الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثم نبّه الله تعالى إلى أن الدعوة إلى توحيد الله ونبذ الشرك قديم، فقال:
{وَسْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنا، أَجَعَلْنا مِنْ دُونِ الرَّحْمنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ} أي واسأل سلالات الأمم التي أرسلنا فيها الأنبياء وعلماءهم، هل أذن الله بعبادة الأوثان في ملة من الملل؟ والمعنى: جميع الرسل دعوا إلى عبادة الله وحده لا شريك له، ونهوا عن عبادة الأصنام والأنداد، كما قال جل جلاله:{وَلَقَدْ بَعَثْنا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللهَ، وَاجْتَنِبُوا الطّاغُوتَ} [النحل 36/ 16].
والمراد بهذا التنبيه على إجماع المرسلين على التوحيد، وعلى أن محمّدا صلى الله عليه وسلم ليس ببدع من بين الرسل في الأمر به، وهذا يدل على وحدة الدين الحق في أصوله، ووحدة مهمة الأنبياء عليهم السلام.
وسبب هذا الأمر أن اليهود والمشركين قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: إن ما جئت به مخالف لمن كان قبلك، فأمره الله بسؤاله الأنبياء على جهة التوقيف والتقرير والتأكيد، لا لأنه كان في شك منه.
فقه الحياة أو الأحكام:
يؤخذ من الآيات ما يلي:
1 -
إن الإضلال من الله تعالى لا يكون إلا بعد إعراض الناس عن أوامر الله، فمن يتعام ويتغافل عن آيات القرآن وشرائعه وأحكامه، ويعرض عنها إلى أقاويل المضلين وأباطيلهم، نهيئ شيطانا يغويه، جزاء على كفره، فهو له قرين وصاحب ملازم في الدنيا، يمنعه من الحلال، ويبعثه على الحرام، وينهاه عن الطاعة، ويأمره بالمعصية، وقرين له في الآخرة في العذاب المشترك بينهما.
قال أبو سعيد الخدري: «إذا بعث الكافر زوّج بقرينه من الشياطين، فلا يفارقه حتى يصير به إلى النار» .
2 -
إن مهمة الشياطين خطيرة تستوجب الحذر من وساوسهم وإغواءاتهم، فهم يصدرون الناس عن سبيل الهدى، حتى يخيل للكفار ويجعلهم يظنون أنهم مهتدون. وقيل: ويحسب الكفار أن الشياطين مهتدون، فيطيعونهم.
3 -
تتجلى الحقيقة المرّة في الآخرة، حين يتبرأ الكافر من الشيطان، ويتمنى البعد عنه كالبعد بين المشرق والمغرب، ويقول له: فبئس القرين أنت، لأنه يورده النار. قال الفراء: أراد المشرق والمغرب، فغلّب اسم أحدهما، كما يقال:
القمران للشمس والقمر، والعمران لأبي بكر وعمر، والبصرتان للكوفة والبصرة، والعصران للغداة (الظهر) والعصر.
4 -
يقول الله للكافر يوم القيامة توبيخا: لن ينفعكم اليوم إذا أشركتم في الدنيا هذا الكلام، وهو قول الكافر:{يا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ} أي لا تنفع الندامة، فإنكم في العذاب مشتركون. أو لن ينفعكم اليوم اشتراككم في العذاب، لأن لكل واحد نصيبه الأوفر منه، ولا ينفع أهل النار التأسي كما يتأسّى أهل المصائب في الدنيا، فيقول أحدهم: لي في البلاء والمصيبة أسوة، فيسكّن ذلك من حزنه، فإذا كان في الآخرة لم ينفعهم التأسي شيئا لشغلهم بالعذاب.
5 -
سلّى الله نبيه عن حزنه وأسفه لإعراض قومه عن قبول رسالته، وقال له: ليس لك من الأمر شيء، فلا تستطيع هداية العشيّ الصمّ العمي الضالين، فلا يضيق صدرك إن كفروا.
قال القرطبي في قوله تعالى: {أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ.} .: فيه رد على القدرية وغيرهم، وأن الهدى والرشد والخذلان في القلب خلق الله تعالى، يضلّ من يشاء، ويهدي من يشاء.
6 -
إن تعذيب المشركين آت عاجلا أم آجلا، سواء في حال حياة النبي صلى الله عليه وسلم أو بعد وفاته، فالله قادر على كل شيء.
7 -
رفع الله تعالى من معنويات نبيه إلى القمّة بأمرين:
الأول-إعلامه بأنه على صراط مستقيم يوصله إلى الله ورضاه وثوابه.
الثاني-إعلاء مجده وشرفه بالقرآن الذي هو شرف له ولقومه من قريش والعرب قاطبة، إذ نزل بلغتهم وعلى رجل منهم، وسوف تسألون عن الشكر عليه، وعن العمل بتكاليفه. قال المحققون: في الآية دلالة على أن الذكر الجميل أمر مرغوب فيه لعموم أثره وشموله كل مكان وكل زمان.
وقال القرطبي: والصحيح أنه شرف لمن عمل به، كان من قريش أو من غيرهم.
أخرج الطبري عن ابن عباس قال: أقبل نبي الله صلى الله عليه وسلم من سريّة أو غزاة، فدعا فاطمة، فقال:«يا فاطمة اشتري نفسك من الله، فإنّي لا أغني عنك من الله شيئا» وقال مثل ذلك لنسوته، ولعترته، ثم قال صلى الله عليه وسلم: «ما بنو هاشم بأولى الناس بأمتي، إن أولى الناس بأمتي المتقون، ولا قريش بأولى الناس بأمتي، إن أولى الناس بأمتي المتقون، ولا الأنصار بأولى الناس بأمتي، إن أولى الناس بأمتي المتقون، ولا الموالي بأولى الناس بأمتي، إن أولى الناس بأمتي المتقون. إنما أنتم من رجل وامرأة كجمام
(1)
الصاع، ليس لأحد على أحد فضل إلا بالتقوى».
وأخرج الطبري أيضا عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لينتهين أقوام يفتخرون بفحم من فحم جهنم، أو يكونون شرّا عند الله من الجعلان التي تدفع النّتن بأنفها، كلكم بنو آدم، وآدم من تراب، إن الله أذهب عنكم عيبة الجاهلية وفخرها بالآباء، الناس مؤمن تقي وفاجر شقي»
(2)
.
(1)
الجمام: ما عدا رأس المكيال من الطفاف.
(2)
تفسير القرطبي: 64/ 16.