الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
العقل، وهذا مدعاة للعجب من إشراكهم، والغرض من الآية: التعجيب من حالهم أنهم يعترفون بالصانع، ثم يجعلون له أندادا.
ثم أعلن الله تعالى علمه بشكوى النبي صلى الله عليه وسلم من إعراض قومه قائلا:
5 -
{وَقِيلِهِ: يا رَبِّ، إِنَّ هؤُلاءِ قَوْمٌ لا يُؤْمِنُونَ} أي ويعلم الله تعالى علم الساعة وقول النبي صلى الله عليه وسلم وشكواه إلى ربه من قومه الذين كذبوه: يا ربّ، إن هؤلاء القوم الذين أرسلتني إليهم قوم لا يؤمنون ولا يصدقون بك ولا برسالتي إليهم، كما أخبر تعالى في آية أخرى:{وَقالَ الرَّسُولُ: يا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً} [الفرقان 30/ 25].
ثم أمر الله تعالى نبيه بالإعراض عنهم ونبذهم لإشراكهم قائلا:
{فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ: سَلامٌ، فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ} أي اصفح عن المشركين صفح المغاضب لا الموافق المجامل، وأعرض عما يقولون وما يرمونك به من السحر والكهانة، واصبر على دعوتهم إلى أن يأتي أمر الله، وقل: أمري معكم مسالمة ومتاركة إلى حين، فسوف يعلمون عاقبة كفرهم. وهذا تهديد شديد ووعيد أكيد من الله لهم، ووعد ضمني بنصر الإسلام والمسلمين عليهم، وقد أنجز الله وعده، فأيد رسوله والمؤمنين، وهزم أركان الشرك والمشركين، وطهر جزيرة العرب من فلولهم وآثارهم، ودخل الناس في دين الله أفواجا، وانتشر الإسلام-ولله الحمد- في المشارق والمغارب.
فقه الحياة أو الأحكام:
أرشدت الآيات البيّنات إلى ما يأتي:
1 -
إن إنكار وجود الولد لله تعالى ليس عنادا ولا منازعة، وإنما بدلالة الأدلّة القاطعة على نفي وجود الولد، فالعبرة للدّليل، وقد أثبت الدّليل القاطع
عدم وجود الولد لله تعالى، لأن صفة الألوهية تقتضي الكمال والقدرة والحكمة والعلم، واتّخاذ الولد دليل العجز والنقص.
وهذا مأخوذ من معنى الآية الأولى: {قُلْ: إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ.} . أي لو كان له ولد كنت أول من عبده، على افتراض أن له ولدا ثابتا بالبرهان، ولكن لا ينبغي ذلك، ولم يقم دليل عليه.
2 -
نزّه الله نفسه ربّ السموات والأرض عن كلّ ما يقتضي الحدوث، وأمر النّبيّ صلى الله عليه وسلم بالتّنزيه عما يقوله المشركون من الكذب.
3 -
أمر الله نبيّه أيضا أن يترك المشركين يخوضون في باطلهم، ويلعبون في دنياهم، حتى يأتيهم إما العذاب في الدنيا أو في الآخرة.
4 -
كذب الله المشركين بقوله: {وَهُوَ الَّذِي فِي السَّماءِ إِلهٌ.} . في أن لله شريكا وولدا، فهو وحده المستحق للعبادة في السماء والأرض.
قال الرّازي: هذه الآية من أدلّ الدّلائل على أنه تعالى غير مستقرّ في السماء، لأنه تعالى بيّن بهذه الآية أن نسبته إلى السماء بالألوهية كنسبته إلى الأرض، فلما كان إلها للأرض، مع أنه غير مستقرّ فيها، فكذلك يجب أن يكون إلها للسماء، مع أنه لا يكون مستقرّا فيها
(1)
.
5 -
الله تعالى مصدر الخير والبركة، وهو صاحب العظمة، مالك السموات والأرض وما بينهما من المخلوقات والموجودات والعناصر، وهو العالم بوقت قيام القيامة، وإليه مصير الخلق للحساب والجزاء. وقوله:{وَعِنْدَهُ عِلْمُ السّاعَةِ} بعد بيان كمال قدرته: هو التّنبيه على أن من كان كامل الذّات والعلم والقدرة، امتنع عليه اتّخاذ ولد كعيسى موصوف بالعجز وعدم الاطّلاع على أحوال العالم.
(1)
تفسير الرّازي: 232/ 27
6 -
نفى الله تعالى الولد إليه، ثم نفى الشّركاء بقوله:{وَلا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفاعَةَ.} . أي لا يملك عيسى وعزير والملائكة وغيرهم من الأصنام الشّفاعة إلا من شهد بالحقّ وآمن على علم وبصيرة، وهم يعلمون حقيقة ما شهدوا به.
7 -
دلّ قوله تعالى: {إِلاّ مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} على أمرين:
الأول-أنّ الشفاعة بالحقّ غير نافعة إلا مع العلم، وأن التّقليد لا يغني مع عدم العلم بصحة المقالة.
الثاني-أن شرط سائر الشهادات في الحقوق وغيرها أن يكون الشاهد عالما بها،
كما روى البيهقي والحاكم وابن عدي عن ابن عباس-وهو ضعيف-عن النّبي صلى الله عليه وسلم: «إذا رأيت مثل الشمس فاشهد، وإلا فدع» .
8 -
المشركون قوم متناقضون كما ثبت في أول السورة وآخرها، فلما اعتقدوا أن خالق العالم وخالق الحيوانات هو الله تعالى، فكيف أقدموا مع هذا الاعتقاد على عبادة أجسام خسيسة وأصنام جامدة لا تضرّ ولا تنفع؟ الواقع أنهم يكذبون على الله حين يقولون: إن الله أمرنا بعبادة الأصنام.
ودلّ قوله تعالى: {فَأَنّى يُؤْفَكُونَ} على أن إفكهم ليس منهم بل من غيرهم.
9 -
شكا النّبي صلى الله عليه وسلم قومه إلى ربّه بأنّهم لا يؤمنون بالله وحده لا شريك له، ولا برسالته ولا بالقرآن المنزل عليه. وهذه الشكوى صدرت منه صلى الله عليه وسلم بعد أن ضجر منهم، وعرف إصرارهم على الكفر. وهذا قريب مما حكى الله عن نوح أنه قال:{رَبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي، وَاتَّبَعُوا مَنْ لَمْ يَزِدْهُ مالُهُ وَوَلَدُهُ إِلاّ خَساراً} [نوح 21/ 71].
10 -
أمر الله نبيّه بالصّفح عن المشركين صفح الغاضب النّاقم لا الرّاضى بفعلهم، وبالمتاركة حتى حين، فسوف يعلمون ما ينتظرهم من العذاب في الدنيا والآخرة، وهذا تهديد للمشركين، ولا حاجة كما ذكر الرّازي إلى القول بأن هذه الآية منسوخة بآية السّيف، لأن الأمر لا يفيد الفعل إلا مرة واحدة، فإذا أتى به مرة واحدة فقد سقطت دلالة اللفظ، وأما التّكرار فيكون بدليل آخر، كما أن اللفظ قد يتقيّد بقرينة العرف.