الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الجبابرة أو محفوفين بالملائكة، ونظر إلى الشكل الظاهر، ولم يدرك الجوهر المعنوي لحقيقة الرسل.
{فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطاعُوهُ، إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ} أي فاستهان بعقول قومه ورعيته، ودعاهم إلى الضلالة، فاستجابوا له، وأطاعوه فيما أمرهم به، وكذّبوا موسى، إنهم كانوا خارجين عن طاعة الله تعالى.
ثم جاء دور العقاب مما فعلوا، فقال تعالى:
{فَلَمّا آسَفُونا انْتَقَمْنا مِنْهُمْ، فَأَغْرَقْناهُمْ أَجْمَعِينَ} أي فلما أسخطونا وأغضبونا، انتقمنا منهم أشد الانتقام، فأغرقناهم جميعا في البحر، وإنما أهلكوا بالغرق ليناسب ما تفاخروا وتباهوا به وهو قوله:{وَهذِهِ الْأَنْهارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي} .
أخرج أحمد والطبراني والبيهقي وابن أبي حاتم عن عقبة بن عامر «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا رأيت الله تبارك وتعالى يعطي العبد ما يشاء، وهو مقيم على معاصيه، فإنما ذلك استدراج منه له، ثم تلا صلى الله عليه وسلم:{فَلَمّا آسَفُونا انْتَقَمْنا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْناهُمْ أَجْمَعِينَ} .
{فَجَعَلْناهُمْ سَلَفاً وَمَثَلاً لِلْآخِرِينَ} أي فجعلنا فرعون وقومه قدوة لمن عمل بعملهم من الكفار في استحقاق العذاب، وعبرة وعظة لمن يأتي بعدهم من الكافرين، أو قصة عجيبة تجري مجرى الأمثال.
فقه الحياة أو الأحكام:
يؤخذ من القصة ما يأتي:
1 -
إن هذه القصة تمثل صراع الجبابرة الطغاة أصحاب الثروة والمال مع أهل القيم الإنسانية والدينية الرشيدة ذوي الدخل المتوسط أو الفقراء، تشابهت حالة
فرعون مع موسى، مع حالة النبي صلى الله عليه وسلم مع كفار قريش أصحاب النفوذ والثراء.
اتفق الأنبياء كلهم على توحيد الإله، فكذب فرعون وقومه موسى عليه السلام، بالرغم من تدعيمه بالمعجزات وهي التسع آيات، فكانت عاقبتهم الإغراق بسبب التكذيب، ونجّى الله موسى وقومه بني إسرائيل، وجعلت العاقبة الحميدة له. وكذلك حصل الأمر مع النبي صلى الله عليه وسلم كذّبه قومه فأهلكهم الله، ونصر رسوله والمؤمنين بدعوته.
2 -
كانت حيثيات الحكم ومسوغاته على فرعون وقومه هي الضحك والسخرية والاستهزاء من معجزات موسى عليه السلام، كالسنين (نقص الأنفس والزروع) ونقص الثمرات، والطوفان والجراد والقمّل والضفادع، وكانت هذه الآيات عذابا لهم وآيات لموسى.
وكانت المعجزات قوية التأثير، فما من آية إلا وهي أعظم من أختها -سابقتها-ومع ذلك لم يؤمنوا بها، فأخذهم الله بالعذاب على تكذيبهم بتلك الآيات.
ووصفوا موسى بأنه ساحر لما عاينوا العذاب، تعظيما له على حسب عادتهم في احترام السحرة، وكانوا يسمون العلماء سحرة، ويحتمل أنهم أرادوا به الساحر على الحقيقة على الاستفهام، فلم يلمهم على ذلك رجاء أن يؤمنوا، وطلبوا منه كشف العذاب عنهم بما أخبرهم عن عهد الله إليه أنهم إن آمنوا كشف عنهم، فقالوا: إنا لمهتدون فيما يستقبل.
فلما دعا فكشف الله عنهم الكرب والغم، عادوا إلى كفرهم، ونقضوا العهد والميثاق الذي جعلوه على أنفسهم، فلم يؤمنوا.
3 -
وبعد أن حكى الله معاملة فرعون مع موسى، حكى أيضا معاملة فرعون مع ربه، فلما رأى آيات موسى خاف ميل القوم إليه، فجمع قومه، فقال،
ونادى بمعنى قال، فرفع صوته بينهم: يا قوم، أليس لي ملك مصر، لا ينازعني فيه أحد، وأنهار النيل تجري من تحت قصري، أفلا تبصرون عظمتي وقوتي وضعف موسى؟.
ثم صرح بحاله فقال: بل أنا خير من موسى المهين الحقير الضعيف، والذي لا يكاد يفصح كلامه بسبب العقدة التي كانت في لسانه بحسب علمهم السابق عنه، ومن لا بيان له ولا لسان كيف يكون نبيا؟! والرجل الفقير كيف يكون رسولا من عند الله إلى الملك الكبير الغني؟! ثم تعاظم فرعون وتغطرس واعتز بالثروة والملك والمال، فقال: هلا ألقي عليه أساور من ذهب، جريا على عادة الوقت وزيّ أهل الشرف، أو تأيد بجماعة من الملائكة يمشون معا متتابعين مقترنين إن كان صادقا يعاونونه على من خالفه؟ والمعنى: هلا ضم إليه الملائكة التي يزعم أنها عند ربه، حتى يتعزّز بهم ويستعملهم في أمره ونهيه، فيكون ذلك أهيب في القلوب.
فأوهم قومه أن رسل الله ينبغي أن يكونوا كرسل الملوك في المظاهر، ولم يعلم أن رسول الله إنما أيّدوا بالجنود السماوية، وكل إنسان عاقل يعلم أن حفظ الله موسى مع تفرده من فرعون مع كثرة أتباعه، وإمداد موسى بالعصا واليد البيضاء، كان أبلغ في التأييد من أن يكون له أسورة ذهب أو ملائكة أعوان وأدلة على صدقه.
4 -
ثم حكى الله علاقة فرعون بقومه، فإنه استخف عقولهم واستجهلهم فأطاعوه لخفة أحلامهم وقلة عقولهم، إنهم كانوا فسقة خارجين عن طاعة الله تعالى.
5 -
لما تجاوز فرعون وقومه الحدود القصوى، وأسخطوا الله وأغضبوه، عاجلهم بالانتقام الشديد، وأغرقهم الله في أليم.