الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأعطيناهم على يد موسى عليه السلام المعجزات الظاهرة والبراهين الواضحة، وخوارق العادات، مما فيه اختبار ظاهر، وامتحان واضح لمن اهتدى به، ولننظر كيف يعملون. ومنها: إنجاؤهم من الغرق، وتظليل الغمام عليهم، وإنزال المن والسلوى لهم.
فقه الحياة أو الأحكام:
أرشدت الآيات الكريمات إلى ما يأتي:
1 -
لا يغترن أحد بمال أو جاه أو سلطان أو عزّ أو حكم قوي، فذلك كله للاختبار والامتحان، فقد ابتلى الله قوم فرعون بالأمر بطاعة الله ورسولهم موسى عليه السلام، فكذبوا وكفروا، والمقصود أنه عاملهم معاملة المختبر ببعثة موسى إليهم، فكذبوا فأهلكوا، وهكذا يفعل بأعداء محمد صلى الله عليه وسلم إن لم يؤمنوا.
2 -
طلب موسى عليه السلام من فرعون وقومه أن يتبعوه في رسالته، كما قال ابن عباس، أو أن يرسلوا معه بني إسرائيل ويطلقوهم من العذاب، كما قال مجاهد، وهو في الحالين أمين على الوحي، فما عليهم إلا أن يقبلوا نصحه.
3 -
اتبع موسى عليه السلام معهم أسلوبا لطيفا، فنصحهم بألا يتكبروا على الله ولا يترفعوا عن طاعته، وخاطبهم بما يقنع عقلا ومنطقا، فذكر لهم أنه يأتيهم بحجة بينة وبرهان واضح على صدقه، وصحة دعوته، وإثبات ألوهية الله الواحد الأحد، وحرص على مسالمتهم قائلا: إن لم تصدقوني ولم تؤمنوا بالله لأجل برهاني، فدعوني واتركوني، وخلّوا سبيلي وكفّوا عن أذاي.
4 -
لم يدع نبي على قومه إلا بعد اليأس من إيمانهم، وهكذا فعل موسى عليه السلام، فإنه لما وجد إصرار فرعون وقومه على الكفر دعا ربه بأن هؤلاء قوم مشركون، امتنعوا من الإيمان، ومن إطلاق بني إسرائيل.
5 -
أجاب الله دعاء موسى عليه السلام، فأمره بأن يسير بمن آمن بالله من بني إسرائيل ليلا قبل الصباح، فإن فرعون وقومه سيتبعونهم حينما يعلمون بخروجهم.
وسير الليل في الغالب إنما يكون عن خوف إما من العدو، وإما من خوف المشقة على الدواب والأبدان.
وأمره ربه أيضا أن يترك البحر الذي فتح لهم أثناء العبور بأمر من الله مفتوحا ساكنا على حاله، لا يضربه بعصاه حتى يعود كما كان، وذلك استدراج لقوم فرعون ليعبروا فيغرقهم الله بعد أن نجى بني إسرائيل.
6 -
دلت آية {كَمْ تَرَكُوا..} . على أنه تعالى أغرق قوم فرعون، ثم ذكر أنهم تركوا أشياء خمسة: هي الجنات والعيون والزروع والمقام الكريم والنّعمة بالفتح من التنعيم، أي حسن العيش ونضارته، أو سعة العيش والراحة.
أما النّعمة بالكسر من الإنعام: فهي إحسان الله وعطاؤه وأفضاله.
وورث تعالى تلك الديار بما فيها من الخيرات لبني إسرائيل، بعد أن كانوا مستعبدين فيها، فصاروا لها وارثين، كوصول الميراث إلى مستحقيه.
7 -
لا أسف ولا حزن على إهلاك فرعون وجنوده، لأنهم لم يعملوا على الأرض عملا صالحا تبكي عليهم السماء والأرض لأجله، ولا صعد لهم إلى السماء عمل صالح، فتبكي فقد ذلك.
قال مجاهد: إن السماء والأرض يبكيان على المؤمنين أربعين صباحا. وقال علي وابن عباس رضي الله عنهما في المؤمن: إنه يبكي عليه مصلاّه من الأرض، ومصعد عمله من السماء. وهذا تعبير كنائي يراد به فقد الأعمال الصالحة.
قال الواحدي في البسيط: روى أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال فيما رواه أبو يعلى
وأبو نعيم في الحلية: «ما من عبد مسلم إلا له بابان في السماء: باب ينزل منه رزقه، وباب يدخل فيه عمله وكلامه، فإذا فقداه بكيا عليه» وتلا هذه الآية.
8 -
امتن الله تعالى بحق على بني إسرائيل بعد إهلاك فرعون وقومه إذ نجّاهم أولا من بطش فرعون وظلمه واستعباده لهم، وقتله الأبناء، واستخدام النساء، وتكليفهم بالأعمال الشاقة، لأن فرعون كان جبارا عاليا من المشركين، وليس هذا علو مدح بل علو إسراف.
9 -
ثم ذكر ثانيا أنه تعالى اختارهم على علم منه باستحقاقهم على عالمي زمانهم، لكثرة الأنبياء منهم، وإيمانهم بموسى وصلاحهم، فلما بدّلوا تبدل الحال، وغضب الله عليهم ولعنهم، وأعد لهم جهنّم وساءت مصيرا.
10 -
ثم أبان ثالثا أنه تعالى أمدهم بالآيات البينات في التوراة، وبمعجزات موسى التسع، كإنجائهم من فرعون، وفلق البحر لهم، وتظليل الغمام عليهم، وإنزال المن والسلوى.
11 -
لقد تبين الفارق الواضح في هذه القصة بين الكافرين وبين المؤمنين، فقد أغرق الله الكفار الأشداء، ونجّى المؤمنين، وجعل العاقبة للمتقين، والنصر للصادقين الصابرين المستضعفين، وهذا عدل من الله تعالى، إذ لا يعقل التسوية بين الطائعين والعصاة.
فليعتبر بهذا كفار قريش وأمثالهم، فقد أهلك الله من هم أشد منهم قوة وأكثر أموالا وأولادا، وأعز سلطانا ومجدا، وأقوى علما وحضارة.