الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
{فَأَهْلَكْنا أَشَدَّ مِنْهُمْ بَطْشاً، وَمَضى مَثَلُ الْأَوَّلِينَ} أي فدمرنا وأهلكنا قوما أشد قوة من هؤلاء القوم المكذبين لك يا محمد، وقد سلف في القرآن ذكرهم أكثر من مرة وعرفت سنة الله فيهم، وإذا علمتم ما آل إليه أمرهم بسبب تكذيب الرسل، فاحذروا الوقوع في مثل مصائرهم.
فالمثل: سنتهم أو عقوبتهم كقوله تعالى: {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ، فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ، كانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً وَآثاراً فِي الْأَرْضِ، فَما أَغْنى عَنْهُمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ} [غافر 82/ 40].
أو المثل: عبرتهم، أي جعلناهم عبرة لمن بعدهم من المكذبين أن يصيبهم ما أصابهم، كقوله تعالى:{فَجَعَلْناهُمْ سَلَفاً وَمَثَلاً لِلْآخِرِينَ} [الزخرف 56/ 43] وقوله سبحانه: {سُنَّتَ اللهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبادِهِ} [غافر 85/ 40].
فقه الحياة أو الأحكام:
أرشدت الآيات إلى الأحكام والمبادئ التالية:
1 -
القرآن الكريم أنزله الله بلسان العرب، لأن كل نبي أنزل كتابه بلسان قومه، وجميع ما في القرآن عربي مادة ومعنى، لفظا ونظما، فقد أقسم الله سبحانه بالقرآن أنه جعله عربيا، وأنه جعله مبيّنا، فهو المبيّن للذين أنزل إليهم، لأنّه بلغتهم ولسانهم، ولأنه الذي أبان طريق الهدى من طريق الضلالة، وأبان فيه أحكامه وفرائضه.
2 -
ليس إنزال القرآن باللغة العربية دليلا على أنه خاص بالعرب دون العجم، لأن نصوصه قاطعة الدلالة على عالمية الإسلام للناس كافة، كما هو معروف في مواضع متقدمة، لذا كان تفسير ابن زيد لقوله {لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ}:
لعلكم تتفكرون هو الأولى، لأنه على هذا التأويل يكون خطابا عاما للعرب
والعجم. أما على تفسير ابن عيسى: لعلكم تفهمون أحكامه ومعانيه، فيكون خاصا للعرب دون العجم
(1)
.
والظاهر إرادة كلا المعنيين ولا يلزم التخصيص بالعرب، لأن عموم الرسالة الإسلامية من المبادئ الكبرى المعروفة.
وقوله تعالى {لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} يدل-كما ذكر الرازي-على أن القرآن كله معلوم، وليس فيه شيء مبهم مجهول، خلافا لمن يقول: بعضه معلوم، وبعضه مجهول
(2)
.
3 -
وصف الله تعالى القرآن في السماء بأنه في اللوح المحفوظ لقوله تعالى:
{بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ} [البروج 21/ 85 - 22]، ثم وصف اللوح المحفوظ بأربع صفات هي:
الأولى-أنه {أُمِّ الْكِتابِ} وأصل كل شيء: أمه، أي أن القرآن مثبت عند الله في اللوح المحفوظ.
الثانية-وأنه لدى الله بقوله {لَدَيْنا} . وإنما خصه الله بهذا التشريف لكونه الكتاب المشتمل على جميع ما يقع في ملك الله وملكوته.
الثالثة-كونه عليا، أي كونه عاليا عن وجوه الفساد والبطلان.
الرابعة-كونه حكيما، أي محكما في وجوه البلاغة والفصاحة، وذو حكمة بالغة. ويرى مفسرون آخرون أن هذه الصفات كلها صفات القرآن.
وهذا على تفسير أم الكتاب باللوح المحفوظ، وفي تفسير آخر أنه الآيات المحكمات لقوله تعالى:{هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ، مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ} [آل عمران 7/ 3]
(1)
تفسير القرطبي: 61/ 16.
(2)
تفسير الرازي: 193/ 27.
والمعنى: أن سورة حم واقعة في الآيات المحكمة التي هي الأصل والأم.
4 -
إن اختيار المشركين دين الشرك لا يمنع من تذكيرهم، ووعظهم، وأمرهم، ونهيهم، لطفا من الله ورحمة بهم، وقطعا لحجتهم بعدم البيان والتكليف.
5 -
إن عادة الأمم مع الأنبياء الذين يدعونهم إلى الدين الحق هو التكذيب والاستهزاء، فلا داعي أيها الرسول وأتباعه للتأذي من أقوام، بسبب إقدامهم على التكذيب والاستهزاء، لأن المصيبة إذا عمّت خفّت.
6 -
إن عدد الأنبياء في البشر كثير، فما أكثر ما أرسل الله من الأنبياء، ولكن الله تعالى أهلك أقوامهم الذين كذبوهم واستهزءوا بهم، بالرغم من أنهم كانوا أقوى من هؤلاء المشركين في أبدانهم وأتباعهم. ومضى مثلهم في الأمم الغابرة.
والمثل: العقوبة أو السنّة أو الوصف والخبر، أي سلفت عقوبتهم، أو صفة الأولين بأنهم أهلكوا على كفرهم، أو مضت سنة الله فيهم.
فإذا سلك كفار مكة وغيرهم في الكفر والتكذيب مسلك من كان قبلهم، فليحذروا أن ينزل بهم من الخزي مثل ما نزل بهم، فقد ضرب الله لهم مثلهم، كما قال:{وَكُلاًّ ضَرَبْنا لَهُ الْأَمْثالَ} [الفرقان 39/ 25]{وَضَرَبْنا لَكُمُ الْأَمْثالَ} [إبراهيم 45/ 14].