الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وفيها غزا محمد بن سعود بن فيصل ومعه جنود كثيرة من أهل الخرج ومن آل شامر والدواسر وغيرهم، وعدا على ابن بصيص ومن معه من بادية بريه فصبحهم وهم على الأثلة فحصل بينه وبينهم قتال شديد وأخذ منهم إبلًا وغنمًا وقتل من الفريقين عدة رجال (1).
تدين حسن المهنا:
حسن المهنا رجل متدين، وعفيف عن الأكل من بيت مال المسلمين ولدينا شواهد تاريخية حية من أوراق ووثائق من أهمها أنه مات مدينًا، ولو كان يأخذ من بيت المال لما احتاج إلى أن يستدين من الناس، لا سيما أنه كان لديه جيش من أهل القصيم لو أراد أن يغير بهم على البوادي أو البلدان التي لا تتبعه لحصل من ذلك على مال ينفق أكثره للإمارة عن طريق إدخاله إلى (بيت المال) ويستأثر لنفسه بما شاء منه.
وسوف نورد الوثائق التي تدل على ما قلناه من كونه مات مدينًا.
ومن أشهر ما ذكر عن تدينه أنه كلف عودة الرديني من أهل بريدة الذين كانوا قدموا من الشماس وذكرته في حرف العين (العودة) ببناء مسجد في بريدة، وقال له: إنه جاءني إرث من أبوي مهنا بعضه ثمن أثل من روضة مهنا وبعضه غلة ولا أريد أن يخلطه مخالط من بيت المال أو غيره.
بل قال له: إنني لا أريد أن يطلع الناس على أنني أنا الذي بنيت هذا المسجد.
وقد عمل (عودة) بذلك فصار الناس لا يعرفون المسجد إلَّا بمسجد عودة ثم صلى فيه الشيخ محمد بن عبد العزيز الصقعبي دهرًا فسمي (مسجد الصقعبي) إلى أن صلى إماما فيه الشيخ محمد بن صالح المطوع نحوًا من خمسين سنة فسمي (مسجد الحميدي) لأن بعض الناس كانوا يسمونه (الحميدي).
(1) عقد الدرر، ص 75.
ومن تدين حسن المهنا ما عثرنا عليه في وثيقة بخط الشيخ القاضي محمد بن عبد الله بن سليم قاضي القصيم يقول فيها:
إن الأمير حسن بن مهنا لما رأى ملك الطلاسى - جمع طلاسي قد انضر أي أصابه الضرر وأشفقنا على هلاكه حامى عليه الأمير حسن بن مهنا وأذنا له يدين راشد آل حمد الطلاسي في ثلث جدّه وثلث عمه ومعنى الثلث هنا الوقف أو الوصية بثلث الملك بحيث لا يورث وإنما يبقى يستغل في الأعمال الخيرية، وأضاف إلى ذلك قوله: وما في ملكهم من أسبال قد أنقذها ويرهن الجميع حتى يستأفى فيما دينه لمصلحة ها الملك، وذلك في شهر شعبان سنة 1301 هـ شهد على ذلك جماعة من المسلمين منهم ناصر السليمان العجاجي ومحمد العبد العزيز الحميدي.
قال ذلك وأثبته الواثق بالواسع العليم محمد بن عبد الله بن سليم وصلى الله على محمد وآله وصحبه أجمعين.
وتحت ذلك ختم القاضي.
فانظر إلى قوله حامى عليه الأمير حسن أي أخذته الغيرة عليه لئلا يهلك وأكثره أوقاف من أوقاف المسلمين، ثم قوله: أذِنَّا له يدين راشد آل حمد الطلاسي، فالأمير كان في إمكانه لولا أن تدينه يمنعه أن يداين بالملك دون أن يأذن له القاضي، بل إنه بلغة الحكام غير المتدينين بإمكانه أن يأخذه بأية حجة، لكنه يعلم أنه لو فرض أنه فعل ذلك فإن أهله سيرفعون الأمر للحاكم الشرعي وهو الشيخ ابن سليم وأنه سوف يحكم لهم، وبذلك لا يستطيع أن يتحدى القاضي، وإلا تعرض للإثم من الله تعالى وربما تعرَّض أساس ملكه للأقاويل.
هذا وسوف يأتي نقل صورة الوثيقة المذكورة قريبًا بإذن الله.
وهذه الوثيقة المؤرخة في عام 1306 هـ وهي مبايعة بين حمد بن حمود بن عبد الله الباحوث وبين الأمير حسن المهنا أمير القصيم ولا فرق بينه فيها وبين أي فرد من الناس الذين يتبايعون فيما بينهم، حتى إن الأمير اضطر أو النقل إنه اختار أن يصدق القاضي الشيخ محمد بن عبد الله بن سليم على المبايعة وأن يذكر أن عقد البيع فيها عقد صحيح وأن يذيل ذلك بختمه.
والوثيقة مهمة، ولذلك كتبها الكاتب العدل الشهير ناصر بن سليمان بن سيف وشهد عليها شاهدان عدلان معروفان هما سليمان الرشيد الحصان وراشد بن سليمان بن سبيهين، الذي اشتهر باسم (راشد أبو رقيبة)، وأصبح ذريته يعرفون الآن باسم (الرقيبة).
ورغم ذهاب بعض الوثيقة بفعل الأرضة فإن العبارات الأساسية فيها لا تزال موجودة.
وهذا نقلها:
الحمد لله سبحانه
موجب ذلك أنه حضر عندنا حمد بن حمود بن عبد الله الباحوث فأقر واعترف أنه قد باع ملكه إرثه من أبيه حمود من ملكه الكاين بالصباخ الذي يحده من قبلة ملك (
…
) ومن شرق ملك الرساني ومن شمال ملك ابن سيف وقليب الرساني ومقطر (
…
) الملك المحدود بتوابعه من نخل وأرض وبئر ودار وطريق باع حمد واشترى ( .... )(1) مائة ريال فرانسه بلغت حمد في صلب العقد ولم يبق له دعوى ولا علقه ( .... ) من الملك المزبور إلى ملك حسن بن مهنا يتصرف فيه تصرف الملاك في أملاكهم، و ( .... ) في حقوقهم الاشتمال البيع على العقد الصحيح الشرعي المنافي للجهالة.
(1) واضح أن الساقط هو اسم الأمير حسن المهنا لما أوضحته الوثيقة بعد ذلك.
(وبقية الورقة واضحة).
ويلاحظ أن الكاتب والقاضي لم يذكرا صفة الإمارة عند ذكر حسن بن مهنا بل كتبا اسمه واسم أبيه مجردين مثلما فعلا باسم الباحوث، فلم يقل أحد منهما: الأمير حسن بن مهنا، وذلك أنه كالبائع في نظر الشرع الشريف لا فرق بينهما.
وهذه هي الديمقراطية في التسجيل التي يتشدق بها المفتونون بالغرب، مع أن هذه المكاتبة جرت في وقت إمارته، بل في قوة إمارته التي استمرت ست عشرة سنة من عام 1292 هـ حتى عام 1308 هـ. حيث انتهت بهزيمة أهل القصيم وانتصار محمد بن رشيد في وقعة المليدا.
ومن تديّن حسن المهنا الواضح أنه كان قد وقع خلاف بينه وبين الشيخ القاضي محمد بن عبد الله بن سليم وهو رجل قوي الشخصية، قوي الشكيمة، وكان ذلك الخلاف مستحكمًا إلى درجة ألَّا يطيق الأمير حسن المهنا ذكر الشيخ ابن سليم، وقد نتج عنه أن انتقل الشيخ محمد بن عبد الله بن سليم من بريدة إلى عنيزة مغاضبًا لأمير بريدة وبقي فيها فترة.
وكان الشيخ سليمان بن مقبل آنذاك هو قاضي بريدة ولكنه استعفى أميرها وجماعتها من القضاء فلم يعفوه فخرج إلى مكة حاجًّا وكتب إليهم كتابًا مع الحجاج يقول فيه: إنه سيجاور في مكة المكرمة، ويأمل أن يقضي بقية حياته في مكة.
لذا أيسوا من عودته فعقد حسن المهنا مجلسًا لكبار جماعة أهل بريدة حضره المهتمون بهذا الأمر من أسرته وبخاصة عمه علي الصالح أبا الخيل وتشاوروا فيمن يولى قاضيًا في بريدة خلفًا للشيخ سليمان العلي بن مقبل فصاروا يتداولون الأمر حتى قال أحدهم، وكان يذهب إلى العراق وعاش فترة هناك، إنني أعرف عالمًا عراقيًا سوف يعلم أبناءكم العلم ويقضي بينكم وهو من تلاميذ العالم داود بن جرجيس وكان (داود بن جرجيس) هذا مشهورًا بمعاداته للدعوة السلفية التي نادى بها الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله فاحتد حسن
المهنا عند ذلك وقال: أتريد أن ينشأ أبناؤنا على ما نشأ عليه بعض أهل العراق من دعوة الشيخ عبد القادر الجيلاني، ويكون إثم ذلك علي؟
ثم خاطب المجتمعين قائلًا: صحيح إننا زعلين على الشيخ محمد بن عبد الله بن سليم ولكننا نترك اللي في خواطرنا من الزعل عليه نصيحة لله ولرسوله، أنتم يا أهل بريدة مالكم إلا الشيخ ابن سليم، ثم تقرر أن يرسلوا وفدًا فيه أقارب لحسن المهنا إلى الشيخ محمد بن عبد الله بن سليم في عنيزة يدعونه فيه إلى تولي القضاء في بريدة، وقد تولاه بالفعل.
وهذا كتاب أو لنقل إنه تقرير من الشيخ محمد بن عبد الله بن سليم كتبه عندما كان قاضيًا على القصيم، وكان حسن بن مهنا أميرًا عليه، وقد ذكر فيه الشيخ ابن سليم حسن المهنا بلفظ (الأمير حسن بن مهنا) وذلك مفيد لأمور الأول أن الأمير حسن له الولاية العامة على الجميع ومن الطبيعي أن يغار على نخل لأحد رعيته فلا يتركه يهلك عطشًا.
والثاني: أن الأمير حسن لا يستطيع بمفهوم العبارة أن يمس هذا الوقف أو غيره إلا بإذن من الحاكم الشرعي الذي هو القاضي محمد بن عبد الله بن سليم.
ولذلك ذكر الشيخ القاضي أن الأمير حامي على ملك الطلاسي، أن يهلك ويموت كما سبق بيانه، وليس المراد من ذلك تملكه، أو الحصول على مال من ورائه.
والورقة واضحة إلا أن كلمة أو كلمتين فيه تحتاج إلى إيضاح وأولها قوله قد انضر أي أصابه الضرر ولذا قال القاضي: واشفقنا على هلاكه .. الخ (1)
(1) يراجع الطلاسى.