الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَما فِي الْأَرْضِ} أي وإنك يا محمد لتهدي بذلك النوع إلى المنهج السليم، والحق القويم، الذي هو شرع الله الذي أمر به، وطريق الله الذي له ملك السموات والأرض، وربّهما المتصرف فيهما، والحاكم الذي لا معقّب لحكمه. وفي إضافة الصراط إلى اسم الجلالة تعظيم له وتفخيم لشأنه.
{أَلا إِلَى اللهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ} أي ألا أيها الخلائق ترجع الأمور كلها يوم القيامة إلى الله تعالى، لا إلى غيره، فيحكم فيها بقضائه العدل. وهذا وعد للمتّقين المهتدين، ووعيد للظالمين الكافرين.
فقه الحياة أو الأحكام:
يستنبط من الآيات ما يلي:
1 -
إن مظاهر الوحي إلى الأنبياء والرّسل منحصرة في ثلاثة أنواع هي:
الأول-الإلهام المباشر والإلقاء في القلب معاني ذات دلالة عامة وصبغة تشريعية، تستقر في النفس.
الثاني-إسماع الله كلامه للنّبي من غير واسطة.
الثالث-إرسال رسول من الملائكة لتبليغ الرسالة، كإرسال جبريل عليه السلام.
2 -
فهم المعتزلة من حصر الوحي بهذه الأنواع أن رؤية الله غير جائزة في الآخرة، إذ لو صحّت رؤية الله تعالى، لصحّ من الله تعالى أن يتكلّم مع العبد حالما يراه العبد، فيكون ذلك قسما رابعا زائدا، وقد نفاه الله تعالى بقوله:
{وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ.} . إلا على هذه الأوجه الثلاثة.
والجواب أن في الآية قيدا: هو ما كان لبشر أن يكلّمه الله في الدنيا إلا على
هذه الأقسام الثلاثة، وزيادة هذا القيد مفهومة من السياق، ويجب المصير إليها للتوفيق بين هذه الآية وبين الآيات الدالة على حصول الرؤية في يوم القيامة، مثل قوله تعالى:{وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ، إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ} [القيامة 22/ 75 - 23].
3 -
احتجّ بهذه الآية: {أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً} الإمام مالك والنّخعي على أن من حلف ألا يكلّم رجلا، فأرسل إليه رسولا، أنه حانث، لأن المرسل قد سمّي مكلّما للمرسل إليه، إلا أن ينوي الحالف المواجهة بالخطاب. قال ابن عبد البرّ:
ومن حلف ألا يكلّم رجلا فسلّم عليه عامدا أو ساهيا، أو سلّم على جماعة هو فيهم، فقد حنث في ذلك كله عند مالك. وإن أرسل إليه رسولا أو سلّم عليه في الصلاة، لم يحنث.
4 -
الصحيح عند أهل الحق أن الملك عند ما يبلّغ الوحي إلى الرسول، لا يقدر الشيطان على إلقاء الباطل في أثناء ذلك الوحي.
والملائكة يقدرون على أن يظهروا أنفسهم على أشكال مختلفة.
ولا يسمى كلام الله مع إبليس من غير واسطة وحيا من الله تعالى إليه.
5 -
حقيقة الوحي واحدة بالنسبة لجميع الأنبياء، ومظاهرها وأنواعها متعددة، ذكرت الآية منها هنا ثلاثة فقط.
6 -
ظاهر الآية: {ما كُنْتَ تَدْرِي.} . يدلّ على أنه لم يكن النّبي قبل الإيحاء متّصفا بالإيمان، والصّواب أن الأنبياء معصومون قبل النّبوة من الجهل بالله وصفاته والتّشكك في شيء من ذلك، وقد تعاضدت الأخبار عن الأنبياء بتنزيههم عن هذه النقيصة منذ ولدوا، ونشأتهم على التوحيد والإيمان. وإنما المراد بالإيمان هنا: الشرائع والأحكام المعتمدة على الوحي الإلهي، فقد أطلق الإيمان على الصلاة في قوله تعالى:{وَما كانَ اللهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ} [البقرة 143/ 2].
والآية دليل على أن النبيّ صلى الله عليه وسلم لم يكن قبل النّبوة متعبّدا بشرع ما.
وذهبت المعتزلة إلى أنه لا بدّ أن يكون على دين، ولكن عين الدّين غير معلومة عندنا. وهذا وإن كان جائزا عقلا، لكن ليس عليه دليل قاطع.
قال القرطبي: والذي يقطع به أنه صلى الله عليه وسلم لم يكن منسوبا إلى واحد من الأنبياء نسبة تقتضي أن يكون واحدا من أمته، ومخاطبا بكلّ شريعته، بل شريعته مستقبلة بنفسها، مفتتحة من عند الله الحاكم جلّ وعزّ. وأنه صلى الله عليه وسلم كان مؤمنا بالله عز وجل، ولا سجد لصنم، ولا أشرك بالله، ولا زنى، ولا شرب الخمر، ولا شهد السامر
(1)
، ولا حضر حلف المطيّبين
(2)
، بل نزهه الله وصانه عن ذلك
(3)
.
ولكنه صلى الله عليه وسلم حضر حلف الفضول، فقال:«شهدت في دار عبد الله بن جدعان حلفا لو دعيت إلى مثله في الإسلام لأجبت» .
7 -
لم يكن النّبي صلى الله عليه وسلم قبل البعثة عالما بالقرآن، فهو أميّ لا يقرأ ولا يكتب، ولا بالإيمان، أي شرائع الإيمان ومعالمه، لا أصل الإيمان فإنه صلى الله عليه وسلم كان مؤمنا بالله عز وجل من حين نشأ إلى حين بلوغه، كما تقدّم.
8 -
إن القرآن العظيم الذي أوحى الله به إلى النّبي صلى الله عليه وسلم هو نور وهداية، يدعو ويرشد إلى دين قويم لا اعوجاج فيه، وهو دين الإسلام. والمقصود بالهداية: الدعوة إلى الدّين الحقّ وإيضاح الأدلّة.
(1)
السامر: الموضع الذي يجتمعون فيه للسّمر.
(2)
حلف المطيبين: حدث حينما اجتمع بنو هاشم وبنو زهرة وتيم في دار ابن جدعان في الجاهلية، وجعلوا طيبا في جفنة وغمسوا أيديهم فيه، وتحالفوا على التّناصر والأخذ من المظلوم للظالم، فسمّوا المطيبين.
(3)
تفسير القرطبي: 59/ 16.
والله الذي أنزله له جميع ما في السموات وما في الأرض ملكا وعبدا وخلقا وإليه مصير الخلائق جميعهم. وهذا وعيد بالبعث والجزاء، ووعد بالثواب للمؤمنين الصالحين، وتنبيه إلى أن الذي تجوز عبادته هو الذي يملك السموات والأرض، والغرض منه إبطال قول من يعبد غير الله، والإفادة بأنه تعالى يجازي كلّ إنسان بما يستحقه من ثواب أو عقاب.
9 -
دلّ قوله تعالى: {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ} على أنه كما أن القرآن يهدي، فكذلك الرسول يهدي، أي يرشد.