الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
صلّى الله عليه وسلّم: ما بين جبليها أعزّ ولا أمنع منى، فو الله ما تستطيع أنت ولا ربك أن تفعلا بي شيئا، فنزلت الآية.
المناسبة:
بعد إثبات البعث والقيامة، أعقبه تعالى بذكر ما يتعرض له الكافر يوم القيامة من أهوال بفقد الأعوان والنصراء، وتجرع الزقوم، وشرب المهل عكر الزيت والقطران، وجره بشدة وعنف إلى جهنم، وصب الماء الحميم البالغ منتهى السخونة والحرارة فوق رأسه، وتقريعه والاستهزاء به فيما زعمه من عز وإكرام، جزاء الشك بيوم البعث والقيامة.
التفسير والبيان:
{إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ مِيقاتُهُمْ أَجْمَعِينَ} إن يوم القيامة الذي يفصل الله تعالى فيه بين الخلائق، فيعذب الكافرين، ويثيب المؤمنين، هو ميعاد جميعهم ووقت حسابهم وجزائهم جميعا، يجمعهم كلهم أو لهم عن آخرهم، ليميز المحسن من المسيء، والمحق من المبطل، كقوله تعالى:{إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كانَ مِيقاتاً} [النبأ 17/ 78]. وسمى يوم القيامة {يَوْمَ الْفَصْلِ} لأنه تعالى يفصل بين عباده في الحكم والقضاء، أو يفصل بين أهل الجنة وأهل النار، أو يفصل بين المؤمنين وبين ما يكرهون، وبين الكافرين وبين ما يشتهون، فيفصل بين الوالد وولده، والرجل وزوجته، والمرء وخليله.
{يَوْمَ لا يُغْنِي مَوْلًى عَنْ مَوْلًى شَيْئاً وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ} أي يوم لا ينفع قريب قريبا، ولا يدفع عنه شيئا من العذاب أو الإغناء، ولا هم يمنعون من عذاب الله، فلا يفيد المؤمن الكافر ولا ينصر القريب قريبه، كقوله تعالى:{لَنْ تَنْفَعَكُمْ أَرْحامُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ} [الممتحنة 3/ 60] وقوله سبحانه:
{فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ، فَلا أَنْسابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ، وَلا يَتَساءَلُونَ}
[المؤمنون 101/ 23] وقوله عز وجل: {وَلا يَسْئَلُ حَمِيمٌ حَمِيماً، يُبَصَّرُونَهُمْ} [المعارج 10/ 70 - 11] أي لا يسأل أخ له عن حاله، وهو يراه عيانا، وقوله جل وعلا:{وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً} [البقرة 48/ 2].
{إِلاّ مَنْ رَحِمَ اللهُ إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ} أي لكن من رحمه الله فإنه ينتصر وينجو، ولا يحتاج إلى ناصر غيره، إن الله هو الغالب الذي لا يفلت أحد من أعدائه من عذابه، {الرَّحِيمُ}: ذو الرحمة الواسعة بعباده المؤمنين، وعلى هذا يكون الاستثناء منقطعا، ويجوز أن يكون متصلا، أي لا يغني قريب عن قريب إلا المؤمنين، فإنه يؤذن لهم في شفاعة بعضهم لبعض.
وبعد إقامة الدليل على أن القيامة حق، ووصف ذلك اليوم، أردفه تعالى بوعيد الفجار الكفار الجاحدين لقاءه، قائلا:
{إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ طَعامُ الْأَثِيمِ} أي إن الشجرة التي خلقها الله في جهنم وهي الشجرة الملعونة، يكون ثمرها طعام أهل النار الكثيري الإثم، قولا وفعلا، فإذا جاعوا أكلوا منها، ويدخل معهم أبو جهل. و {الْأَثِيمِ}: مبالغة الآثم.
{كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ، كَغَلْيِ الْحَمِيمِ} أي وذلك الطعام يشبه دردي الزيت، وعكر القطران، والنحاس المذاب، يغلي في بطون الكفار كغلي الماء الشديد الحرارة، لحرارته ورداءته. شبه ما يصير في البطون منها بالمهل: وهو النحاس المذاب.
{خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلى سَواءِ الْجَحِيمِ} يقال للملائكة الذين هم خزنة النار:
خذوا هذا الأثيم، فادفعوه وجروه إلى وسط النار بعنف وغلظة.
{ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذابِ الْحَمِيمِ} أي ثم صبوا على رأسه الماء الشديد الحرارة المتقدم الوصف، كقوله عز وجل:{يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُؤُسِهِمُ الْحَمِيمُ، يُصْهَرُ بِهِ ما فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ} [الحج 19/ 22 - 20].