الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
{بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ} أي إن جنس الظلم علة موالاة بعضهم بعضا، فلا توالهم باتباع أهوائهم {وَاللهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ} نصير المؤمنين {هذا} القرآن {بَصائِرُ لِلنّاسِ} معالم للدين يتبصرون بها وجه الفلاح في الأحكام والحدود {وَهُدىً} من الضلال {وَرَحْمَةٌ} ونعمة من الله {لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} يطلبون اليقين.
المناسبة:
بعد بيان بعض نعم الله في الدنيا على الناس جميعا فهي نعم عامة، ذكر تعالى نعم الدين والدنيا على بني إسرائيل فهي نعم خاصة، وبما أن نعم الدين أفضل من نعم الدنيا، بدأ تعالى بتعداد نعمه الدينية عليهم، وأتبعها بالنعمة العظمى على الإنسانية وهي الشريعة الإسلامية التي لم يبق في الوجود دليل آخر سواها على صحة مصدريتها من الله سبحانه، فكانت هي البصائر والهدى والرحمة.
التفسير والبيان:
{وَلَقَدْ آتَيْنا بَنِي إِسْرائِيلَ الْكِتابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ، وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ، وَفَضَّلْناهُمْ عَلَى الْعالَمِينَ. وَآتَيْناهُمْ بَيِّناتٍ مِنَ الْأَمْرِ..} . أي تا لله لقد أعطينا بني إسرائيل نعما خاصة، أذكر منها هنا ستا وهي:
1 -
إنزال التوراة على موسى عليه السلام التي فيها هدى ونور.
2 -
الفهم والفقه لفصل القضاء والخصومات بين الناس، لأنهم جمعوا بين حكم الدين وحكم الدنيا، فجعل الملك فيهم.
3 -
إرسال الرسل إليهم، كموسى وهارون عليهما السلام وغيرهما من الأنبياء الكثيرين.
4 -
إمدادهم بطيبات الرزق المباحة المستلذة من المآكل والمشارب كالمن والسلوى.
5 -
تفضيلهم على عالمي زمانهم من الناس، حيث كثر فيهم الأنبياء، وجمعوا بين الملك والنبوة، وأوتوا من المعجزات العامة المادية الباهرة، كفلق البحر وتظليل الغمام، والإنجاء من ظلم فرعون وجنوده، فكانوا أرفع درجة وأعلى منقبة بين الشعوب في عصرهم.
6 -
إيتاؤهم الحجج والبراهين والمعجزات والأدلة القاطعة، والأحكام والمواعظ والشرائع الواضحة في الحلال والحرام.
ومع كل هذا لم يشكروا تلك النعم، بل اختلفوا في أمر الدين، كما قال تعالى:
{فَمَا اخْتَلَفُوا إِلاّ مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ} أي فما وقع الاختلاف بينهم في أمر الدين إلا بعد العلم بحقيقة الحال، وبعد قيام الحجة عليهم، حبا للرئاسة، وعداوة وحسدا وعنادا، وبغيا منهم على بعضهم بعضا.
والخلاف في الأشياء يستتبع القضاء، لذا قال تعالى:
{إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} أي إن الله سيفصل بينهم بحكمه العدل يوم القيامة فيما اختلفوا فيه من أمر الدين، فيجازي المحسن بإحسانه، والمسيء بإساءته، ويبيّن المحقّ من المبطل.
وفي هذا تحذير للأمة الإسلامية أن تختلف مثل اختلاف بني إسرائيل، لذا قال تعالى:
{ثُمَّ جَعَلْناكَ عَلى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْها، وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ} أي ثم جعلناك يا محمد على طريقة ومنهاج من أمر الدين يوصلك إلى الحق، فاتبع ما أوحي إليك من ربك، واعمل بأحكام شريعتك المؤيدة بالأدلة الواضحة في أمتك، ولا تتبع ما لا حجة فيه من أهواء الجهال المشركين الذين
لا يعلمون توحيد الله وشرائعه لعباده، وهم كفار قريش ومن وافقهم. قال الكلبي: إن رؤساء قريش قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم وهو بمكة: ارجع إلى ملة آبائك، وهم كانوا أفضل منك وأسنّ، فزجره الله تعالى عن ذلك بقوله:{وَلا تَتَّبِعْ} الآية، أي لو ملت إلى أديانهم الباطلة لصرت مستحقا للعذاب، وهم لا يقدرون على دفعه عنك.
وعلة النهي عن اتباع أهوائهم هي ما قال تعالى:
{إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللهِ شَيْئاً} أي إن هؤلاء المشركين الجهلة لن يدفعوا عنك من الله شيئا أراده بك إن اتبعت أهواءهم وخالفت شريعتك.
{وَإِنَّ الظّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ، وَاللهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ} أي وإن هؤلاء الكافرين ينصر بعضهم بعضا، فالمنافقون أولياء اليهود في الدنيا، ولكن تناصرهم لا يفيدهم شيئا في الآخرة، ولا يزيدونهم إلا خسارا ودمارا وهلاكا، والله ناصر المؤمنين الذين اتقوا الشرك والمعاصي، فيخرجهم من الظلمات إلى النور، أما الذين كفروا فأولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات. وهذه تفرقة واضحة بين ولاية الله للمتقين، وولاية الظالمين لبعضهم.
ثم بيّن الله تعالى فضل القرآن الدائم الخالد، قائلا:
{هذا بَصائِرُ لِلنّاسِ، وَهُدىً، وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} أي هذا القرآن المشتمل على شرائع الله الخالدة إلى يوم القيامة هو دلائل وبراهين للناس جميعا فيما يحتاجون إليه من أحكام الدين، وهاد إلى الجنة من عمل به، ورحمة من الله وعذابه في الدنيا والآخرة لقوم من شأنهم الإيقان وعدم الشك بصحته وتعظيم ما فيه.
وإنما خص الموقنين بذلك، لأنهم المنتفعون به.