الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
دور محمد بن شريدة:
كان فهد بن علي الرشودي وأخوه إبراهيم في هذه الأثناء غائبين في العراق، ولذلك لم يحضرا شيئًا من هذه الحوادث، وكان عبد العزيز بن حمود المشيقح، أحد أركان الجماعة الكبار قد ترك بريدة إلى عنيزة، قال لي ابنه عبد الله: إن الوالد قال لنا: أنا لا يمكن لي أن أقاتل الملك عبد العزيز آل سعود ولا يمكنني أن أقاتل جماعتي أهل بريدة الذين مع ابن مهنا، لذلك رأيت الاعتزال فانتقلت إلى عنيزة بصفة مؤقتة.
ولكن الساحة لم تخل من رجال فيهم رجل ولا كالرجال إنه الزعيم الكبير محمد بن عبد الرحمن بن شريدة الذي نهض بالأمر وقام بما يخلص البلاد وأهلها خير قيام فاتصل بالملك عبد العزيز سرًّا واتفق معه على أن يدخله مدينة بريدة من الباب الشمالي لأن الأمير محمد بن عبد الله أبا الخيل كان في القصر جهة الشرق وبعض المقاتلين كانوا في جنوب المدينة التي هي الجهة التي قد يهجم منها ابن سعود كما يظنون عليهم.
وأخذ محمد بن شريدة من الملك عبد العزيز وعدًا ألا يمس بسوء أي شخص شارك في هذه الفتنة، أو حَرَّض عليها أو حتى قاتله وقاتل جيشه.
حتى أمير بريدة محمد بن عبد الله بن مهنا لا يمسه بسوء هو وأسرته والمقربين منه من الرجال لا في رقابهم ولا في أموالهم، ولا في أي شيء يتعلق بهم، بل يتيح لمن يريد منهم أن يخرج من بريدة الخروج سالمًا أمنًا على نفسه وماله، وذكر أشخاصًا بأعيانهم منهم الأمير محمد بن عبد الله المهنا وأفراد أسرته ومنهم الشاعر الكبير محمد بن عبد الله العوني ثم واعد الملك عبد العزيز على أن يدخله من الباب الشمالي لبريدة وهو الذي يقع مكانه الآن على شارع
الصناعة غير بعيد من مسجد محمد بن عبد الرحمن الشريدة جهة الشمال من جامع بريدة الكبير، وقد توثق محمد بن شريدة من الرجال القائمين على حراسة الباب الشمالي وجمعهم في قهوة ابن خضير وأخبرهم بجلية الأمر وطلب منهم كتمانه وإلَّا فإن ذلك سيترتب عليه أن يقتلهم محمد بن عبد الله أبا الخيل.
ودخل الملك عبد العزيز إلى بريدة من الباب الشمالي كما كان مقررًا بإشارة من محمد بن شريدة، فوجده فيه، وصار يماشيه عندما دخل بريدة، ويتحدث إليه ومعه أشخاص معدودون من أهل بريدة، ولم يكن مع ابن سعود من المقاتلين إلَّا أفراد من الحراس، لأنه واثق من محمد بن شريدة ومن اتفق معه من كبار الجماعة كالجربوع والربادى.
قصد الملك عبد العزيز بن سعود ومعه محمد بن شريدة وحراس قليل من رجالة جهة جامع بريدة لأن هذا كان الاتفاق بينه وبين ابن شريدة حتى لا يسترعوا انتباه رجال محمد بن عبد الله المهنا.
ومع ذلك عندما وصل إلى موقع (الصِّنَّاع) شمال الجامع فوجئوا برجال مسلحين من أهل بريدة لم يعرفوا بوجودهم من قبل عددهم ثلاثة أو أربعة فيهم الشاعر محمد بن سليمان الصغير فتبادلوا معهم طلقات قليلة زجرهم ابن شريدة واسكتهم، ولكن الشاعر الصغير أصيب في هذه المعركة، إصابة بالغة مات منها في تلك السنة وهي سنة 1326 هـ.
قصد الملك عبد العزيز بيت الجربوع، وقد اتفقوا مع ابن شريدة على أصل الخطة فجلس معهم ومع ابن شريدة ووجد معهم الجماعة الموثوق بهم، ومنهم الربادى جمع ربدي والملقب حيدان من المشيقح، ثم أرسلوا إلى المقاتلين رسالة بأن
كل شيء قد انتهى وأنه تم الاتفاق مع الملك عبد العزيز على ذلك ثم أرسلوا إلى محمد بن عبد الله أبا الخيل بذلك كذلك وأنك آمن على نفسك ومالك وأهلك وكذلك رجالك.
وبهذا انتهى هذا التمرد على الملك عبد العزيز.
وكان أول ما فعله محمد بن شريدة أن أمر المؤذنين في بريدة بأن يصعدوا إلى مآذن المساجد، ولم يكن الوقت وقت صلاة وينادوا بأعلى أصواتهم لأهل الخبوب والقرى الذين لجأوا إلى بريدة وتركوا بساتينهم وفلائحهم ونخيلهم بأن الأمر أمان وكل واحد يجب أن يعود إلى مكانه وفلاحته.
قال عدد من الرواة: إنه من شهامة محمد بن شريدة في ذلك اليوم أنه أخرج تمرًا كثيرًا وطعامًا كثيرًا من ماله فأطعم الخائفين اللاجئين من الخبوب الذين لم تستطع إدارة ابن مهنا أن تطعمهم لعجزها عن ذلك، فكان يطعمهم إلى مدة معينة.
أما الأمير محمد بن عبد الله بن مهنا أبا الخيل فإنه خرج بأهله وماله وعياله من بريدة قاصدًا العراق سالمًا، وكذلك بعض أنصاره.
ومن العراق ذهب إلى حائل وكانت في ذلك الوقت تحت حكم آل رشيد المناوئين للملك عبد العزيز فتزوج هو وأخوه فهد فيها علي بنتين من آل رشيد حكام حايل.
ثم كاتب شريف مكة فقبله لاجئًا عنده بل رحب به، فذهب إلى مكة المكرمة ويقال: إن الشريف لم يكن محيطًا بالأمر إذ قال لمحمد بن عبد الله المهنا: احنا نبغى نكتب لابن سعود يرجع لك قريتك!
وعندما فتح الملك عبد العزيز آل سعود مكة طلب منه محمد بن عبد الله أبا الخيل أن يأذن له بأن يذهب إلى البحرين ويقيم هناك موحيًا بأنه لا يحب أن يبقى تحت حكم الملك عبد العزيز على الحجاز، فلم يأذن له الملك عبد العزيز، بل أمره بالبقاء في الطائف وأن يترك مكة المكرمة فبقي في الطائف حتى مات.