المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

المنافقين: إن الله صاهر الجن، فخرجت من بينهم الملائكة، فنزل - التفسير المنير - الزحيلي - جـ ٢٥

[وهبة الزحيلي]

فهرس الكتاب

- ‌اختصاص علم الساعة بالله تعالى وانتهاء أسطورة الشرك فيها

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌تبدل أحوال الإنسان وتغير أطواره

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌ضرورة التأمل في الآيات والأنفس:

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌سورة الشورى

- ‌تسميّتها:

- ‌مناسبتها لما قبلها:

- ‌ما اشتملت عليه السورة:

- ‌إنزال الوحي وعظمة الله ورقابته أحوال المشركين

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌مقاصد الوحي الإلهي

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌وحدة الأديان في أصولها

- ‌الإعراب:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌الأمر بالدعوة والاستقامة على المتفق عليهودحض حجة المجادلين فيه

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌حتمية الجزاء للمؤمنين والظالمينوقبول التوبة

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌من مظاهر حكمة الله في خلقه وآياته على قدرته

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌نزول الآية (27):

- ‌نزول الآية (36):

- ‌‌‌المناسبة:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌صفات المؤمنين الكمّل أهل الجنة

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌نزول الآية (37):

- ‌نزول الآية (38):

- ‌نزول الآيات (41 - 43):

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌أحوال الكفار أمام النار

- ‌الإعراب:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌الاستجابة لنداء الله مالك السموات والأرض

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌أنواع الوحي

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌سورة الزخرف

- ‌تسميتها:

- ‌مناسبتها لما قبلها:

- ‌مشتملاتها:

- ‌القرآن كلام الله بلغة العرب وعقاب المستهزئين بالأنبياء

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌الغاية والهدف من الآيات:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌من مصنوعات الله تعالى وصفاته

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌عبادة المشركين الملائكة

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌بسبب النزول:

- ‌نزول الآية (19):

- ‌نزول الآية (22):

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌الرّد على تقليد الآباء، واختيار الأنبياءوبيان حال الدنيا

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النّزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌حال المعرض عن ذكر الله وتثبيت النّبي صلى الله عليه وسلم على دعوته

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌نزول الآية (36):

- ‌سبب نزول الآية (41):

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌العبرة من قصة موسى عليه السلام وفرعون

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌العبرة من قصة عيسى عليه السلام

- ‌الإعراب:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌ألوان نعيم المتقين أهل الجنة

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌عذاب أهل النار وأسبابه

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌نزول الآية (79):

- ‌نزول الآية (80):

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌تنزيه الله سبحانه عن الولد والشريك

- ‌الإعراب:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌سورة الدخان

- ‌تسميتها:

- ‌مناسبتها لما قبلها:

- ‌ما اشتملت عليه السّورة:

- ‌فضلها:

- ‌إنزال القرآن في ليلة القدر المباركة وصفات منزله

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌تهديد المشركين بالعذاب

- ‌الإعراب:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النّزول:

- ‌نزول الآية (10):

- ‌نزول الآيتين (15 - 16):

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌ضرورة الاعتبار بقوم فرعون وإنجاء بني إسرائيل

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌إنكار المشركين البعث وإثباته لهم

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌أهوال يوم القيامة التي يتعرض لها الكفار والعصاة

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌نزول الآية (43) وما بعدها:

- ‌نزول الآية (49):

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌ما يلقاه المتقون من ألوان النعيم في الجنان

- ‌الإعراب:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌سورة الجاثية

- ‌تسميتها:

- ‌مناسبتها لما قبلها:

- ‌ما اشتملت عليه السورة:

- ‌سبب نزولها:

- ‌مصدر القرآن وإثبات الخالق ووحدانيته

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌وعيد المكذبين بآيات الله وجزاؤهم

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌من نعم الله تعالى على عباده:

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌نزول الآية (14):

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌نعم الدين وإنزال الشرائع

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌الفارق بين المحسنين والمسيئين في المحيا والممات

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌نزول الآية (21):

- ‌نزول الآية (23):

- ‌نزول بقية الآية (23):

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌الدهرية وإنكار البعث وأهوال القيامة

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌جزاء المؤمنين المطيعين وجزاء الكافرين العصاة

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

الفصل: المنافقين: إن الله صاهر الجن، فخرجت من بينهم الملائكة، فنزل

المنافقين: إن الله صاهر الجن، فخرجت من بينهم الملائكة، فنزل فيهم:

{وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبادُ الرَّحْمنِ إِناثاً.} ..

‌نزول الآية (22):

{بَلْ قالُوا: إِنّا وَجَدْنا آباءَنا..} . حكى مقاتل أن هذه الآية نزلت في الوليد بن المغيرة وأبي سفيان وأبي جهل وعتبة وشيبة ابني ربيعة من قريش، أي وكما قال هؤلاء فقد قال من قبلهم أيضا، يعزّي نبيه صلى الله عليه وسلم.

‌المناسبة:

بعد بيان اعتراف المشركين بأن الله خالق السموات والأرض، ذكر الله تعالى ما يناقض ذلك وهو ادعاؤهم أن الملائكة بنات الله، فلم يقتصروا أن جعلوا لله ولدا، وإنما جعلوه من الإناث ومن الملائكة، فرد تعالى عليهم بأجوبة ثلاثة:

نفرتهم من الإناث، وضعف الإناث، وجهلهم بحقيقة الملائكة.

ثم ذكر تعالى شبهة أخرى للمشركين: وهي أن عبادة الملائكة بمشيئة الله، ورد عليهم بأن المشيئة ترجيح بعض الأشياء على بعض، ولا دلالة فيها على الرضا والغضب أو الحسن والقبح، فهم جهلة كاذبون، وليس لهم دليل نقلي صحيح يعتمدون عليه إلا محض التقليد للآباء والأجداد، دون برهان معقول، وشأنهم في الكفر شأن من سبقهم من الأمم التي كذبت الرسل. فانتقم الله منهم وأهلكهم.

‌التفسير والبيان:

{وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبادِهِ جُزْءاً، إِنَّ الْإِنْسانَ لَكَفُورٌ مُبِينٌ} أي إن المشركين بالرغم من اعترافهم بألوهية الله وكونه خالق السموات والأرض، أثبتوا له ولدا، إذ قالوا: الملائكة بنات الله، باعتبار أن الولد جزء من أبيه،

قال صلى الله عليه وسلم فيما رواه أحمد والحاكم عن المسور: «فاطمة بضعة مني» إن الإنسان جحود نعم ربه جحودا

ص: 130

بيّنا، يقابل وضوح النعمة، فيكون الجحود من أبين الكذب. والآية متصلة بقوله تعالى:{وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ.} ..

وهذا من جهلهم بالله وصفاته، واستخفافهم بالملائكة حيث نسبوا إليهم الأنوثة، ونسبوهم إلى الله نسبة تقتضي نسبة الأضعف من نوعي الإنسان، فالله ليس كمثله شيء، فلا يشبهه أحد من خلقه، ونسبة الولد له تقتضي جعله مشابها للحوادث، فلا يصلح إلها، ولأن هذا الادعاء للجزء يجعل الله مركبا من أجزاء فهو حادث.

ثم أنكر تعالى عليهم أشد الإنكار، فقال:

{أَمِ اتَّخَذَ مِمّا يَخْلُقُ بَناتٍ وَأَصْفاكُمْ بِالْبَنِينَ} ؟ أي وإذا نسبتم الولد إلى الله،: لزم منه أن الله اتخذ ولدا له من أضعف الجنسين، واختار لكم الأفضل، وهذا يعني أنه جعل لنفسه المفضول من الصنفين، ولكن الفاضل منهما، فكيف يصح هذا مع أنه تعالى هو الخالق؟ وهذا كقوله تعالى:{أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثى، تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزى} [النجم 21/ 53 - 22] أي جائرة.

ومعنى قوله: {أَمِ اتَّخَذَ..} . بل أأتخذ؟ الهمزة للإنكار تجهيلا لهم وتعجيبا من شأنهم حيث جعلوا ذلك الجزء أضعف الجزأين، وهو الإناث دون الذكور.

ثم ذكر الله تعالى تتمة الإنكار والتوبيخ والتعجيب، فقال:

{وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِما ضَرَبَ لِلرَّحْمنِ مَثَلاً ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ} أي وإذا بشر أحد هؤلاء المشركين بما جعل لله مشابها، وهو الأنثى، أنف من ذلك واغتم، وعلته الكآبة من سوء ما بشّر به، فصار وجهه متغيرا، وأضحى ممتلئا غيظا، شديد الحزن، كثير الكرب، فكيف تأنفون أنتم من البنت، وتنسبونها إلى الله عز وجل؟!.

ص: 131

وللآية شبيه تام هي قوله تعالى: {وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثى، ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ، يَتَوارى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ ما بُشِّرَ بِهِ..} . الآية [النحل 58/ 16 - 59].

ثم أكد الله تعالى الإنكار، فقال:

{أَوَمَنْ يُنَشَّؤُا فِي الْحِلْيَةِ، وَهُوَ فِي الْخِصامِ غَيْرُ مُبِينٍ} أي أو يجعل للرحمن من الولد من صفته أنه يتربى في الزينة والنعمة، وإذا احتاج إلى مخاصمة غيره لا يقدر على الجدال وإقامة الحجة؟ فلا بيان عنده، ولا يأتي ببرهان يدفع ما يجادل به خصمه، لنقصان عقله وضعف رأيه.

والآية دليل على رقة المرأة وغلبة عاطفتها عليها، وميلها إلى التزين والنعومة، وعلى أن التحلي بالذهب والحرير مباح للنساء، وأنه حرام على الرجال، لأنه تعالى جعل ذلك عنوانا على الضعف والنقصان، وإنما زينة الرجل: الصبر على طاعة الله، والتزين بزينة التقوى، كما قال الرازي.

ومن مفتريات المشركين عدا ما ذكر من نسبة الإناث إلى الله: زعمهم أن الملائكة إناث، كما قال تعالى:

{وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبادُ الرَّحْمنِ إِناثاً} أي حكموا بأن الملائكة إناث، وهذا مترتب على قولهم السابق: الملائكة بنات الله.

فأنكر الله عليهم ورد مقالهم بقوله:

{أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ} ؟ {سَتُكْتَبُ شَهادَتُهُمْ، وَيُسْئَلُونَ} أي هل حضروا وشاهدوا خلق الله إياهم حتى يشهدوا بأنهم إناث، كما قال تعالى:{أَمْ خَلَقْنَا الْمَلائِكَةَ إِناثاً، وَهُمْ شاهِدُونَ} ؟ [الصافات 150/ 37] ستكتب شهادتهم بذلك في ديوان أعمالهم، لنجازيهم على ذلك، ويسألون عنها يوم القيامة، فهي شهادة

ص: 132

زور. وهذا تهديد شديد، ووعيد أكيد بالعذاب، ودليل على أن الادعاء من غير برهان وإثبات جريمة.

واستدلّ بهذه الآية: {هُمْ عِبادُ الرَّحْمنِ} من قال بتفضيل الملائكة على البشر.

ثم أورد الله تعالى شبهة أخرى للمشركين، ولونا آخر من ألوان افتراءاتهم، فقال:

{وَقالُوا: لَوْ شاءَ الرَّحْمنُ ما عَبَدْناهُمْ} أي قال الكفار: لو أراد الله ما عبدنا هذه الملائكة، فإنه قادر على أن يحول بيننا وبين عبادة هذه الأصنام التي هي على صور الملائكة التي هي بنات الله، ويريدون بذلك القول أن الله راض عن عبادتهم للأصنام. وهو احتجاج بالقدر، وكلمة حق يراد بها باطل، لأن المشيئة لا تستلزم الأمر، إذ هي ترجيح بعض الممكنات على بعض بحسب علمه، والله يأمر بالخير والإيمان، ونحن لا نعلم مشيئته أو إرادته إلا بعد وقوع الفعل منا.

وقد جمعوا في هذا القول بين أنواع كثيرة من الخطأ والكفر كما ذكر ابن كثير:

1 -

جعلهم لله تعالى ولدا، تقدّس وتنزّه عن ذلك.

2 -

دعواهم أنه اصطفى البنات على البنين، إذ زعموا أن الملائكة بنات الله تعالى.

3 -

عبادتهم لهم بلا دليل ولا برهان ولا إذن من الله عز وجل، بل بمجرد الأهواء وتقليد الأسلاف، وتخبّط الجاهلية.

4 -

احتجاجهم بتقدير الله ذلك، وتقديرهم على طريقتهم قدرا، وهذا جهل شديد، فإن الله منذ أن بعث الرّسل وأنزل الكتب يأمر بعبادته وحده

ص: 133

لا شريك له، وينهى عن عبادة سواه

(1)

، قال تعالى:{وَلَقَدْ بَعَثْنا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللهَ وَاجْتَنِبُوا الطّاغُوتَ، فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللهُ، وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ، فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ، فَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ} [النّحل 36/ 16]، وقال عز وجل:{وَسْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنا أَجَعَلْنا مِنْ دُونِ الرَّحْمنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ} [الزّخرف 45/ 43].

ونحو الآية: {سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا: لَوْ شاءَ اللهُ ما أَشْرَكْنا} .

[الأنعام 148/ 6]، {أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشاءُ اللهُ أَطْعَمَهُ} [يس 47/ 36].

فردّ الله تعالى عليهم بقوله:

{ما لَهُمْ بِذلِكَ مِنْ عِلْمٍ، إِنْ هُمْ إِلاّ يَخْرُصُونَ} أي ليس لهم أي علم أو دليل بصحة ما قالوه واحتجّوا به، وما هم إلاّ يكذبون فيما قالوا، ويتقولون، فإن الله يأمر بالحق والإيمان والخير، ولا يرضى لعباده الكفر والفحشاء. والآية دليل على جهلهم الفاضح، وكذبهم وافترائهم الباطل.

ثم أبطل الله تعالى قولهم بالدليل النقلي قائلا:

{أَمْ آتَيْناهُمْ كِتاباً مِنْ قَبْلِهِ فَهُمْ بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ} أي أأعطيناهم كتابا من قبل هذا القرآن ينطق بما يدّعون، مكتوبا فيه: اعبدوا غير الله؟ فهم يتمسكون بذلك الكتاب، ويحتجون به، أي ليس الأمر كذلك، كقوله تعالى:{أَمْ أَنْزَلْنا عَلَيْهِمْ سُلْطاناً فَهُوَ يَتَكَلَّمُ بِما كانُوا بِهِ يُشْرِكُونَ} [الروم 35/ 30] أي لم يكن ذلك أصلا.

ثم ذكر الله تعالى: أنه لا حجّة لهم إلا التّقليد، فقال:

{بَلْ قالُوا: إِنّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ، وَإِنّا عَلى آثارِهِمْ مُهْتَدُونَ} بل إنهم

(1)

تفسير ابن كثير: 125/ 4.

ص: 134

قالوا: لقد وجدنا آباءنا على طريقة ساروا عليها في عبادتهم الأصنام، وإنا سائرون على منهجهم مهتدون بهديهم. وهذا اعتراف صريح منهم بأنه ليس لهم مستند ولا حجّة عقلية ولا نقلية على الشرك سوى تقليد الآباء والأجداد واتّباعهم في الضّلالة. وقولهم:{وَإِنّا عَلى آثارِهِمْ} -أي وراءهم- {مُهْتَدُونَ} مجرد دعوى منهم بلا دليل.

ثم أبان الله تعالى تشابه الأمم في الكفر والتّقليد والمقالة، فقال:

{وَكَذلِكَ ما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلاّ قالَ مُتْرَفُوها: إِنّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ، وَإِنّا عَلى آثارِهِمْ مُقْتَدُونَ} أي إن مقال هؤلاء قد سبقهم إليه أشباههم من الأمم السالفة المكذّبة للرّسل، فمثل تلك المقالة قال المترفون المنعّمون-وهم الرؤساء والزّعماء والجبابرة-من كل أمّة لرسولهم المرسل إليهم للإنذار من عذاب الله: إنّا وجدنا آباءنا على ملّة ودين، وإنّا على طريقتهم سائرون متبعون.

وخصص المترفين تنبيها على أن التّنعم هو سبب المعارضة وإهمال النّظر وترك التفكّر في مضمون الرّسالة الإلهية.

ونحو الآية قوله تعالى: {كَذلِكَ ما أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلاّ قالُوا: ساحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ، أَتَواصَوْا بِهِ؟ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طاغُونَ} [الذّاريات 52/ 51 - 53].

وإنما قال أولا: {مُهْتَدُونَ} لادعاء الهداية كآبائهم، ثم قال ثانيا:

{مُقْتَدُونَ} حكاية عن قوم تابعوا آباءهم في فعلهم، دون ادّعاء الهداية، والمعنى تقريبا واحدا.

وهذا تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وتنبيه على أنّ التّقليد في الاعتقاد والعبادة ضلال قديم.

ص: 135