الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وكانت العساكر والجنود الطاغية قد نهضوا بأجمعهم في نحر أهل العارض ومن معهم من أهل النواحي بحيث أن ابن رشيد قد جعل الناظور في عينيه وأمر جنوده أن يركبوا القوة كلها على رأية ابن سعود نفسها فانهزم وفر ليس معه من خيالته سوى عشرين فارسًا وقتل من جيشه تسعمائة مقاتل منهم ستمائة وخمسون من أهل العارض وأصيب جلالة الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن بشظايا قنبلة في يده اليسرى.
ولما كان في آخر النهار قبل غروب الشمس ظهرت جموع أهل القصيم بقيادة صالح الحسن وهم لا يعلمون بانكشاف أهل العارض لأنهم كانوا في خب منخفض فحملوا على العساكر العثمانية والجنود الرشيدية فهزمومهم شَرَّ هزيمة، وقتلوا منهم مقتلة عظيمة، وهناك أبدى أهل القصيم بسالة وشجاعة في كبح هذه الجنود المتضافرة من أجناس شتي وضربوهم ضربات أوقفتهم عند حدهم مرات وحملت العدو خسائر فادحة.
ثم هجم أهل القصيم على غزو ابن رشيد من أهل حائل وقتلوا منهم مقتلة عظيمة وقتلوا من أعيانهم ماجد بن حمود وعبد العزيز بن جبر (1).
القبض على صالح بن حسن المهنا:
في عام 1324 هـ قبض الملك عبد العزيز بن سعود على الأمير صالح بن حسن المهنا وعلى عدد من إخوانه وأرسلهم إلى الرياض فحبسهم هناك وعين بديلًا عنه في إمارة بريدة ابن عمه محمد بن عبد الله بن مهنا أبا الخيل.
حدثني سليمان بن علي المقبل قال حدثني محمد بن سليمان الصقعبي أحد رجال صالح الحسن والمشرف على القهوة واستقبال الضيوف عنده قال:
(1) تذكرة أولي النهى والعرفان، ص 22 - 23.
عندما دخل الملك عبد العزيز آل سعود على صالح بن حسن المهنا قبل القبض عليه بقليل لم يكن عند صالح الحسن أحد غيري، وكان صالح الحسن قد اعتاد أن يستقبل الملك عبد العزيز في قصر بريدة كلما أراد.
فلما دخل عليه هش إليه صالح الحسن واحترمه فقال له الملك عبد العزيز: يا صالح الحسن، كيف تنادي بالعشاء وحنا محتاجين يا ربعك يظهر ذلك مظهر المزاح وحنا جماعتك، ولا نذخر شيء عنك، فقال صالح الحسن: يا طويل العمر الحلال واحد، مالنا شيء ولك شيء.
وفي هذه الأثناء كان محمد بن عبد الرحمن أخو الملك عبد العزيز قد دخل إلى القصر ومعه أربعون رجلًا، فاستولى كل عشرة منهم على مقصورة من مقاصيره الأربع، بعد أن قتلوا الرجل الذي في باب القصر عندما أراد ممانعتهم، ثم دخلوا على الملك عبد العزيز في تلك الساعة وهو عند صالح الحسن وأخبروه بالواقع وبأنهم ضبطوا القصر.
فعرف صالح الحسن جلية الأمر وقال للملك عبد العزيز: ماهيب قطايع يا عبد العزيز، ماهيب قطايع يا عبد العزيز.
قال الصقعبي: فرد عليه الملك عبد العزيز قائلًا: الذبح ماهنا ذبح، لا تخاف، ثم أخذ يؤنبه فقال: يا ابن مهنا أنت سلخت البيعة وبايعت الترك تبي توليهم بلاد المسلمين.
ثم قبض عليه وعلى أخيه مهنا بعد ذلك، وأخويه عبد العزيز وعبد الرحمن، أما أخوه الخامس وهو سليمان الحسن فكان مريضًا من إصابة لحقت به في روضة مهنا في المعركة التي انتهت بمقتل عبد العزيز بن متعب بن رشيد، فلما علم بالأمر ركب فرسًا ولحق بجنود الترك الذين في الشيحية، وكذلك فعل عمه عبد الرحمن بن مهنا الصالح.
وبعد أن تم القبض على صالح الحسن المهنا استدعى الملك عبد العزيز كبار جماعة أهل بريدة إلى القصر وكان على رأسهم محمد الشريدة، وفهد الرشودي وأخبرهم بالواقع، ثم نادى بمحمد بن عبد الله أبا الخيل أميرًا على بريدة.
حدثني والدي رحمه الله قال: لم نعلم عن القبض على صالح الحسن إلا بعد أن سمعنا المنبه ينبه في سوق بريدة: اسمعوا، ترى أميركم محمد بن عبد الله المهنا.
وفي هذه السنة أرسلت الدولة العثمانية أحد رجالها الكبار وهو المشير أحمد فيضي باشا الذي اشتهر بشجاعته وحسن سياسته، وشفعته الدولة أيضًا برجل آخر اسمه الفريق صدقي باشا المتصف ببعد النظر وطول الآناءة، جاء الأول بثلاثة طوابير وخمسة مدافع من بغداد، وجاء الثاني من المدينة المنورة بطابورين فالتقوا وعسكروا قرب القصيم ولم يكونوا قصدوا الحرب ولكنهم رغبوا في المفاوضة من أجل السلم، وإنما أرسلت الدولة التركية هذه القوة من جندها لتعزيز جانبها، وكانت قد بعثت إلى ابن سعود بواسطة الشيخ مبارك بن صباح تقول إنها تريد أن تفاوض أباه عبد الرحمن بن فيصل وطلبت أن يوافي والي البصرة إلى الزبير فأجاب الإمام طلب الدولة وسافر إلى الكويت ومنها إلى الزبير وكان قد اتفق بمبارك بن صباح في الكويت فسارا معًا إلى الزبير فاجتمعا هناك بالوالي، وبعد المفاوضات في أمور نجد والقصيم طلب الأتراك أن يكون القصيم على الحياد أي يصير حاجزًا بين ابن سعود وابن رشيد، وأن يكون للدولة فيه مركز عسكري وموضع شوري، ولكن الإمام عبد الرحمن بن فيصل لم يوافق على هذا الأمر غير أنه وافق بعد أن يعرض ذلك على أهل نجد إكرامًا للشيخ مبارك ولم يقبل أهل نجد ذلك البتة بأن يكون القصيم على الحياد، ولا أن يكون للدولة فيه حامية قطعًا.
قال الأمير سعود بن هذلول في تاريخه:
ثم علم الملك عبد العزيز (آل سعود) أن صالح الحسن اتفق مع صدقي باشا الذي كان لا يزال معسكرًا في الشيحية اتفقا على سحب الجنود التركية ويحتلوا بريدة، فسبقهم ابن سعود إلى بريدة وثبت أقدامه فيها فاجتمع ابن سعود برجال
أهل بريدة ورؤسائها فأخبروه بما حصل من الاتفاق بين صالح وعساكر الترك وشكوا عليه الحال فألقي القبض على صالح وإخوانه وعلى الشيخ ابن عمرو وأبعدهم إلى الرياض، ثم أن صالح وإخوانه بعدما مكثوا في الرياض عامًا ونصف عام، وفي غياب ابن سعود في غزوة الأشعلي نهض صالح وإخوانه على بعض الرجال المحافظين عليهم وقتلوهم عددًا وفروا من الرياض فأرسل يطلبهم عبد الرحمن - والد الملك عبد العزيز - رجالًا تبعهم فأدركوهم وقتل صالح وأخوه مهنا قصاصًا أما الثالث وهو أخوهم عبد العزيز فقد عفا عنه (1).
ويقول الإخباريون: إن رئيس السرية أو القوم الذين خرجوا لتتبعهم كان الأمير محمد بن عبد الرحمن أخو الملك عبد العزيز.
ونختم الكلام على (صالح بن حسن المهنا) بإيراد صورة وثيقة تدل على أنه يعتبر (بيت مال القصيم) مالًا عامًا مغايرًا لماله الخاص، إذ استدان من ناصر بن سليمان السيف دينًا ذكر أنه (على بيت مال القصيم).
وهي مؤرخة في 22 ذي القعدة عام 1323 هـ:
(1) تاريخ ملوك آل سعود، ص 80 (الطبعة الأولى).