الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
استقلال القصيم:
عاش القصيم شبه مستقل بعد وفاة الإمام فيصل بن تركي في ظل حكم مهنا الصالح، ومثل ذلك في الأهمية أن الدولة السعودية الثانية قد ضعفت بسبب سياسة الأمير عبد الله بن فيصل خليفة الإمام، فلم يعين آل سعود بعد تعيين مهنا الصالح وقتله أي أمير من جهتهم عليه، بل استقل القصيم وتولى الأمير حسن المهنا على القصيم بعد مقتل والده الأمير مهنا في عام 1292 هـ.
ونورد هنا ما ذكره المؤرخ إبراهيم بن عيسى عن بعض الاضطرابات والفتن التي حدثت في نجد بالقرب من عاصمة الدولة السعودية الثانية، الرياض، ومن أسبابها تصرف الأمير عبد الله بن الإمام فيصل بن تركي.
قال ابن عيسى:
ثم دخلت السنة الثامنة والثمانون بعد المائتين والألف، وفيها في المحرم خرج سعود بن فيصل بجنوده من الأحساء وترك فيه فرحان بن خير الله أميرًا، وقصد بلد الرياض، فلما قرب منها خرج الإمام عبد الله الفيصل منها وقصد بوادي قحطان.
وكان قد أرسل قبل خروجه من الرياض أمتعته وأثاثه ومدافعه وقبوسه مع سرية كبيرهم حطاب بن مقبل العطيفة وأمرهم أن يتوجهوا بذلك إلى عربان قحطان فصادفهم سعود بن فيصل في الجزعة فحصل بينه وبين السرية المذكورة قتال شديد وصارت الهزيمة على حطاب المذكور وأصحابه، وأخذ سعود ركابهم وسلاحهم وجميع ما معهم، وقتل منهم عدة قتلى.
ومن مشاهيرهم حطاب بن مقبل العطيفة وفلاح بن صقر العطيفة وعويّد ابن حطاب العطيفة ومحمد بن راشد الفقيه.
ثم دخل سعود بلد الرياض ومعه خلائق كثيرة من العجمان، وغيرهم
فعاثوا في البلد ونهبوا بلد الجبيلة وقتلوا جماعة من أهلها وقطعوا نخيلها وأخربوها وتفرق باقي أهلها في بلدان العارض، ولم يبق فيها ساكن.
وانحل نظام الملك وكثر في نجد الهرج والمرج، واشتد الغلاء والقحط، وأكلت جيف الحمير، ومات خلائق كثيرة جوعًا وحل بأهل نجد من القحط والجوع والمحن والنهب والقتل والفتن والموت الذريع أمر عظيم وخطب جسيم، فنعوذ بالله من غضبه وعقابه.
ثم إن سعود بن فيصل لما استقر في الرياض كتب إلى رؤساء البلدان وأمرهم بالقدوم عليه للمبايعة فقدموا عليه وبايعوه وأمرهم بالتجهز للغزو.
فلما كان في ربيع الأول من السنة المذكورة خرج من الرياض غازيًا ومعه خلائق من العجمان وآل مرة وسبيع والسهول والدواسر وأهل الرياض والجنوب والخرج، ومعه عمه عبد الله بن تركي بن عبد الله بن محمد بن سعود، وكان يميل إلى عبد الله بن فيصل وتوجه إلى قحطان وهم على الأنجل ومعهم عبد الله بن فيصل، فلما وصل إلى ثرمدا جاءه الخبر بأنهم ارتحلوا من الأنجل ونزلوا في البرة القرية المعروفة، فسار سعود بمن معه من الجنود إلى البرة لقتال أخيه عبد الله بن فيصل ومن معه من قحطان، وأرسل عمه عبد الله بن تركي إلى شقراء ومعه عدة رجال من الخدام وأمرهم بالمقام فيها، وكان بين سعود وبين عمه وحشة.
ولما كان في اليوم السابع من جمادى الأولى من السنة المذكورة وصل سعود ومن معه من الجنود إلى البرة فاقتتل الفريقان قتالًا شديدًا وصارت الهزيمة على عبد الله بن فيصل ومن معه من قحطان وغيرهم وقتل منهم قتلى كثيرة، منهم عبد العزيز بن محمد بن ناهض وبراك بن عبد الله بن براك، وقتل من أتباع سعود عدة رجال منهم منصور الطويل من رؤساء العجمان، ونهبت تلك الجنود بلد البرة.
وتوجه عبد الله بن فيصل ومن معه إلى بلد الرويضة ونزلوا عليها.
وأما سعود بن فيصل فإنه استلحق عمه عبد الله من شقراء بعد انتهاء الوقعة المذكورة، وكان قد تركه فيها كما تقدم ثم قفل إلى الرياض، وأذن لمن معه من أهل النواحي بالرجوع إلى أوطانهم.
وفي ربيع الأول من هذه السنة سارت العساكر من البصرة إلى الأحساء والقطيف ومقدمهم يقال له فريق باشا، ومعهم عبد العزيز بن الشيخ عبد الله أبا بطين، فلما وصلوا إلى الأحساء والقطيف أطلقوا محمد بن فيصل من الحبس وكان محبوسًا في القطيف بعد وقعة جودة كما تقدم في السنة التي قبلها وأخرجوا فرحان بن خير الله من الأحساء وكان سعود بن فيصل قد جعله أميرًا كما تقدم.
وأظهروا أنهم جاءوا لنصرة عبد الله بن فيصل والقيام معه والمساعدة له على حرب أخيه سعود بن فيصل، وأرسلوا إلى عبد الله بن فيصل وهو إذ ذاك مع عربان قحطان على رويضة العرض يأمرونه بالقدوم عليهم فسار إليهم وقدم عليهم في بلد الأحساء فأكرموه ظاهرًا وهم بضد ذلك وأقام عندهم هناك.
وأما سعود بن فيصل فإنه لما أذن لمن معه من الجنود بالرجوع إلى أهليهم بعد وقعة البرة المذكورة ولم يبق عنده في الرياض غير خدامه وشرذمة من العجمان قام عليه أهل الرياض، وعمه عبد الله بن تركي فحصروه في قصره وثار الحرب بينه وبينهم أيامًا ثم إنهم أخرجوه هو ومن معه من القصر بالأمان وتوجهوا إلى بلد الدلم وتولي عبد الله بن تركي على الرياض وقبل خروج سعود من الرياض كان قد أذن لوفود قد اجتمعوا عنده بالرجوع إلى أهليهم منهم إبراهيم بن سليمان الصبي ومحمد بن سعد بن معيقل وسعود بن حمد من أهل الشعراء وعبد الله بن إبراهيم بن نشوان من رؤساء أهل أشيقر وعبد الله بن عثمان من أهل الدوادمي وغيرهم فخرجوا من الرياض.
فلما وصلوا إلى البكرات بالقرب من ثادق صادفهم ركب من آل عاطف
من قحطان كبيرهم فريج بن بلد الرياض، فلما وصلوا إليه استبشر بهم أهل الرياض وحصل لهم الفرح والسرور.
وفي هذه السنة نزل ثقل بن رويضان ومن معه من عربان السهول بالقرب من بلد شقراء وكثر منهم النهب والفساد فخرج عليهم أهل شقراء وحصل بينهم وبين السهول قتال شديد وصارت الهزيمة على السهول وقتل منهم عدة رجال، منهم كبيرهم ثقل بن رويضان وأخذ منهم أهل شقراء من الأغنام والأمتعة كثيرًا وقتل من أهل شقراء في هذه الوقعة محمد بن سعد البواردي.
وفي ذي الحجة من هذه السنة غزا الإمام عبد الله بن فيصل بأهل الرياض وضرما وأخذ آل شامر بالقرب من عليا، وقتل منهم عدة رجال، وقتل في هذه الوقعة محمد بن عبد الله بن تركي بن عبد الله بن محمد بن سعود.
ثم دخلت السنة التاسعة والثمانون بعد المائتين والألف.
وفيها اشتد الغلاء والقحط في نجد، وأكل الناس الميتة وجيفة الحمير، وعظم الأمر ومات خلائق كثيرة جوعًا، وصار كثير من الناس يأكلون الجلود البالية بعد حرقها بالنار ويدقون العظام ويأكلونها، ويأكلون الرطبة وهو القت بلسان العامة، ويأكلون ورق الزرع، فأثر ذلك في وجوه الناس وأرجلهم نفخًا وأورامًا، ثم يموتون بعد ذلك، واستمر الغلاء والقحط إلى آخر السنة التي بعدها.
وفي هذه السنة في المحرم حصل وقعة بين حاج أهل شقراء وبين ناصر بن عمر بن قرملة ومن معه من قحطان قتل فيها من أهل شقراء عبد الله بن عبيد، وفيها حصل وقعة بين أهل شقراء وبين أهل بلد وثيثية، وسبب ذلك أن عيال محمد بن عبد الكريم البواردي جاءوا بأمتعة لهم من شقراء يريدون بلد وثيثية وهم إذ ذاك ساكنون فيها، فلما وصلوا إلى البلد صادفهم ركب من السهول خارجين من البلد، فأخذوهم خارج البلد فدخل أولاد محمد البواردي