الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
1265 هـ (1)، مع أنه ذكر أنه الذي رشحه لقضاء بريدة هو شيخه الشيخ قرناس عالم الرس والشيخ قرناس وفاته في عام 1262 هـ، كما ذكرها الشيخ عبد الله البسام نفسه في ترجمة الشيخ قرناس فكيف يشير به وهو قد توفي قبل ثلاث سنين؟
والصحيح أنه تولى القضاء في التاريخ الذي ذكرناه، أو قبله بسنة أو سنتين.
قال ابن عيسى: وفي سنة 1262 هـ في سادس وعشرين رجب توفي الشيخ قرناس بن عبد الرحمن بن قرناس في الرس رحمه الله (2).
إخلاص الشيخ وورعه:
في العقد السادس من القرن الثالث عشر كان الحكم السعودي ضعيفًا قد فقد إشرافه على القصيم، وكان القصيم مزدهرًا يؤتي غلاته من النخيل والزروع ما لم يخطر ببال أحد من أهل نجد، وكان أمراؤه مستقلين به، وكان أهل عنيزة قد انضموا إلى أهل بريدة بغية تقوية القصيم، فوردت على أمير بريدة آنذاك عبد العزيز بن محمد بن عبد الله بن حسن من كبار (آل أبو عليان) أمراء بريدة السابقين أن يسرع أهل القصيم بضربة وقائية لأمير حائل ومن معه من شمر حتى لا يفكروا في غزو القصيم، وبعض الشيوخ الذين سمعناهم يتحدثون يقولون: أمير حائل كان أغار على قوم من عنزة الذين هم حلفاء طبيعيون لأهل القصيم.
فأراد أهل القصيم أن يغزوا حائل، وكان الشيخ سليمان بن مقبل آنذاك هو القاضي، فلما علم بنية الأمير غزو حائل عرف أن ذلك ليس في مصلحة أهل القصيم، لاسيما أن القصيم مزدهر، وأهله لا يوجد لهم عدو يعرفونه، ولكن الأمير لو نصحه الشيخ سرًّا لما عرف الناس موقف الشيخ فأراد الشيخ ابن
(1) علماء نجد خلال ستة قرون، ص 315 الصفحة "تطبيع" إذ جاء فيه 1365 هـ وهو 1256 هـ.
(2)
من خزانة التواريخ، ج 9 - ص 117.
مقبل أن يعلن استنكاره لفكرة غزو حائل وإنكاره على الأمير عبد العزيز بن محمد ذلك فلما كان في خطبة الجمعة قال الشيخ ابن مقبل في الخطبة على المنبر: الفتنة راقدة، الفتنة راقدة، الفتنة راقدة لعن الله موقظها، لو بغى جبل على جبل لجعل الله الباغي منهما دكًا.
وذلك كله لكي يفهم الناس موقفه من الغزو المزمع، ثم قال يشير إلى أن ذلك ظلم، ويحذر من أفعال الظلمة، أين الظلمة؟ يريد أن الله أبادهم ومحا آثارهم يحذر بهذا من الظلم، وكان بين المصلين رجلً أسود يسمونه عبدًا واسمه سَبْت وإنْ لم يكن مملوكًا لما سمع الشيخ ابن مقبل يقول: أين الظلمة؟ قال: حَوِّل زلفة.
والزلفة هي الدرجة من درجات المنبر يقصد أن أمير بريدة الذي يجلس تحت منبرك هو من الظلمة، واستمر الشيخ، ولم يبال بقول ذلك الرجل الذي يعرف عنه النقص في عقله قائلا: أين أعوان الظلمة؟
فقال: سبت: تكلم يا نحيط، ونحيط رجل من رجال عبد العزيز بن محمد.
وقيل للأمير عبد العزيز بعد انقضاء الصلاة: إنه يجب أن يؤدب سبتًا هذا على كلامه، فقال: هذا عبد ما يسوي ربعين، والربع سبق أن ذكرناه وأنه ربع ثلث الريال الفرانسي.
وبعد انتهاء الصلاة: مر الأمير على منزل الشيخ القاضي، وكان من المعتاد عندهم أن يمر الأمير بعد صلاة كل جمعة على بيت القاضي يجلس إليه ويشرب القهوة عنده وقد استمرت هذه العادة حتى أدركتها، وآخر قاضٍ تركت في عهده هو شيخنا الشيخ عبد الله بن محمد بن حميد.
قالوا: فلما اطمأن الجلوس بالأمير عبد العزيز بن محمد في قهوة الشيخ ابن مقبل قال له: يا شيخ أظنك تعنينا ما ودك نغزي حائل.
فقال الشيخ ابن مقبل: نعم، فضرب عبد العزيز بن محمد بيده على سافه وقال وهو يشير إلى قدمه، والله يا هذي إن توقف بسوق حائل.
فقال له الشيخ ابن مقبل: قل إن شاء الله.
قال الرواة: فلم يسمع الحاضرون أنه قالها.
إن هذه الواقعة حفظناها وسمعناها كما سمعناها من أشياخ ثقات أخذوها عمن قبلهم ممن حضرها، لأن الأمر أمر صلاة وخطبة في الجامع الذي يكون عامرًا بالناس، ولكنني وجدت الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن البسام قد ذكر في كتابه (علماء نجد في ستة قرون) أن الأمير عبد العزيز بن محمد عندما فهم أن الشيخ يعنيه بقوله، وأنه ينهاه عن ذلك وقف في الجامع، وقال للجماعة: لا يغركم هالعبد الحمر اللي ما يسوى له ربعين! ! !
وهذا ظاهر البطلان عقلا فضلًا عن كونه باطلًا واقعيًا، فالشيخ ابن مقبل لم يذكر عبد العزيز بن محمد بالاسم ولا بالصفة، أو العمل حتى يستحق أن يسبه الأمير كما زعم الزاعمون ذلك.
ثم إن كون أمير القصيم يقف في المسجد المكتظ بالناس ويتكلم غير مبال بالخطبة ولا بحرمة المكان، ولا بتحريم الكلام فيه، أمر لا يمكن تصديقه، ثم كيف يقول عن الشيخ ابن مقبل: إنه عبد حمر أي أحمر أمام الناس؟ وهل يعقل أن يحدث ذلك من أمير كبير لقاض جليل وفي أثناء إلقاء الخطبة في المسجد الجامع؟
وقد بينت وجهة نظري تلك في الرد على الشيخ عبد الله البسام في (معجم بلاد القصيم): رسم بريدة.
ثم لم نعرف ولم يذكر لنا من كانوا يعرفون الأمور، ولم ينقل المؤرخون أن الأمير قد عاقب الشيخ ابن مقبل على قوله الذي يزعم الزاعم أنه تفوه به، وهذا غير معقول أن يبلغ التأثر بالأمير هذه الدرجة ولا يعاقب القاضي بعد ذلك.
ولو عاقبه أو نوى أن يعاقبه هل من المعقول أن يستمر القاضي في القضاء والأمر بالنسبة له كذلك.
وقد سألت الشيخ عبد الله بن بسام عن مصدره في ذلك، فلم يذكره وإنما قال: الأمير قال ذلك، الأمير قال ذلك.
فقلت له: هل لديك مصدر موثوق يثبت هذا الشيء غير المستساغ عقلًا؟
فذكر أنه ليس لديه شيء من ذلك.
وقد بلغ الشيخ سليمان بن علي المقبل من الإجلال والاحترام والمنزلة الكبيرة في النفوس درجة يمتنع فيها تصديق ما ذكر، فقد ذكر الأستاذ إبراهيم المعارك في كتابه في ترجمة الشيخ ابن مقبل من (أعلام القصيم) فقال وهو يذكر مثل هذا عن والده الشيخ عبد العزيز المعارك وهو إخباري معروف:
عرف الشيخ سليمان بن علي المقبل واشتهر بالعدل، وله محبة خاصة عند الجميع، حتى إن الشيخ حسن الشطي مفتي الحنابلة بالشام قد أجازه في التدريس والإفتاء بالشام.
وضرب به المثل في الورع ومهابة الملوك والأمراء (له) فقد حج فعلم به شريف مكة، فدعاه فعانقه الشريف، وأراد إجلاسه على كرسي بجانبه، فقال الشيخ:(والله جعل لكم الأرض بساطًا) وجلس على الأرض فجلس الجميع على الأرض، فأمر له بمال، فاعتذر عن أخذه، وقال: ستجدون من هو أحوج مني.
ولم تقتصر وجاهة الشيخ سليمان المقبل على صلاته بالآخرين، بل كان لها مظاهر أخرى منها وجاهة بيته الذي يسكن فيه في بريدة فحين عقلت الأمور إلى أن مضى لي من العمر نحو 15 سنة لم أكن أعرف بوجود بيت في بريدة من الطين، وجميع بيوتها من الطين مؤلف من ثلاث طبقات العليا منها سطحها مستور