الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المفردات اللغوية:
{خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ} هذا مقول المشركين، أي خلقهن ذو العزة والعلم {الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْداً} استئناف من الله تعالى، المهد: الفراش، كالمهد للصبي، فتستقرون فيها {سُبُلاً}: طرقا، جمع سبيل، أي طريق {لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} لكي تهتدوا إلى مقاصدكم أو إلى حكمة الصانع بالنظر في ذلك.
{بِقَدَرٍ} بمقدار أو تقدير ينفع ولا يضر، بحسب الحاجة، ولم يجعله طوفانا {فَأَنْشَرْنا} أحيينا {بَلْدَةً مَيْتاً} خالية من النبات، وتذكير كلمة «ميت» لأن البلدة بمعنى البلد والمكان {كَذلِكَ} مثل ذلك الإنشار (الإحياء){تُخْرَجُونَ} من قبوركم أحياء.
{وَالَّذِي خَلَقَ الْأَزْواجَ كُلَّها} أصناف المخلوقات {الْفُلْكِ} السفن {وَالْأَنْعامِ} الإبل والبقر والغنم {لِتَسْتَوُوا عَلى ظُهُورِهِ} لتستقروا على ظهور ما تركبون {سَخَّرَ} ذلل {مُقْرِنِينَ} مطيقين، مأخوذ من أقرن الشيء: إذا أطاقه، وأصله: وجده قرينه {لَمُنْقَلِبُونَ} راجعون، فالنقلة العظمى هي الانقلاب إلى الله تعالى، لتجازى كل نفس بما كسبت.
المناسبة:
هذه الآيات تذكير للمشركين المسرفين في أعمالهم وإعراضهم عن القرآن بأنهم يقرون بوجود الخالق، وتذكير لهم أيضا بنعم الله ومصنوعاته وصفاته التي عدّد منها هنا ثماني صفات، ثم أردفها بتعليم عباده ذكر الله في قلوبهم وعلى ألسنتهم،
فعنه صلى الله عليه وسلم: أنه كان إذا وضع رجله في الركاب قال: بسم الله، فإذا استوى على الدابة قال: الحمد لله على كل حال {سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنا هذا} -إلى قوله- {وَإِنّا إِلى رَبِّنا لَمُنْقَلِبُونَ} .
التفسير والبيان:
ذكر الله تعالى في هذه الآيات كما أشرت ثماني صفات له وهي:
1 -
3: كونه خالقا للسموات والأرض، العزيز، العليم:{وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ: خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ} أي تالله لئن سألت
أيها النبي هؤلاء المشركين بالله العابدين معه غيره من قومك: من الذي خلق السموات والأرض؟ لأجابوا واعترفوا بأن الخالق لذلك هو الله وحده لا شريك له، وهو العزيز، أي الغالب القوي، إشارة إلى كمال القدرة، العليم، أي الواسع العلم، إشارة إلى كمال العلم.
وكمال القدرة والعلم دليل على أن الموصوف به قادر على خلق جميع الممكنات. ومع هذا فهم يعبدون مع الله إلها آخر من الأصنام والأنداد.
4 -
الذي جعل الأرض ممهدة كالفراش: {الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْداً} أي إنه تعالى الذي جعل لكم الأرض ممهدة كالفراش والبساط، صالحة للإقامة والاستقرار عليها، فمع أنها تدور وتتحرك، فهي ثابتة أرساها الله بالجبال، لئلا تميد وتضطرب.
5 -
وخلق فيها الطرق: {وَجَعَلَ لَكُمْ فِيها سُبُلاً، لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} أي وأوجد فيها الطرق والمسالك بين الجبال والأودية، لتهتدوا بسلوكها إلى مقاصدكم ومنافعكم، وتنتقلوا إلى أرجاء البلاد، للمتاجرة وطلب الرزق والسياحة وغير ذلك.
6 -
منزل الغيث النافع وباعث الناس: {وَالَّذِي نَزَّلَ مِنَ السَّماءِ ماءً بِقَدَرٍ، فَأَنْشَرْنا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً، كَذلِكَ تُخْرَجُونَ} أي والله هو الذي أنزل المطر من السماء بقدر الحاجة وحسبما تقتضيه المصلحة للزروع والثمار والشرب، ولم ينزل عليكم منه فوق حاجتكم، لئلا يحدث الطوفان والغرق وهدم المنازل وتلف المزارع، ولا دون الحاجة، حتى لا يكفي النبات والزرع والناس.
فأحيينا بذلك الماء البلاد الميتة المقفرة التي لا نبات فيها، فلما جاءها الماء، اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج. وكما أحيينا الأرض بعد موتها نحيي الأجساد يوم المعاد بعد موتها، وتبعثون من قبوركم أحياء.
ونحو الآية قوله تعالى: {وَاللهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ، فَتُثِيرُ سَحاباً فَسُقْناهُ إِلى بَلَدٍ مَيِّتٍ، فَأَحْيَيْنا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها، كَذلِكَ النُّشُورُ} [فاطر 9/ 35].
وظاهر الآية هنا يقتضي أن الماء ينزل من السماء، والواقع أنه ينزل من السحاب، وسمي نازلا من السماء، لأن كل ما سماك أو علاك فهو سماء. وقوله:
{وَكَذلِكَ تُخْرَجُونَ} كما يدل على قدرة الله وحكمته، فكذلك يدل على قدرته على البعث والقيامة، ووجه التشبيه أنه يجعلهم أحياء بعد الإماتة، كهذه الأرض التي أحييت بالنبات الأخضر والثمر اليانع بعد ما كانت ميتة.
7 -
كونه خالقا أصناف الأشياء: {وَالَّذِي خَلَقَ الْأَزْواجَ كُلَّها} أي والله هو الذي خلق الأصناف كلها من نبات وزرع وشجر وثمر، وإنسان وحيوان وغير ذلك مما نعلمه وما لا نعلمه.
8 -
خالق وسيلة الركوب من الفلك والأنعام: {وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعامِ ما تَرْكَبُونَ} أي والله الذي خلق لكم بالإلهام والتعليم وسيلة الركوب في البحر وهي السفن، وأوجد واسطة الركوب في البر من الأنعام وهي الإبل، إذ المعهود أنه لا يركب من الأنعام إلا هي، والله هو الذي ذلّلها لكم وسخّرها ويسّرها لركوب ظهورها، وكذا لأكل لحومها وشرب ألبانها والانتفاع بأوبارها،
قال صلى الله عليه وسلم فيما رواه أحمد والشيخان والنسائي عن أبي هريرة: «بينما رجل راكب بقرة إذ قالت له: لم أخلق لهذا، إنما خلقت للحرث، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: آمنت بذلك أنا وأبو بكر وعمر»
(1)
.
ولا تقتصر وسائل الركوب على السفن والإبل، فهناك آية أخرى تشمل الدواب والسيارات والقطارات والطائرات ونحوها من وسائل المواصلات الحديثة، وهي قوله تعالى:{وَالْخَيْلَ وَالْبِغالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوها وَزِينَةً، وَيَخْلُقُ ما لا تَعْلَمُونَ} [النحل 8/ 16].
(1)
ولم يكونا حاضرين حينئذ.
{سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنا هذا وَما كُنّا لَهُ مُقْرِنِينَ} أي لتستقروا ولتستعلوا متمكنين مرتفقين على ظهور هذا الجنس من المخلوقات وهو ما تركبونه من الفلك والأنعام، ثم تذكروا مع التعظيم في قلوبكم وألسنتكم نعمة الله التي أنعم بها عليكم من تسخير المراكب في البحر والبر، فتعرفوا أن الله تعالى خلق وجه البحر صالحا للأبحار والرياح قوة دافعة، وعلّم الإنسان كيفية صنع السفينة على نحو يتمكن فيها من الأبحار عليها إلى أي مكان شاء وأراد.
وتقولوا إذا استويتم وركبتم على المركوب. {سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنا هذا وَما كُنّا لَهُ مُقْرِنِينَ} أي تنزيها لله، عن كل عجز ونقص لا يليق، الذي ذلل لنا هذا المركب، وما كنا مطيقين لتسخيره لولا أن سخره الله لنا.
{وَإِنّا إِلى رَبِّنا لَمُنْقَلِبُونَ} أي وإنا لصائرون راجعون إليه بعد مماتنا، فيجازي كل نفس بما عملت من خير أو شر. ووجه اتصال هذا الكلام بما قبله أن ركوب الفلك والأنعام عرضة لخطر الهلاك، فوجب على الراكب أن يتذكر أمر الموت وأن يعتقد أنه هالك لا محالة، وأنه راجع إلى الله تعالى.
أخرج مسلم وأبو داود والنسائي والترمذي عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: «إن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا ركب راحلته، كبّر ثلاثا، ثم قال:
{سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنا هذا وَما كُنّا لَهُ مُقْرِنِينَ، وَإِنّا إِلى رَبِّنا لَمُنْقَلِبُونَ} ثم يقول: اللهم إني أسألك في سفري هذا البر والتقوى، ومن العمل ما ترضى، اللهم هوّن علينا السفر، واطو لنا البعيد، اللهم أنت الصاحب في السفر، والخليفة في الأهل، اللهم اصحبنا في سفرنا، وأخلفنا في أهلنا». وكان صلى الله عليه وسلم إذا رجع إلى أهله قال:«آيبون تائبون إن شاء الله عابدون، لربنا حامدون» .