الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وسمعت أحد أصحاب الدكاكين في (قبة رشيد) قبل هدمها يقول وهو يذكر تمرًا فاخرًا عنده: هذا ما يشريه إلَّا إبراهيم العلي الرشودي أو سلطان المواش.
وقال الأستاذ ناصر بن سليمان العمري:
الإحسان وأثره في النفوس:
سلطان بن محمد المواش من أهل بريدة وله أبناء عم في الأفلاج رأيتهم في ليلي وسألتهم عنه فوجدتهم يعرفونه ويقولون: هو ابن عمنا، ولم أسألهم إلى أية قبيلة من قبائل العرب يرجعون في نسبهم، وسلطان المواش رجل كريم النفس ضخم الجسم حسن الصورة جميل الملابس، وهو يصلح أسلحة البنادق ويأخذ على إصلاحها أجرة، وربما باع واشترى السلاح وقتما كان البيع والشراء في السلاح مباحًا من قبل الحكومة.
هطلت أمطار على مدينة بريدة عدة أيام فبقي حبيسًا في بيته لا يخرج إلى دكانه بسبب الأمطار، وكانت عنده بندق يصلحها لرجل من البادية فجاء إليه البدوي في بيته وقال له: يا سلطان أنا انتظرتك حتى تفتح الدكان من مدة لأخذ بندقي فما جئت إلى الدكان.
قال له سلطان: كما ترى الأمطار حبستنا في البيوت، فأكرم البدوي وقدم له القهوة وشيئًا من الطعام ثم ذهب معه تحت وابل المطر إلى الدكان وسلمه بندقه وأخذ أجرته، وعندما أراد إغلاق دكانه اقترب منه رجل يرتعد من البرد ومن الجوع وسلم عليه متوسمًا فيه الخير، فرد عليه سلطان السلام فقال الرجل: يا أخي نحن طراقي ونشعر بالبرد ونحتاج إلى الراحة والدفء، فقال له سلطان، تفضل معي إلى البيت، قال الرجل: لي رفاق ثلاثة، فنحن أربعة، قال سلطان أحضر رفاقك وأنا في انتظارك هنا في الدكان، فغاب الرجل وأحضر رفاقه من مكان قريب فسلم عليهم سلطان ودعاهم إلى داره فأوقد النار لتدفئتهم فأدفأهم وأطعمهم وقدم لهم القهوة فبقوا عنده يومًا وليلة، ثم أحضر لهم
كسوة وكساهم وقال لهم: الدار داركم لا نملكم، فشكروه وانصرفوا من عنده دون أن يسألهم عن أسمائهم وبلادهم.
فسافروا من بريدة إلى الحجاز والتحقوا بجيش الشريف حسين بن علي الشريف إبان حكمه للحجاز وبعد مدة عادوا إلى بلادهم وهي الخبراء من بلدان القصيم وبقوا عند أهلهم برهة ارتاحوا ثم ركبوا نياقهم واتجهوا إلى بريدة، ولما وصلوا إليها سألوا عن بيت سلطان المواش، فصادفهم رجل من أهل بريدة اسمه فهد الدحيم فذهب بهم إلى بيته وأكرمهم ثم ذهب بهم إلى سلطان المواش فوجدوه في داره وسلموا عليه فأنزلهم في داره ولم يسألهم من هم ولم يعرف أنهم ضيوفه السابقون فأكرمهم بضيافته وسالوه هل تعرفنا؟ قال: لا، فقالوا: نحن ضيوفك يوم كذا من شهر كذا من عام كذا، قال: الله يحييكم مرة أخرى فقدم كل واحد منهم له (بقشة) فيها ملابس هدية له وقدموا له بقشة خامسة قالوا هذه الأم أولادك وقدموا له أربعين جنيهًا ذهبًا وقالوا هذه هديتنا لك يا سلطان، فقال: أنا قمت بواجبي ولا أريد منكم مالًا فحلفوا عليه أن يأخذها فأخذها إكرامًا لهم ثم انصرفوا، وهذا أثر الإحسان في النفوس رحم الله الجميع (1).
وترجم له الأستاذ الطويان في كتابه (رجال من الذاكرة) فكان مما قاله:
وصاحب هذه السيرة فيه كثير من الصفات الطيبة، التي يُتَوِجُها بالظرافة والكرم المعهود به.
وقد ولد المرحوم سلطان بن محمد المواش ببريدة سنة 1298 هـ وترعرع بها، وخالط أكابرها من العقيلات وغيرهم، وسافر إلى الكويت والدول المجاورة حتى عركته الحياة، وصار خريجها.
(1) ملامح عربية، ص 195 - 196.
وكان ابن مواش رحمه الله شغوفًا بمعرفة الرجال المميزين، ويحرص كثيرًا على معرفتهم والاستفادة من تجاربهم حتى صار من الرواة الحافظين للشعر والقصص وسير الرجال، وكان أيضًا من المولعين بالصيد والقنص ومطاردة الظباء، والحبارى في كل مكان.
وله علاقات وطيدة مع أمراء القصيم المشهورين أمثال الرعوجي، وابن عُقَيل والمطرودي، وله علاقات مع آل سديري، وابن جميعة، وشلهوب، وغيرهم من رجالات نجد الذين يتشرف بهم من يعرفهم.
لذا تأثر بهؤلاء الرجال وصار رحمه الله علما معروفًا لدى الجميع، ومنزله لا يغلق عن معارفه وزواره، وعن الشعراء أمثال لويحان وسليمان بن شريم.
وكان منزله بالعجيبة كما ذكره الشاعر المرحوم سليمان بن شريم عز ونوماس، قال أحدهم: لقد رأيت في منزله سبعة أمراء في يوم واحد، ولا شك أن هذا دليل واضح على أريحية هذا الرجل ووجاهته التي يزينها الكرم (1). انتهى.
وابنه محمد بن سلطان الموَّاش، كان إلى جانب عنايته بإصلاح البنادق مغرمًا بالصيد، وهو خال سليمان بن عبد الله بن محمد الشريدة، بمعنى والد زوجته، وليس خاله من الرحم، فبنت محمد بن سلطان المواش هي زوجة سليمان بن عبد الله الشريدة، ولذلك كان يسميه في مرثيته له عندما توفي بالخال، بمعنى والد الزوجة.
كتب لي ترجمته كما يلي:
(1) رجال في الذاكرة، ج 2، ص 143 - 144.