائق للمهوس

- ‌المْهَوِّس:

- ‌المهَيْد:

- ‌المْهَيلب:

- ‌عبد العزيز بن عبد الله بن حماد بن عبد الله بن علي بن عبد الله بن حماد:

- ‌ذرية عبد الله بن علي بن عبد الله بن حماد:

- ‌المهيلب:

- ‌المْهَيْني:

- ‌المَيْع:

- ‌الميموني:

الفصل: ‌مقتل مهنا الصالح:

‌مقتل مهنا الصالح:

قتل مهنا الصالح في عام 1292 هـ. وتسمى العامة مقتله بـ (ذبحة مهنا) وقد سمعت والدي أكثر من مرة يقول تزوج والدي بأمي قبل (ذبحة مهنا) بسنة وولدت أنا عقب (ذبحة مهنا) بسنة أي عام 1293 هـ.

وذلك مثلما جرت العامة عليه من كونهم يؤرخون بالوقعات الفاصلة، وبخاصة في الوقائع الحربية، أو بالنكبات مثل سنة الجوع التي هي 1327 هـ و (سنة الرحمة) التي هي سنة 1337 هـ.

ونظرًا لأهمية مقتل مهنا من الناحية التاريخية ذكرت الأوراق التاريخية في القصيم ذلك، كما سمعناه من الشيوخ والإخباريين، وقد رأيت أن أذكر ما سمعته في الروايات الشفهية عنها، ثم أتبعه بما قاله المؤرخون أو هم كتاب الورقات التاريخية المختصرة.

لا يستغرب الإخباريون أن يقتل (آل أبو عليان) الأمير مهنا الصالح أبا الخيل، بل إنهم يستغربون أن يتأخر ذلك إلى أن يمضي في الحكم إحدى عشرة سنة، لأنهم الذين كانوا يحكمون بريدة سواء كان ذلك بصفة مستقلة أم كانوا معينين من الدولة السعودية لمدة مائتي سنة أو نحوها.

ص: 372

ولا شك في أنهم لم يغفلوا عن ذلك وإن كان مهنا الصالح حذرًا وقويًّا إلى درجة لا يستطاع معها إسقاطه أو إبعاده عن الحكم بسهولة.

بدأ ذلك بالعزم الشفهي من (آل أبي عليان) الذين كانوا فروا إلى عنيزة وبقوا فيها، وقد كتب بعض الذين كانوا موجودين منهم في بريدة إليهم بما يشبه الشفرة أو الكلام المعمى عن قصدهم.

فذهبوا إلى كاتب معروف في بريدة بسرعة استجابته لمن يطلب منه أن يكتب له رسالة، وذلك من باب الشهامة والمساعدة وهو (علي بن عبد العزيز آل سالم) من أسرة السالم الكبيرة قديمة السكني في بريدة، وسبق ذكره في حرف السين فأملوا عليه كتابًا فيه معميات منها قولهم: ترى الجمل العور - الأعور - عازب بالبر يقصدون بذلك حسن بن مهنا الصالح الذي كانت قد ذهبت عينه في بعض المعارك الحربية، وقولهم: والحمار الشهري يبي يجلب يوم الجمعة، وهو تعمية عن اسم (مهنا) نفسه، ومعنى يجلب يوم الجمعة أي أن قتله سيكون يوم الجمعة.

وهكذا كان فقد اغتنموا فرصة غياب حسن المهنا عن بريدة كما ستأتي قصة غيابه، ورصدوا لمهنا الصالح عند خروجه لصلاة الجمعة فذهب أناس منهم إلى بيت لآل غصن الجرياوي وهم غير الغصن الذين هم من آل سالم كما تقدم، والبيت ملك للهذال من آل مزيد أهل الدعيسة استأجره، الغصن منهم صبرة، ويشرف على وسعة بريدة التي تقع شمالًا من الجامع، فكمنوا فيه وهم مسلحون بالبنادق والذين كمنوا في هذا البيت منهم اثنان أو ثلاثة.

ولما جاء الأمير مهنا الصالح إلى المسجد الجامع ليصلي الجمعة، ومن عادته أن يدخل مع الباب الشمالي الشرقي للمسجد لأن بيته واقع إلى الشمال الشرقي من الجامع وآل في عصرنا إلى (الشويرخ)، ولا أدري ما فعل الله به بعد ذلك إلا أن يكون دخل في ميدان المسجد الجامع بعد توسعته.

فلما صار تحت المنارة التي تقع في الركن الشمالي الشرقي من الجامع،

ص: 373

وقد عهدناها كذلك أطلقوا عليه النار فأردوه قتيلًا، ثم فروا حسب اتفاق بينهم وبين باقيهم الذين جاءوا من عنيزة إلى ما كان يعرف بالقلعة، وهو موضع قصر بريدة الشهير، الذي كان في شمال الجردة، وكانت القلعة آنذاك حوشًا واسعًا فيه مقصورة حصينة، وذلك قبل أن يبني حسن المهنا قصر بريدة، فتحصنوا فيها مع بقية جماعتهم.

أما الأمير مهنا الصالح فإنه بعد أن سقط برصاصهم لم يعرف الذين نزلوا إليه من سائر الناس ما إذا كانت إصابته قاتلة أم لا فنادوا (الحوطي) وهو رجل يحفر القبور، ويغسل الموتى ويعرف لذلك ما إذا كان الأمير قد مات.

قالت الرواية: فكان الحوطي يدخل يده في جيب مهنا يتحسس فيه النقود الصغيرة التي كان مهنا الصالح قد اعتاد على أن يأخذها معه، لكي يمنحها لمن يعترض طريقه يسأله المعونة من المال، قالوا: بعد ذلك جس جسمه ونظر إليه، وقال: الأمير مات.

فزع أهل بريدة وفيهم أبناء مهنا ورجاله علي بني عليان بقيادة ابنه عبد الله المهنا، ولكنهم كانوا متحصنين في برج القلعة وهذا هو اسمها، إلا أنها ليست قلعة كالقلاع المحصنة فهي مبنية بالطين، ولذلك يسميها بعض الناس المقصورة، وأحاطوا بهم ولكنهم كانوا مسلحين وقتلوا اثنين أو ثلاثة من المهاجمين فتوقف الجميع عن الهجوم، وهابوا الاقتراب من البرج.

قالوا: وكان شخص اسمه (ابن نصار) وليس من النصار آل أبو عليان وبينه وبينهم عداوة وبينه وبين مهنا الصالح علاقة صداقة ومحبة، فقال: تراكم ما تقدرون عليهم إلا إذا أوصلتم تحت البرج تنكة بارود أي صفيحة مملؤة بالبارود وفجرتوها، فأحضروا التنكة المليئة بالبارود، وقالوا: شاغلوهم بالرمي عليهم بينما كان اثنان منهم وقد حل الظلام يتسللان إلى ما تحت البرج، ويضعان البارود ثم نثروا في الأرض بارودًا متصلًا على هيئة حبل وأشعلوا

ص: 374

النار في طرفه فسرت النار فيه حتى وصلت الصفيحة تحت البرج فانفجرت وانهدم ورموهم بالرصاص وقضوا على أكثرهم، ولم يفلت منهم إلَّا من اختفى في الظلام وهم ثلاثة أو أربعة هربوا من حيث جاءوا إلى عنيزة.

وتقول الروايات الشعبية: إنه لم يسلم منهم إلا واحد متدين كان يقرأ القرآن ويورد على نفسه أي يدعو فسهل الله له خشبة في البرج لم تسقط فتعلق بها ثم وصل إلى الأرض سالمًا وهرب.

وبهذا انتهت خطة مقتله من دون أن يتحقق شيء مما أرادوه إلَّا موت الأمير مهنا ولكنهم لم يحصلوا على طائل فيما يتعلق بعودة الحكم إليهم.

أما غياب حسن بن مهنا الذي أشاروا إليه فإنه كان في غزوة معهم فيها جدي عبد الرحمن بن عبد الكريم العبودي، وكان من عادة الذين يقومون بمثل هذه الغزوة التي تكون كبيرة وعدد أفرادها كثير وتكون بإمرة أمير البلد أو من يقرب منه في المكانة أن لا يذهبوا من البلد دفعة واحدة، بل يظهرون أول الأمر ثقلهم ويبقون غير بعيد منه حتى يتلاحق الغزو ويكتمل.

حدثني والدي عن جدي، قال: كنا غازين مع حسن المهنا وقد نزلنا في الخسف، وينطقون بها بإسكان الخاء وفتح السين، جمع خسف وهو الغائر من الأرض يكون سببه انخفاض أو ما يسمى بالانكسار في الأرض ويكون ذلك قديمًا في العادة أو يكون سببه ما تسمية العامة (مضراب نجم) أي موضع وقوع نيزك من السماء.

قال جدي: بينما كنا بعد العصر جالسين مع حسن المهنا ومع كبار الغزو إذا بأخيه محمد المهنا قد أقبل على فرسه التي كان قد (لزها) أي حملها على أن تجري بأقصى ما تستطيع، فنزل من الفرس مسرعًا ووقف على أخيه الأمير حسن، فبادره حسن بقوله: عسى ما شر؟

فقال له محمد: أبيك بالشراع.

ص: 375

وذهبا معًا إلى داخل شراع الأمير حسن، ولم يكن بعيدًا من مجلسنا في الصحراء قال: أما نحن فقد عرفنا أنه جاء لأمر مهم لأن الفرس التي تحته كانت عندما وصلنا صفراء ثم انقلبت إلى دهماء بمعنى تغير لونها في رأي العين، فعرفنا أنه كان يجعلها تجري بأقصى سرعتها، لأن الذي جعلها تبدو (دهماء) بمعنى كذات اللون البني هو العرق الذي جللها وتصبب منها.

قال جدي: ثم خرج إلينا الأمير حسن وقال: الأخ محمد يقول: إن ها الأشقياء بني عليان ذبحوا الوالد وأنهم هاالحين محصورين بالقلعة، والجماعة محيطين بهم ولا لهم مطير، لكن ترانا نكيف، اللي معنا يبقى معنا نبي ندخل من شمال الديرة واللي ما هو معنا يقدر يخلينا يروح على هواه.

ومعنى (نكيف) راجعون إلى البلد وتاركين الغزو من قول العامة: انكف فلان إذا رجع من سفر أو غزو.

وقوله اللي معنا هذا هو غاية الإنصاف معناها الذين يؤيدوننا، ولا يؤيدون (آل أبو عليان) يبقون معنا والذي له رأي آخر يذهب مع جهة أخرى.

يريد بذلك أننا لا نجبر أحدًا على أن يكون معنا، وقد فعل هذا احتياطًا مما قد يتبع مقتل والده من مواجهة أو حرب، وقد تبين أنه لا يوجد شيء من ذلك.

قال جدي: وقد جامل كثير من الناس فدخلوا مع حسن المهنا، وإن كانوا لا يؤيدونه، أما بعضهم فإنهم انفصلوا عنه ودخلوا من جهة غرب المدينة إلى الشرق من (المطا).

قال: وعندما وصلنا إلى بريدة بعد المغرب كان كل شيء قد انتهى، وبقيت جثث القتلى من آل أبو عليان الذين كانوا في البرج ملقاة على الأرض حتى صبح الغد.

أقول أنا مؤلف الكتاب: بلغني من غير والدي أن محمد بن سليمان العمري جد الشيخ صالح العمري أول مدير للتعليم في القصيم طلب من حسن المهنا أن يغسلهم هو ويصلي عليهم ففعل ذلك، وكان الناس ومنهم أقارب لهم

ص: 376

هابوا الاقتراب من جثثهم خوفًا من حسن المهنا.

هذا وقد تولى حسن المهنا الإمارة منذ ذلك اليوم، ولكن بني عليان لم يسكتوا، بل حاولوا أن يقوموا بعمل ضده، غير أنهم لم يستطيعوا، وسوف نذكر في ترجمة حسن المهنا شيئًا من ذلك.

وجدت في أحد الأوراق التي كنت نقلتها في عام 1364 هـ من مصدر لا أتذكره الآن، ولكنني أذكرها من باب الإيضاح:

وقد سجل التاريخ المكتوب قتلة مهنا الصالح لأهميتها قال ابن عيسى:

وفي هذه السنة - أي سنة 1292 هـ - قتل مهنا الصالح أبا الخيل أمير

ص: 377

بريدة وآل أبا الخيل من عنزة قتله آل أبي عليان وكان مهنا المذكور قد تغلب على البلد واستمال أعيانها وكثر أعوانه، وكان صاحب ثروة ومال فقام على آل أبي عليان، وأجلى من البلد كل من يخافه منهم ويخشي شرهم فساروا إلى بلدة عنيزة، ولم تزل الرئاسة لهم عليها إلى أن غلبهم عليها مهنا الصالح المذكور وأجلى رؤساءهم منها إلى عنيزة في هذه السنة كما ذكرنا.

فاتفقوا على قتله فنفر منهم اثنا عشر رجلًا من عنيزة ودخلوا بلد بريدة آخر ليلة الجمعة تاسع عشر من المحرم من السنة المذكورة ودخلوا في بيت على طريق مهنا إذا خرج لصلاة الجمعة واختفوا فيه فلما خرج لصلاة الجمعة خرجوا عليه من البيت وقتلوه ثم ساروا إلى قصر مهنا الجديد المعروف فدخلوه وتحصنوا فيه، فقام عيال مهنا وعشيرتهم وأهل بريدة وحصروهم في القصر المذكور وثار الحرب بينهم وبين آل أبي عليان المذكورين فضرب آل أبي عليان علي بن محمد بن صالح أبا الخيل برصاصة فوقع ميتًا ثم ضربوا حسن بن عودة أبا الخيل برصاصة فوقع ميتًا فقام آل أبي الخيل ومن معهم من أهل بريدة وحفروا حفرًا تحت المقصورة التي فيها آل أبي عليان المذكورين ووضعوا فيه بارودًا وأعلقوا فيه النار فثار البارود وسقطت المقصورة بمن فيها فمات بعضهم تحت الهدم وبعضهم أمسكوه وقتلوه ولم يسلم إلا إبراهيم بن عبد الله بن غانم ومن أعيان المقتولين صالح آل عبد العزيز آل محمد وابن أخيه عمر بن تركي آل عبد العزيز آل محمد وابن أخيه الثاني إبراهيم بن علي بن عبد العزيز آل محمد وعبد الله بن حسن آل عبد المحسن آل محمد وتولى إمارة بريدة حسن آل مهنا بعد أبيه (1).

قال الشيخ إبراهيم بن عبيد في تاريخه:

هذه ترجمة مهنا هو الأمير الخطير والبطل الشهير أبو الخيل مهنا الصالح

(1) عقد الدرر، ص 68 - 69.

ص: 378

الحسين آل أبي الخيل، من عنزة أمير الإمام فيصل على بريدة.

وكان رسول أهل القصيم إلى الإمام فيصل بن تركي لما خرجوا عن طاعته وطلبوا الصلح، فلما قدم رسولًا من أهل القصيم انتظم على يده الصلح وما زال يتودد إلى الإمام حتى كتب معه أنهم يدفعون الزكاة ويركبون معه غزاة ويدخلون في السمع والطاعة والجماعة، فرجع مهنا إليهم بذلك وكان شجاعًا مقدامًا وتاجرًا كبيرًا من كبار التجار، ولما أراد الإمارة أشار عليه أحبابه وذوو الرأي أن لا يتآمر لعلمهم أن يحدث نزاع بينه وبين آل أبي عليان، بل يكون من زعماء البلد فإنه أرفع لشأنه وأحسن لمستقبله لأن الرأس مستهدف للآفات، فلم يصغ وصمم على مراده.

فأما شجاعته فكانت الأمة تضرب الأمثال بإتعابه للخيل إذا ركبها فإذا ما استهزلوا دابة قالوا هذه قد ركبها مهنا، وله معاملة في التجارة للفلاحين، فكان يقول لوكيله لا تعامل من يكون أقوى منا فقال له الوكيل مرة ومن أقوى من الأمير؟ فأجاب قائلًا: أقوى منه الفقير إذا إدعى العسرة فإنه يجب إنظاره، وكان يعطي أهل الشرق عشرهم اثني عشر ويعطي أهل الغرب عشرهم أحد عشرة فاشتكى إليه الشرقيون قائلين ما بالنا نغلب في المعاملة فهل يساوي بيننا، قال: لا يستوي من إذا دخل المدينة فالشمس في وجهه وإذا خرج فكذلك في وجهه يشير إلى أن الفلاح يدخل من أول النهار ويخرج من آخره ويلاقي الغربيون معاناة الشمس عكس الشرقيين فإنها إذا لوحت وجوههم تقمع أبصارهم وتسود ألوانهم.

ولما مات خلف من البنين أربعة مشهورين وهؤلاء الأمير حسن ومحمد وصالح وعبد الله (1). انتهى.

(1) تذكرة أولي النهى والعرفان، ج 1، ص 217 - 218.

ص: 379

أقول: ذكر ابن عبيِّد في تاريخه النجم اللامع شيئًا لم يفصله غيره يدل على أن آل أبو عليان قتلة مهنا الصالح كانوا اتفقوا مع زامل بن سليم أمير عنيزة على أن يناصرهم إذا قتلوا مهنا، ولكنه لم يفعل.

قال ابن عبيِّد:

وكانت عشيرة آل أبو عليان قد تواعدوا وتعاهدوا مع زامل العبد الله بن سليم أمير عنيزة وضمن لهم أنه حينما يبلغه الخبر أنهم قتلوا مهنا فإنه يمدهم بالرجال من أهل عنيزة ويمشي معهم إلى بريدة رئيسًا لهم، فلما قتلوه أرسلوا إليه معتوقًا لهم يدعى زيد فأركبوه فرسًا واستحثوه بالعجلة حتى يخبر زامل فيقوم بما يجب عليه ثم إن جماعة أهل عنيزة وذوي الحل والعقد منهم حينما بلغهم ذلك الخبر استدعوا أميرهم زامل وهم مجتمعين في قهوة محمد بن فوزان فسألوه عن جلية الخبر وأعطاهم الخبر الصدق على وضعه من أنه عاهد آل أبو عليان أن يمدهم إذا قتلوا مهنا، وكان العهد هذا منفردًا به دون إطلاع رؤساء جماعته ففتوا في عضده وانفوه وقالوا ليس هذا رأيك برأي رشيد، وليس لنا فائدة من قتال آل مهنا وآل أبو عليان فلو قتل رجل واحد من أهل عنيزة لكان يعدل عندنا كثير من أهل بريدة فغلبوه على أمره وقالوا له: إن كان تحب أن تمدهم فبنفسك وخدمك وعبيدك وأما أهل عنيزة فلن نسمح أن يخرج منهم ولا شخص واحد، وكان يعلم أن ليس له شوكة بدون مناصرة جماعته له فعدل عن رأيه قانعًا مسلمًا (1). انتهى.

ولا أعرف صحة ما ذكره، وإنما كنا سمعنا من أشياخنا أن آل أبو عليان كانوا يؤملون أن يكون أهل بريدة، وقسم منهم معهم إذا قتلوا مهنا الصالح، وبخاصة من كان من بني آل أبو عليان، باقيًا في بريدة، والله أعلم.

(1) النجم اللامع للعبيد، ص 99 - 100.

ص: 380

أقول: وقفت على وثيقة فيها قسمة بعض العقار الذي خلفه مهنا الصالح من دور ودكاكين، وذلك بطبيعة الحال غير النقود وما في معناها.

ص: 381

الحاكم الثاني:

الحاكم الثاني من أسرة (المهنا) حسن بن مهنا تولى الإمارة بعد والده، ومنصبه منصب حاكم لا أعلى منه نفوذًا في ذلك الوقت في المنطقة النجدية، الآن آل سعود قد انشغلوا في التحارب ما بين عبد الله بن فيصل ومعه طائفة من آل سعود مثل الإمام عبد الرحمن والد الملك عبد العزيز، وبين أخيه سعود الفيصل ومعه طائفة من آل سعود، وكل واحد منهما معه بعض الأعراب وأهل البوادي، ولكنهم أي الأعراب في ذلك الوقت يسيرون أمورهم وفق ما يرون فيه مصلحتهم الحاضرة، لذلك قد يبدلون ولاءهم في بعض الأحيان كما هو معروف عنهم.

وابن رشيد والموجود في الحكم آنذاك هو محمد بن عبد الله بن رشيد لم يتمدد حكمه ولا اتسع نفوذه إلى أبعد من حائل وقراها.

وإذًا حسن المهنا قد استولى على القصيم الذي هو أخصب أقاليم نجد وأكثرها ثمارًا وغلات.

حتى إن حسن المهنا عندما بنى قصر بريدة الشهير كان أكبر قصر وأكثره منازل فيما نعرفه من القصور في ذلك الوقت في نجد بني فيه صوبة ضخمة واسعة، وهي مخزن التمر الكبير.

وقد أسمى الناس تلك الصوبة (مقيمة) لأن التمر يبقى فيها إلى سنة أو نحوها أي إلى أن تدرك ثمرة النخل الجديدة.

وذلك أن قصر حسن المهنا تجبى إليه صدقات أي زكوات الثمار من جميع البلدان التي تتبع بريدة من المذنب والعمار جنوبًا حتى القوارة شمالًا، ومن الشماسية والربيعية والنبقية شرقًا حتى صبيح والنبهانية غربًا، سواء

ص: 383

أكانت زكوات التمر أو الحبوب، ويمكن القول بأن زكوات جميع القصيم تجيء إليه ما عدا مدينة عنيزة وما يتبعها من قرى صغيرة قليلة المحصول.

ونعود إلى ذكر تولي حسن الأمر وأنه يصلح أن يعبر عنه بأنه تولى الملك فنقول: إن أرض القصيم التي كانت تحت حكم حسن المهنا هي أكثر سعة إلى عشرين أو ثلاثين ضعفًا من أرض البحرين التي هي مملكة الآن، وحاكمها ملك.

كما أن موارد القصيم في ذلك الوقت أكثر وأثمن من موارد البحرين في ذلك الوقت أيضًا.

كان حسن المهنا أكبر أولاد مهنا، وكان والده يرسله في المغازي وأمثالها كما في قصة مهنا أن ابنه (حسن المهنا) كان على رأس غزو قد غادر بريدة ولم يبعد عنها، وكان في ذلك الغزو معه جدي عبد الرحمن العبودي.

وقد حاول بعض الناس أن يغمطه حقه فيقول: إنه ليس عنده تدبير، وإنه بسبب تدبيره حصلت على أهل القصيم مقتلة المليدا عام 1308 هـ.

وذلك أن حسن المهنا ومعه أهل القصيم ومنهم أهل عنيزة وأميرهم زامل السليم كانوا متقابلين قبل الوقعة، هم في الخبوب، قرب البصر وقرب البكيرية وهي مواقع جيدة جدا للقوة التي يملكونها وهي الرَّجَّالة والرماة فعددهم كبير وفيهم رماة معروفون.

ثم إنهم يدافعون عن بلادهم.

وأما ابن رشيد فإن قوته الحقيقية هي في الخيالة، وهم الفرسان أي المحاربون الذين على الخيول، لان قبيلة شمر أهل بادية يعتنون بالخيل وبالفروسية، والخيل لا تستطيع أن تطرد أي أن تسبق من تطلبه أو يطلبها في الموقع الذي فيه أهل القصيم وهو الرمل لأن قوائمها تغوص في الرمل.

ص: 384

فهي بحاجة إلى أرض قوية بارزة لذا بقي ابن رشيد في المليدا في الضلفعة وما حولها.

وقد صار ابن رشيد يرسل بعض خيالته فيغيرون على أطراف القصيم يأخذون ما يستطيعون الوصول إليه فتأذى من ذلك بعض أهل الخبوب وشكوا إلى حسن المهنا وجاءهم كبار قرية في أعلى القصيم يقولون له: أما إنك تفكوننا وإلا أصلحنا مع ابن رشيد، بل بلغه أن بعضهم قد أجروا بالفعل اتصالًا مع ابن رشيد حول الصلح معه الذي معناه أن يصل إليهم ابن رشيد، ويؤذي بجنده أهل المنطقة وهم في ذمة حسن المهنا كما كان حسن يقول.

لذلك رأى حسن المهنا ومن معه من أهل القصيم أن يهاجموا ابن رشيد ليضطروه للبعد عنه، وبالتالي يتخلص أهل القصيم منه، وقد عارض في ذلك زامل السليم أمير عنيزة، وقال: الأفضل أن نبقى في مكاننا.

وهذا صحيح من الناحية الحربية، ولكن من الناحية السياسية والشعور بالواجب ليس صحيحًا عند حسن المهنا، والفرق بين موقف حسن وزامل أن جميع الأماكن التي هم فيها والأماكن التي يهددها ابن رشيد أو اتصل بأهلها هي تابعة للقصيم أي لبريدة وليس منها شيء تابع لعنيزة.

لذلك كان حسن المهنا يشعر من هذه الناحية شعورًا مختلفًا عن شعور زامل السليم أمير عنيزة.

ثم وقعت الواقعة في المليدا الأرض المستوية التي تغير فيها الخيل بدون عوائق وليس فيها مواقع يحتمي بها الرماة أو المشاة.

وكان ما كان من هزيمة أهل القصيم وقتل أقوام كثيرة منهم سواء من أهل بريدة أو من أهل عنيزة، وقتل فيها زامل السليم أمير عنيزة، وجرح فيها

ص: 385

حسن المهنا أمير القصيم وكسرت رجله حتى لم يمكن حمله، إلا بمحمل وهو كالنعش أو النقالة من الخشب.

وبعد وقعة المليدا رأى حسن المهنا وهو كسير الرجل أن يذهب إلى عنيزة خوفًا من ابن رشيد وأنه إذا ذهب إلى بريدة يكون ذلك أسهل في القبض عليه وعلى أمل أن يشفع له ابن بسام عند ابن رشيد نظرًا لمكانة ابن بسام عند ابن رشيد، ولكن ذلك لم يحصل، ولا ندري أطلب حسن المهنا ذلك، أم توقعه ولم يحصل.

وقبض عليه ابن رشيد في عنيزة وسجنه في حائل مثلما سجن أبناءه وبعض آل مهنا، إلا أن الأمير حسن المهنا كان أنقلهم قيودًا فقد ربطت رجله بمرسة قوية من الحديد وصب على تلك المرسة 30 وزنة من الرصاص أي 45 كيلو حتى لا يستطيع أحد أن يفك عنه قيده.

كان من نتيجة ذلك أنه لا يستطيع أن يحرك رجليه أو يسحب جسمه بسبب القيد الحديدي المثقل بالرصاص.

وقد ذكر لي أحد العارفين بالأمر أن حسن المهنا لم يضيق عليه في السجن في أول الأمر وإنما حدث ذلك بعد تولي عبد العزيز بن متعب بن رشيد ولا أدري عن ذلك.

وهو متدين أسعفة تدينه بشيء من راحة البال، فحفظ القرآن عن ظهر قلب في السجن وصار يكثر من التلاوة حتى مات في سجن ابن رشيد في حائل عام 1320 هـ بعد أن بقي في السجن اثنتي عشرة سنة.

حدثني أحد أصدقائنا من أهل شقراء عن فهد بن سدحان من أهل شقراء أيضًا قوله: لا أنسى موقفين متباعدين في الحقيقة والمعنى رأيت عليهما حسن بن مهنا فيما يتعلق بحالته بالنسبة إلى ابن رشيد أحدهما أن محمد بن عبد الله بن رشيد كان

ص: 386

معه حسن المهنا ومعه جنود القصيم وكانوا جميعًا نازلين على روضة قرب شقراء وكان الوقت وقت أمطار، وقد كثر نزول المطر على الروضة حتى صارت أرضها طينًا مع ماء لا يستطاع السير عليه إلَّا بصعوبة وتلوث ثياب.

وكان مجلس لمحمد بن رشيد وحسن المهنا معتادًا، فأرسل ابن رشيد إلى حسن المهنا أن يأتي إليه في مجلسه المعتاد فاعتذر بصعوبة السير على ارض هذه الروضة، قال: فأرسل محمد بن رشيد أربعة من عبيده الأقوياء، ومعهم سجادة وقال لهم: احضروا لي حسن المهنا بهذه السجادة خلوه يجلس عليها وأنتم احملوه على أكتافكم.

قال: ففعلوا، وذلك من شدة حرص محمد بن رشيد على أن يجلس حسن المهنا معه، وقد عجب الناس من إكرام محمد بن رشيد لحسن المهنا بهذه الطريقة، قال: وقد رأيته بعيني والعبيد يحملونه على أكتافهم وهو رجل ذو مظهر منعم.

قال فهد بن سدحان: وبعد سنوات رأيت حسن المهنا في منظر مختلف، بل بعيد جدًّا عن هذا الإحتفاء، وذلك في مكان اعتقاله في حائل، وقد صفدت قدماه وأغلق عليه باب سجنه، وجعلوا في سجنه أو لنقل معتقله نافذة يصعد إليها الناس فيطلون على حسن المهنا يرونه منها رجلًا قد أهمل شعره فاختلط شعر شاربه بعارضه وشعر لحيته وصار شعر رأسه منتشرًا مهملًا لم ير المشط منذ سنوات، والناس يتفرجون عليه من تلك النافذة وهو على تلك الصفة.

أقول: بلغنا من غيره أنهم جعلوه بمثابة الفرجة للناس، ودليلًا على قدرتهم مع أنه رجل كبير السن ومتدين ومغلوب، بل هو أسير حرب، لأنهم قبضوا عليه في أعقاب وقعة المليدا التي كان من المفهوم أن يعتقلوه وألا يطلقوه إلَّا إذا شاؤا، ولكن أن يسيئوا بهذه الطريقة على شيبته، ويخدشوا كرامته فهذا غير معتاد لغيرهم.

وفي خزانة التواريخ عن وقعة المليدا ما يلي:

ص: 387

وفي جمادى الأولى من هذه السنة، سار الأمير محمد العبد الله بن رشيد، القتال أهل القصيم، وخرج حسن آل مهنا الصالح أبا الخيل أمير بريدة، وزامل العبد الله السليم أمير عنيزة، ومعهم جنود كثيرة من أهل القصيم ومن البادية فحصل بينهم، وبين ابن رشيد وقعة في القرعاء قتل فيها عدة رجال من الفريقين، وذلك في ثالث جمادى الآخرة من السنة المذكورة، ثم التقوا بعدها في المليدا، في ثالث عشر من جمادى الآخر من هذه السنة، وحصل بينهم قتال عظيم وصارت الهزيمة على أهل القصيم، وأتباعهم، وقتل منهم خلائق كثيرة، منهم زامل العبد الله السليم أمير عنيزة رحمه الله تعالى.

وانهزم حسن آل مهنا الصالح أبا الخيل، فأدركوه ثم جيء به إلى الأمير محمد العبد الله بن رشيد، فأرسله إلى حائل، وجلس هناك، واستولى الأمير محمد العبد الله بن رشيد على جميع بلدان القصيم، ولما بلغ عبد الرحمن بن فيصل خبر الوقعة، وكان قد أقبل من العارض ومعه جنود كثيرة قاصدًا القصيم، وقد وصل إلى الخفس، رجع إلى الرياض، وتفرقت تلك الجنود.

ثم خرج من الرياض وصار مع بادية العجمان، واستولى الأمير محمد العبد الله بن رشيد على مملكة نجد (1).

ووجدت وصفًا جيدًا لما حدث في وقعة المليدا وما بعدها في كتاب مخطوط لم يطبع بعد وهو كتاب (النجم اللامع) لابن عبيِّد من أهل عنيزة فأحببت إيراده هنا لما فيه من نقاط أو لمحات وملاحظات لا توجد في غيره، وإلا فإن أسباب الوقعة وما تلاها صارت معروفة لنا، وأمثالنا من المتابعين لمثل هذه الأمور، ومع أن في كلامه ملاحظة أو ملاحظتين، قال ابن عبيِّد:

(1) خزانة التواريخ النجدية، ج 9، ص 141 - 142.

ص: 388

فلما كان يوم الخميس الموافق 23 من جماد أول خرجوا من عنيزة ومن بريدة ومن سائر القصيم وكل القصيم يومئذ تابع لحسن وتحت إمرته عدا عنيزة وضواحيها فهي مستقلة تحت إمارة زامل ابن سليم وحين ما أرادوا الخروج من أوطانهم تواعدوا القرعا قرية معروفة بشمالي القصيم ونزلوا فيها وتواردت غزوان القصيم من كل جانب وأقاموا فيها بضعة أيام وهم متقابلين ولم يكن بينهم قتال، حتى بدأهم ابن رشيد بالقتال، وكان معه جنود كثيرة لا يحصى لهم عدد من شمر وحرب وعنزة، والظفير وهتيم ونزل ابن رشيد على الضلفعة قبالة أهل القصيم.

ثم بعد ذلك زحف عليهم ابن رشيد وحصلت بينهم وقعة يسمونها كون القرعا وكانت الغلبة لأهل القصيم على ابن رشيد لأنهم متحصنين في جبال ولم يكن لخيل ابن رشيد ميدان تغير به، وكان معه على ما يقول المحقق من صنف الخيل ثمانية آلاف خيال (8000)، فلما رأى محمد ابن رشيد أنه لا طاقة له بهم ما داموا في منزلهم هذا وأن الخيل ليس لها ميدان للغارة فرحل عن مكانه مختارًا له منزل يكون أفسح من منزله وفيه مجال للخيل لكرها وفرها ونزل الشيحية قرية صغيرة غربي القصيم وجعل بينه وبين أهل القصيم صحراء واسعة وهي التي تسمى المليدا.

فبعد رحيله رحلوا ونزلوا شرقي المليدا ونزل هو غربيّها وهذا الذي يقصده لأن الصحراء كانت بينهم ثم انه حين ما نزلوا قبالته لم يمهلهم ومشى عليهم من ساعته بجميع جنوده خيلًا ورجلًا فالتحم القتال وحمي الوطيس وبلغت المعركة أشدها فقتل زامل وولده علي وبضع رجال من بني عمه وعدة رجال شجعان من أهل عنيزة ومن قبيلة حسن ورجاله قتلى كثيرة.

وقتل من أهل بريدة خلق كثير ومن مشاهير القتلى عبد العزيز بن عبد الله آل مهنا وعبد العزيز بن صالح آل مهنا ومحمد العودة أبا الخيل وعودة آل حسن

ص: 389

أبا الخيل وأخوه عبد الله وعبد الرحمن الحسين الصالح أبا الخيل وعبد الله بن جربوع وعيال ناصر العجاجي وهم خمسة، وصالح آل مديفر.

ومن مشاهير أهل المذنب صالح الخريدلي أمير المذنب ومنصور العبوش.

ثم إن حسن المهنا بعد هذه الوقعة انهزم جريحًا مكسورة يده برصاصة ودخل بلده بريدة وأراد الإمتناع فيها ولكن أهل بريدة لم يساعدوه على ذلك فخرج منها إلى بلد عنيزة وأرسل ابن رشيد سرية في طلبه من عنيزة فأمسكوه بها وجاءوا به إلى ابن رشيد فأرسله هو وأولاده ومن ظفر به من آل أبا الخيل إلى حائل إلى أن توفي سنة 1320 هـ وقتل من أتباع ابن رشيد خلائق كثيرة وانتشر حكم ابن رشيد على بلدان القصيم كلها.

وكان الإمام عبد الرحمن الفيصل لما بلغه وصول ابن رشيد إلى القصيم وخروج أهل القصيم لمقابلته أسرع إليهم بالمدد بادية وحاضرة، ولكن الهزيمة قابلته وهو في بلدان سدير فرجع من وقته ونزل مع بادية العجمان وكان إبراهيم آل مهنا الصالح قد انحدر بقافلة كثيرة لأهل بريدة قبل خروج ابن رشيد من حائل لمحاربة أهل القصيم فلما بلغهم خروجه خرجوا من الكويت وعند خروجهم من الكويت وصلهم نجاب من حسن المهنا يستحثهم ويعجلهم بالقدوم عليه لحاجته الداعية للذي معهم وخصوصًا الطعام فساروا متوجهين إلى القصيم ولما توسطوا بين الغاط والمجمعة وافاهم خبر الوقعة وانهزام أهل القصيم واستيلاء ابن رشيد على بلدان القصيم انقلبوا راجعين إلى الكويت وقبل الوقعة المذكورة بستة أيام توفي الشيخ محمد آل عمر آل سليم وكانت وفاته في 7 جماد الثانية من السنة المذكورة وله من العمر 63 سنة رحمه الله، وكان إماما عالمًا عابدًا ناسكًا ورعًا جلس لتدريس في بلد بريدة، وانتفع بعلومه خلق كثير وكان محبًا الطلبة العلم محسنًا إليهم وفضائله كثيرة رحمه الله.

نحب أن ننبه القارئ أننا نكرر في كتابنا هذا بعض القصص عن الوقايع مرتين أو تزيد تكملة في بعضها وذلك لشيئين إما أننا نهمل لشيء منها ثم

ص: 390