الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حسن المهنا والكرم:
كان الناس في تلك الأزمان ولا يزال بعضهم حتى الوقت الحاضر يمدحون من يعطي غيره ولو كانوا يعرفون أو يغلب على ظنهم أن ماله الذي أعطي منه هو حرام وصل إليه بطريق غير مشروع.
ولذلك كان بعضهم يمدح الشخص الشجاع أو القادر على أخذ أموال الناس وبخاصة إذا كان ذلك في حرب أو نحوها بأنه حصان (يأكل ويوكِّل) أي يأكل ما وقع في يده أو ما حصل عليه من مال بأية طريقة من الطرق ولكنه يعطي غيره منه.
وقد شاهدنا في عصرنا أن بعض الناس يمدحون الرجل الذي يعطي الناس ويساعدهم بالمال، وإن كانوا يعلمون أو يشتبهون أنه يختلس ذلك من الحكومة.
والحاكم الكريم يسمونه كريمًا في ذلك التاريخ ولا يسألون عن مصدر ماله.
وحسن المهنا حاكم منطقة واسعة فيها أوسع مزارع للحبوب وللنخيل من أية منطقة أخرى في نجد، وليس له طموح في أن يضم إليها غيرها، إضافة إلى تدينه وورعه الذي يمنعه من أن يأكل مالًا حرامًا لذلك لم يشتهر بالكرم الذي معناه أن يجزل العطاء للناس.
وقصة الرجل من أهل الشماسية الذي مدح حسن المهنا بقصيدة أنشده إياها بحضور أمير حائل وما يتبعها محمد بن عبد الله بن رشيد معروفة وفيها أن حسن المهنا أعطاه دراهم قليلة مقابل مدحه بالقصيدة، فذكر له ابن رشيد أنه يستحق أكثر من ذلك!
ونص القصيدة، وهذا هو ما حفظته منها، وكان أبو عمر السنيدي قد غارسه إبراهيم بن مهنا أبا الخيل أخو الأمير حسن المهنا على أرض يغرس فيها نخلًا فبلغه أن (أبو عمر) هذا قد أهمل الغرس، ولم يف بالشرط فتوعده إبراهيم، فقال أبو عمر قصيدة عصماء يذكر فيها إبراهيم ويمدح فيها أخاه حسن بن مهنا أمير بريدة ويستعطفه هي:
يا راكب من فوق عجل المصادير
…
سمح الدراع إن كان هو بالوطا سار
حرٍ هميم ما بوادي الصعاقير
…
لو تنزره بين السما والوطا طار
اسبق من اللي يركبون السحاحير
…
واسرع من التيل بابداي الأخبار
يلفي لابو صالح خزام الهدادير
…
أيام طنَّب بالرَّغا كل هدَّار
يا عم الفقر كسر القلب تكسير
…
وبرك على راسي بحملٍ ولا ثار
مستأنس ما شاف مني تناكير
…
ما جبت له ازود من المدِّ بصرار
خُيَّم وفوق جدار داري بنى دار
…
ودي يعلك تحترف له بتثوير
يا سور نجد من اللصافة إلى النير
…
من جمشة العارض إلى خشم سنجار
يا سدرةٍ طالت وحنا عصافير
…
من لاذبة ما ذيّره كل صَقار
فقال حسن المهنا ينادي فهد بن حمد الصقعبي: يا فهد رح لابن سويلم يعطيه عشرة أريل، فالتفت إليه ابن رشيد وقال: يا حسن خف من الله هذي ما تثور الجمل اللي برك على رأسه، والله لو قاله لي لأدفن فقره.
وقيل: إن شخصًا اسمه الزنقاحي كانت فيه جرأة في الكلام وبعض الناس لا يعتبره مسئولًا عما يصدر عنه من كلام جاء لحسن المهنا وكان جالسًا في الوسعة الشمالية وهي التي تلي المسجد الجامع من جهة الشمال ودخلت في توسعته الأخيرة، وهي ميدان يتفرع منه سوق بريدة القديم من جهة الشمال الذي صار يسمي بعد ذلك (سوق الخراريز).
وتلك عادة له لأن الأمن كان مستتبًا، ومن أجل أن يشرف على حركة الدخول والخروج من المدينة وإذا احتاج الأمر إلى فض نزاع أو نحوه كان حاضرًا.
فقال الزنقاحي لحسن المهنا: عطني من الحلال اللي عندك فأعطاه (رُبعًا) وهو ربع ثلث الريال الفرانسي كما يعطي السائلين الكثر.
فقال الرجل: يا حسن أنت أمير القصيم ولا تعطي (الزنقاحي) إلَّا ربع قرش - والقرش ثلث الريال، فقال حسن: أعطيتك وش تبي؟
فقال الزنقاحي: أبيك تعطين ريال، فقال حسن: لو كل زنقاحي مثلك عطيته ريال صرت زنقاحي مثلكم!
ويتناقل أهل بريدة قصة رجل مجنون من أهل الصباخ وعاش في بريدة، وأنا أعرفه وأعرف أسرته، ولن نذكرها محافظة على مشاعر أسرته، وكانت العامة تقول: إن فيه جنيه اسمها حصيصه - تصغير حصة - فقال الحسن المهنا: والله يا كيس هنا بالشماس، ويريد بلدة الشماس التي كانت قد هجرت وغادرها سكانها منذ عهد الأمير حجيلان بن حمد، والكيس: الكنز، وكانت العامة تعتقد أن الخرابات وأماكن البيوت القديمة قد يكون فيه كنز لأن الناس في تلك العصور كانوا يدفنون نقودهم التي يخافون عليها في الأرض ويقولون في أمثالهم: الأرض ما تعلم باللي فيها، فاعتقد الناس ومنهم حسن المهنا أن جنيته التي يسمونها (حصيصة) هي التي أخبرته بموضع الكيس الذي يعني الكنز من النقود الذهبية أو الفضية ولو لم تكن موضوعة في كيس، فسألوه: وين الكيس - يا فلان - فقال في الشماس، تعالوا معي، وأرسل حسن المهنا معه بعض رجاله ومعهم عمال يحفرون الأرض فحفروا حيث أشار لهم في أرض معتادة وحفروا وحفروا ولم يجدوا (كيسًا) أي كنزًا فلما أكثروا وشق عليهم أكثر قال لهم:(إن ما لقيتوا كيس لقيتوا ماء) يريد أنكم ستصلون إلى الماء الموجود في الأرض.
وما دام الأمر يتعلق بالمجانين نذكر أن مجنونًا صاحب كلام يؤثر عنه قال له حسن المهنا وهو - أي حسن - جالس في السوق: تعال، يا فلان، منين أنت جاي؟ فقال المجنون: لا تنشد الصعلوك عن مذاهبه.
فقال حسن: لا، علمني من أين أنت جاي، يريد أن يسمع منه شيئًا يكون بمثابة النكتة، فقال المجنون: أنا جاي راكب جمل عور - أعور - الله يلعن كل عور، وكان حسن المهنا قد أصيبت إحدى عينيه في إحدى المعارك فصار كالأعور! ! !
وعندما هاجم أناس من أهل الرس حَمْلًا لأهل بريدة، والحمل بفتح الحاء وإسكان الميم هو القافلة التي فيها بضائع، وقد دافع أهل الحمل الذي كان في منطقة قريبة من المدينة المنورة قتل أهل الرس من أهل القافلة رجالًا وأخذوا
الإبل وما عليها من بضائع فلما بلغ الخبر أمير بريدة مهنا الصالح أبا الخيل هاج وأمر بغزو الرس للقبض على الجناة الذين كانوا قد اعتدوا على الحمل، وإن كان مكان المعركة خارجًا عن دائرة حكم أهل القصيم.
وقد اجتمع أهل عنيزة والخبراء للوساطة بين أهل الرس وبريدة في مكان خلف الخبوب الغربية من جهة الغرب وجلسوا فيه ولم يتفقوا، وقد أشرت إلى ذلك في ترجمة (حمد الجاسر) من حرف الجيم.
وقد مات مهنا الصالح وتولى ابنه حسن الإمارة فطلب منه أهل الرس التخاصم عند حاكم الشرع الشريف في بريدة وهو يومذاك الشيخ سليمان بن علي المقبل.
وجلسوا بالفعل عند الشيخ ابن مقبل ومثل الجانب الرسي - أهل الرس - جماعة منهم مذكورة في الصك الذي صدر نتيجة هذه المحاكمة كما حضر مندوب من الإدارة التي كانت موجودة آنذاك في المدينة المنورة لأن المعركة وقعت في منطقة تابعة لها ولذا وجدنا أن لهجة الصك فيها بعض المصطلحات المعروفة في الحجاز ومصر تحت الإدارة التركية.
وقد كتب الصك بإملاء الشيخ سليمان بن علي المقبل الكاتب الشهير الثقة الملقب بالملا وهو (عبد المحسن بن محمد بن سيف) وعليه ثلاثة أختام.
ويدل الصك على تدين حسن المهنا وعدم ميله إلى القوة وشدة الخصام إذ رضي بما قرره الشيخ سليمان بن علي في الموضوع.
وهذه صورة الصك: