الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المْهَنَّا:
بإسكان الميم وفتح الهاء ثم نون مشددة فألف.
وهو صيغة المفعول من هنَّاه يهنيه بالعامية فهو مْهَنَّا بشيء جيد أو محبوب.
أسرة من أهل بريدة رأسها مهنا بن صالح بن حسين أبا الخيل، فالأسرة متفرعة من أسرة (أبا الخيل).
والمهنا مُسمَّون على اسم مهنا هذا فهو رأس الأسرة، وجميع أسرة (المهنا) هؤلاء من ذريته.
وهي من الأسر المهمة المؤثرة في القصيم، تولوا الإمارة بعد آل أبي عليان.
أبرزهم الذي تولى الإمارة لأول مرة وهو رأس الأسرة مهنا بن صالح أبا الخيل.
كان في مبدأ أمره تاجرًا ثم أخذ يسافر إلى العراق والكويت، ويسيِّر القوافل في التجارة وينقل الحجاج الأثرياء من العراق وغيره، ثم سعى لنفسه بالإمارة حتى أدركها فتولى أميرًا على بريدة وتوابعها من القصيم في عام 1280 هـ. واستمر في الإمارة إلى أن قتله نفر من آل أبي عليان عام 1292 هـ.
وكان قوي الشخصية، رفيع الهمة، صبورًا على مشاق السفر والغربة وتبعاتها، ولذلك قيل فيه المثل:(فلان غازي مع مهنا) للمجرب الصبور علي تحمل وعثاء السفر ومشقته في ذلك الوقت ولمن كان عكس ذلك رخوًا أو غير مجرب (فلان ما غزا مع مهنا).
وكان لبعد همته يطمح إلى تولي الإمارة ويفكر فيها حتى إذا كان عام 1277 هـ. وقتل عبد العزيز بن محمد آل أبو عليان آخر الأمراء الأقوياء من بني عليان سعى مهنا للإمارة فتولاها عام 1280 هـ. فقيل فيه المثل (جاك يا مهنا ما تمنى) فأصبح مثلًا سائرًا في نجد كلها، أي هو نال ما كان يطمح إليه من أمر صعب.
وهناك مثل يدل على قوة شكيمته وعظمة حيلته وبعد همته وهو قولهم للشيء الذي لا ينقضي أو لمن ذهب ولم يعد (روحة مهنا) وذلك أن مهنا الصالح أبا الخيل هذا يكون أمير القافلة التجارية أو التي تذهب للحج فيمر بمشايخ الأعراب فلا يعطيهم ما يريدون، وأحيانًا يتخلص منهم فلا يمر بهم، وفي مرة من المرات أمسكوا به ولم يكن معه من الرفقة إلَّا عدد قليل فأمسك به أمير القبيلة في ذلك الوقت وطلب منه الإتاوة التي يأخذها على أمثاله، فاعتذر بأنه ليس معه شيء من النقود كافٍ، وكان ذلك صحيحًا، وطلب من البدوي أن يطلقه حتى يحضر له ما يريد منه.
فأجابه: بأنني أعرفك يا مهنا، لذلك لن أطلقك حتى تعطيني ما أريد، وسوف أرهنك وأترك أصحابك يبلغون قومك ويعودون بالنقود، ولن يضيق بك البر حتى ذلك الموعد.
ثم أطلق مرافقي مهنا واعتقله عنده، فلبث أيامًا وكان الوقت شتاء طويل الليل وبخاصة في شمال الجزيرة على حدود العراق.
فلما كان في الليل قال مهنا للحارس الموكل بحراسته إنني أريد أن أقضي بعض الحاجة، وكان على مهنا ثوب أبيض قد لبسه فوق ثيابه المعتادة اتقاء للبرد فيما يظهر للحارس ومعه عصاه الذي لا يفارق المسافر مثله.
فابعد مهنا قليلًا في الخلاء ثم خلع ثوبه الأبيض، ونصب عصاه، ووضع ثوبه عليه، وانطلق هاربًا في ظلام الليل على قدميه.
أما الحارس فإنه ظلَّ ينتظره يظنه لا يزال يقضي حاجته لأنه كان يشاهد ثوبه الأبيض فيظنه هو.
فلما أبطأ عليه قرب منه فلم يجد إلا العصا، فأخبر أمير الأعراب ومن معه فضحكوا منه وقالوا: هذا الحضري أين يذهب في هذا الليل البهيم المظلم؟ لابد من أن
يعود إلينا أو يموت عطشًا أو جوعًا أو يهده التعب، وفي الصباح سوف ندركهـ.
فلما أصبحوا ركبوا خيلهم وجعلوا يبحثون عنه بدون جدوى لأنه كان قد قطع مسافة طويلة في الليل.
ثم كمن في مكان خفي حتى ولى النهار ثم عاود المسير في الليل حتى وصل إلى مكان فيه غير أولئك فأعطاهم أجرة ركوبه.
ولم يستطع أولئك أن يأخذوا منه شيئًا، وسار المثل بفعلته تلك عند العامة فقالوا (راح روحة مهنا) وبعضهم يلفظ لفظًا صريحًا بقوله:(بولة مهنا).
إننا نعرف تاريخ وفاته ضبطًا لأنه توفي وهو أمير، ولكونه توفي قتيلًا، ولكننا لا نعرف تاريخ ولادته إلا من تقدير عمره حين وفاته، وقد أجمع من لهم معرفة به، ومنهم حفيده وسميُّه مهنا بن عبد الرحمن المهنا على أن عمره حين قتل يزيد على الثمانين.
وعلى هذا يكون مولده في نحو عام 1210 هـ.
وبعضهم ذكر أنه يزيد سنة أو سنتين على وجه التقدير.
ومثلما دخلت سيرة مهنا الصالح في الأمثال والمأثورات الشعبية دخلت
في الشعر العامي، فقال أحدهم:
قبلك غزينا مع مهنا
…
يوم المغازي والإنكاف
والمغازي - كما هو معروف - الذهاب إلى القتال، والإنكاف الرجوع من الغزو إلى الأهل.
يشير هذا الشاعر إلى أنه مجرب، متمرس بالصعاب.
وقال آخر، وهو ابن فلَّاج من قصيدة:
عِزِّي لمن خَلَّنه الشِّقر طوَّاف
…
ذاق العنا والجوع باطرافنه
اللي يريد الكيف يزرع بالأطراف
…
وإلَّا فيركب فاطره مع مهنا
والشقر في البيت الأول: جمع شقراء، وهي النخلة المعروفة، وطوَّاف: سائل، وذلك أن الفلاحة في تلك العصور لابد فيها من المداينة بأرباح فاحشة للتجار.
والكيف: المال الذي يجلب الكيف والانبساط، والأطراف في أطراف مدينة بريدة وفيها حقول واسعة لزراعة الحبوب كالقمح والشعير جيدة وافرة المحصول.
يقول: إن طلب الثروة هو في الزراعة في أطراف بريدة وفي ركوب الراحلة مع مهنا وقال: فاطره، يعني راحلته، وإلا فالفاطر هي البعير المسنّ.
وأخوال مهنا الصالح أبا الخيل هم من العناقر أهل ثرمداء، وأخوال أمه من بني عليان.
وذلك أن رجلًا من العناقر أهل ثرمداء اسمه مهنا العنقري جاء إلى بريدة فلما أراد أن يتزوج رغب في الزواج بامرأة من آل أبو عليان لأنهم من العناقر أولًا، ولأنهم من أمراء بريدة في عهده، غير أنه لم يستطع أن يتزوج من الأمراء أنفسهم بسبب كونه غريبًا من البلد، وإنما تزوج من (العَبُّود) إحدى الأسر المتفرعة من (آل أبو عليان) فولدت له بنتًا سماها هيلة، فتزوج هذه البنت صالح الحسين أبا الخيل فولدت له مهنا الصالح، وبذلك يكون أخواله من العناقر الذين منهم آل أبو عليان، ويكون أخوال أمه هم من آل أبو عليان بالذات.
ولذلك حينما طمحت نفسه إلى الإمارة وكان أهلها قبله هم من آل أبو عليان قال بعض الناس: إنه أخذها من أخواله، بل لم يكتف بعضهم حتى عَدَّ ذلك عقوقًا منه، ونظم بعضهم شعرًا في هذا الصدد ناسين ومتناسين المثل القديم الحديث (الملك عقيم) وأن آل أبو عليان أنفسهم كانوا يتقاتلون فيما بينهم
على الإمارة وهذه هي الأبيات وقائلها هو سليمان الجمل من أهل عنيزة:
ترى البخيت اللي نصوح لجاره
…
إلى بدر شيّ والى الكل مستور
انظر مهنا لا بلينا بعاره
…
غدار بارحامه وهو مقدم الشور
ولَّمْ نطا طيقه، وحَقَّر خباره
…
وأدرك بها نسل المحمد على الدور
أدرك بها ساس الندى والخياره
…
يا حيف سيف الهند بدل بصاطور
و(نسل المحمد) هم أمير بريدة والقصيم عبد العزيز بن محمد آل حسن آل أبو عليان وأهله.
ولو أنصف هذا الشاعر لما تفوه بمثل ما تفوه به من كون مهنا الصالح كان عاقًّا لأخواله عندما أخذ الإمارة منهم، بل نستطيع أن نقول: إنها الملك منهم، لأن أخواله المذكورين الذين هم من (آل أبو عليان) أكثر الأسر الحاكمة في نجد قتلًا وقتالًا بينهم حول الإمارة، وقد فعلوا أكثر مما فعله غيرهم كي يحصلوا على الإمارة فكانوا يتقاتلون منذ دهر عليها حتى إنه قتل منهم مرة في جامع بريدة ثمانية رجال.
يتحدث أهالي بريدة أن سليمان القفاري من أهل بريدة كان قد نصح مهنا أبا الخيل عن السعي إلى الإمارة وقال له: يا مهنا خل عنك الإمارة اللي من وراها (بني عليان) خلَّ عيالك ينامون بالساقي آمنين مطمئنين.
وبطبيعة الحال لم يلتفت مهنا إلى نصحه، وتم له ما أراد من الإمارة، ولكن كان ذلك بمثابة حكم بالإعدام على أكثر رجال أسرته لمدة تقارب (35) عامًا فمات مهنا نفسه قتيلًا بيد نفر من (آل أبو عليان) ومات ابنه الأمير حسن حبيسًا مقيدًا في سجن آل رشيد في حائل عام 1320 هـ.
ومات ابنه الأمير صالح بن حسن المهنا قتيلًا في عام 1324 هـ. كما مات معه أخوه مهنا قتيلًا أيضًا في العام نفسه.