الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
توليه القضاء:
ثقل الشيخ قرناس بن عبد الرحمن لتقدمه في السن، وكثر العمل الذي يحتاج إلى قاض عند أهل بريدة فركب أعيانهم إليه أي إلى الشيخ قرناس في الرس ليأتي إليهم ويقضي بينهم فاعتذر منهم عن ذلك، وقال: لابد يكون لكم قاض مقيم عندكم، ولا أعرف أصلح للقضاء عندكم ولا أعلم ولا أعقل من
سليمان بن علي المقبل، وكان يقيم آنذاك في البصر، فاذهبوا إليه واطلبوه أن يكون قاضيًا لكم، فذهبوا إليه فلم يمانع ولم يستجب حتى استشار شيخه قرناس الذي أخبره أن القضاء الآن متعين عليه لأنه لا يعلم وهو الذي يعرف طلبة العلم في القصيم من هو أولى بأن يكون قاضيًا هناك غيره.
فصدع ابن مقبل بالأمر، وجاء إلى بريدة قاضيًا، وجلس للناس في بريدة، وكما هو معروف، بأن قرى وخبوب نواحي لا يصل إليها الماشي على قدميه، ليس عندهم قضاة فكانوا يحضرون إلى الشيخ ابن مقبل على ركايبهم فينيخونها عند بابه، وهذه علامة طلب الضيافة لأنه لا توجد في ذلك الوقت مطاعم ولا مخابز ولا فنادق.
فكان الشيخ يضطر إلى استضافة المتخاصمين الذين يأتون من تلك القرى البعيدة عن بريدة، وبعد فترة رأى فيه أهل بريدة القاضي العادل والرجل العاقل النزيه فازدادوا محبة فيه، وتمسكًا باستمراره قاضيًا عليهم، ولكنه ليس كذلك فهو من ناحية عمل القضاء وعلاقته بالناس مرتاح ومطمئن إلا أنه من ناحية المالية ليس كذلك، فقد انفق ما عنده وما كان يصل إيه من تخلهم في البصر حتى لحقه الدين، لأنه ليست للقضاة رواتب في تلك العصور.
فغادر بريدة من دون أن يخبر أحدًا بقصده، وذهب إلى شيخه قرناس في الرس وأخبره بالواقع، فقال له قرناس: اذهب إلى البصر وأتركهم حتى يأتوا إليك.
وجاء أعيان جماعة أهل بريدة إلى الشيخ ابن مقبل في البصر يطلبون منه أن يعود إليهم، فذكر لهم أن نخيله وأهله في البصر تحتاج إلى عناية، وأنه قد يبقى في البصر، ولكنه لم يردهم ردًّا واضحًا مما جعلهم يركبون إلى الشيخ قرناس في الرس يطلبون منه أن يستعمل نفوذه لإعادة الشيخ ابن مقبل لهم.
فقال الشيخ قرناس لهم: الرجل لحقه الدين عندكم، ولا يستطيع أن يتحمل أكثر من ذلك فإذا أردتم أن يعود إليكم فافعلوا فعلًا يكون له ولقضاة بريدة من بعده، وذلك أن توقفوا أوقافًا على إمام جامع بريدة والقاضي هو إمام الجامع، تكون فيها مساعدة للقاضي وليست للقاضي ابن مقبل وحده، بل لأي قاض آخر يأتي بعده.
وقد رأي أهل بريدة ذلك رأيا صحيحًا فانتدب منهم ثلاثة رجال،
…
وبدؤا بالصباخ جنوب بريدة، وكان مزدهرًا وكثير النخل والمزروعات الأخرى فكانوا يسألون ملاك النخل بعد أن يشرحوا لهم الأمر بأن (جامع بريدة) ليس عليه أوقاف أن يعينوا مبلغًا من التمر في أملاكهم من النخيل بمثابة الوقف على إمام الجامع.
قالوا: فكان الناس يسارعون في ذلك.
وبعد الصباخ ذهبوا للخبوب القريبة من بريدة، ولم يذهبوا إلى البعيدة ولا إلى القرى لأنهم وجدوا أن تجاوب ملاك النخيل القريبة من بريدة كان كافيًا فكان بعضهم يوقف نخيلًا بعينها، كان يقول الرجل الذي يملك حائطًا من النخل: إن النخلة الفلانية أو النخلات فيه ريعها وقف على إمام الجامع، وأحيانًا يقول بعضهم: إن في نخله مائة وزنة أو أكثر للمسجد الجامع حتى اجتمع من لك شيء كثير أرضاهم.
قالوا: فلما فرغوا من النخيل وتمرها اتجهوا إلى المزارع التي تزرع الحبوب كالقمح والشعير والذرة وأكثرها في شرق بريدة وشمالها كالنقع والحافة والمتينيات والوطاة فوجدوا التجاوب العظيم الذي لم يكونوا يظنونه من أهلها.
وكان من عادتهم في مزارع الحبوب أن تكون على قلبان - جمع قليب - تكون حولها حقول وأراض صالحة لزراعة الحبوب، وكان صاحبها إما أن يزرعها بنفسه، أو يعطيها لمن يزرعها بما يشبه الإجارة، كان يقول: إنه يؤجرها له بجزء مما تنتجه من الحب كالربع أو الثلث أو الخمس ويسمون ذلك