الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الموحى بها. {وَلكِنْ جَعَلْناهُ} الرّوح أو الكتاب أو الإيمان. {لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ} تدعو بالوحي إليك إلى الإسلام. {لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ} ملكا وخلقا وعبيدا. {أَلا إِلَى اللهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ} ترجع الأمور، من غير وسائط، وفيه وعد ووعيد للمطيعين والمجرمين.
سبب النزول:
نزول الآية (51):
{وَما كانَ لِبَشَرٍ.} . سبب نزول هذه الآية أن اليهود قالوا للنّبيّ صلى الله عليه وسلم:
ألا تكلم الله وتنظر إليه إن كنت نبيّا، كما كلّمه موسى؟ فنزلت، وقال: لم ينظر موسى إلى الله تعالى.
المناسبة:
بعد أن بيّن الله تعالى دلائل كمال قدرته وعلمه وحكمته ونعمته مما هو محسوس، أتبعه ببيان أنواع وحيه وكلامه إلى أنبيائه من النّعم الروحية، التي اختصّ بها الأنبياء والرّسل من سائر الناس. وأوضح أن الوحي إلى النّبي صلى الله عليه وسلم بالقرآن المشتمل على الشرائع التي تصلح البشر وتهديهم إلى الحق هو مثل الوحي إلى الأنبياء السابقين. وهذا الختام للسورة مشابه لما بدئت به، لينسجم البدء والختام.
التفسير والبيان:
{وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلاّ وَحْياً، أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ، أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ ما يَشاءُ، إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ} أي ما صحّ لبشر تكليم الله إلا بوحي يوحى، أو بسماع كلام من وراء ستار، أو بواسطة ملك. وقد نفى الله تعالى تكليم أحد من البشر إلا بأحد ثلاثة أوجه تحدث في الدنيا.
الأول-الوحي: وهو الإلهام والقذف بمعان تلقى في القلب يقظة في الغالب، أو في المنام، كرؤيا إبراهيم الخليل عليه السلام ذبح ولده. وقد يطلق الوحي على الإلهام المجرد، كما أوحى إلى أم موسى.
الثاني-سماع كلام من وراء حجاب: بأن يسمعه النّبي من غير واسطة متيقنا أنه كلام الله من حيث لا يرى، كما كلّم موسى عليه السلام ربّه، وسمّاه الله وحيا بقوله:{فَاسْتَمِعْ لِما يُوحى} [طه 13/ 20]. وكان موسى قد سأل الرؤية بعد التكليم، فحجب عنها.
الثالث-إرسال رسول: وهو إرسال رسول من الملائكة إما جبريل أو غيره فيوحي ذلك الملك إلى الرّسول من البشر بأمر الله وتيسيره ما يشاء أن يوحى إليه، كما كان جبرئيل عليه السلام وغيره من الملائكة ينزلون على الأنبياء عليهم السلام.
إن الله عليّ عن صفات المخلوقين وصفات النّقص، يفعل ما تقتضيه حكمته حكيم في كل أحكامه، فيجعل الوحي معتمدا على وسيط، أو بغير وسيط.
وهذه الأنواع الثلاثة يتيقن النّبي في كلّ منها أن الله تبارك وتعالى هو مصدر الوحي، دون أي شكّ، كما
جاء في صحيح ابن حبان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إن روح القدس نفث في روعي
(1)
أن نفسا لن تموت حتى تستكمل رزقها وأجلها، فاتّقوا الله، وأجملوا في الطلب».
وقد جاء في السّنّة بيان أنواع الوحي إلى النّبيّ صلى الله عليه وسلم،
روى البخاري في صحيحة عن عائشة رضي الله عنها كما تقدّم- «أن الحارث بن هشام رضي الله عنه، سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، كيف يأتيك الوحي؟ فقال
(1)
الرّوع-بالضّم: القلب والعقل. والرّوع-بالفتح: الفزع.
رسول الله صلى الله عليه وسلم: أحيانا يأتيني مثل صلصلة الجرس، وهو أشدّه عليّ، فيفصم عني وقد وعيت عنه ما قال، وأحيانا يتمثّل لي الملك رجلا، فيكلمني فأعي ما يقول.
قالت عائشة: ولقد رأيته ينزل عليه الوحي في اليوم الشديد البرد، فيفصم عنه، وإنّ جبينه ليتفصّد عرقا» أي يسيل عرقا.
ثم ذكر تعالى تشابه الوحي بين النّبي صلى الله عليه وسلم وبين الأنبياء السابقين، فقال:
{وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا} أي مثلما أوحينا إلى سائر الأنبياء، أوحينا إليك هذا القرآن، الذي هو من أمر الله، وهو روح، لأنه يهتدى به، ففيه حياة سعيدة بعد موت الكفر، وكان نزوله حدّا فاصلا بين عهدين، استيقظ به العرب والمسلمون من رقدتهم، وصنعوا حضارة سامقة ومجدا.
{ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلا الْإِيمانُ، وَلكِنْ جَعَلْناهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشاءُ مِنْ عِبادِنا} أي ما كنت أيها النّبي قبل إنزال الوحي عليك تعرف ما القرآن، ولا معنى الإيمان، ولا تفاصيل الشرائع، ولا تهتدي إلى معالمها الصحيحة، وخصّ الإيمان، لأنه رأس الشريعة.
ولكن جعلنا هذا القرآن الذي أوحيناه إليك ضياء ونورا نهدي به من نشاء هدايته، وتخرجه من ظلمات الجهالة والضلال إلى الهداية والمعرفة، ونرشده إلى الدين الحق، كما قال تعالى:{قُلْ: هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدىً وَشِفاءٌ} [فصّلت 40/ 41]، وقال سبحانه:{وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ} [الإسراء 82/ 17]، وقال عز وجل:{يا أَيُّهَا النّاسُ قَدْ جاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفاءٌ لِما فِي الصُّدُورِ، وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ} [يونس 57/ 10].
{وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ، صِراطِ اللهِ الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ