الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
طلحة: قم يا أبا بكر، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا رسول الله، فأنزل الله هذه الآية:{وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطاناً} الآية.
سبب نزول الآية (41):
{أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ.} .: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعب نفسه في دعاء قومه، وهم لا يزيدون إلا غاليا، فنزلت الآية:{أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ.} . الآية.
المناسبة:
بعد أن بيّن الله تعالى أن المال متاع الدنيا، وهو زائل، نبّه إلى آفات المال، لأن من فاز بالمال والجاه صار كالأعشى عن ذكر الله، وصار من جلساء الشياطين الضالين المضلين الذين يصدون الناس عن طريق الهداية في الدنيا، أما في الآخرة فيتبرأ الكافر من قرينه الشيطان. وهما في العذاب مشتركان، والاشتراك في العذاب لا يفيد التخفيف كما كان يفيده في الدنيا.
وبعد أن وصف الله تعالى المعرضين عن ذكره بالعشا، وصفهم أيضا بالصمم والعمى، بسبب كونهم في ضلال مبين، ولما بيّن تعالى أن دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم لا تؤثر في قلوب هؤلاء، تسلية للرسول صلى الله عليه وسلم، بيّن أنه لا بد وأن ينتقم لأجله منهم، إما حال حياته أو بعد وفاته، ثم أمره ربه أن يتمسك بما أمره به، فإنه على صراط مستقيم نافع، هو منهج القرآن الذي فيه شرف عظيم له ولقومه، وسوف يسألون عن القيام بحقه.
ثم أبان تعالى أن إنكار عبادة الأصنام في رسالة محمد صلى الله عليه وسلم ليس خاصا به، بل كل الأنبياء والرسل كانوا مجمعين على إنكاره.
التفسير والبيان:
{وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطاناً، فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ} أي ومن
يتعام ويتغافل ويعرض عن النظر في القرآن والعمل به، نهيئ له شيطانا يوسوس له ويغويه، فهو له ملازم لا يفارقه، بل يتبعه في جميع أموره، ويطيعه في كل ما يزين له به. والعشا في العين: ضعف البصر، والمراد هنا عشا البصيرة.
والمراد بالآية: إن من يعرف كون القرآن حقا ولكنه يتجاهل ذلك فهو في ضلال، ومادة كل آفة وبلية الركون إلى الدنيا وأهلها، فإن ذلك بمنزلة الرمد للبصر، ثم يصير بالتدريج كالعشى، ثم كالعمى.
والآية مثل قوله تعالى: {وَقَيَّضْنا لَهُمْ قُرَناءَ، فَزَيَّنُوا لَهُمْ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ} [فصلت 25/ 41]. وجاء في صحيح مسلم وغيره أن مع كل مسلم قرينا من الجن، وأن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم.
{وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ، وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ} أي وإن الشياطين الذين يقيّضهم الله لكل من يعشو عن ذكر الرحمن، ليمنعونهم بالوسواس عن سبيل الحق والرشاد، ويحسب الكفار بسبب تلك الوسوسة أنهم مهتدون إلى الحق والصواب.
ثم يتبرأ الكافر في الآخرة من قرينة الشيطان، فقال تعالى:
{حَتّى إِذا جاءَنا قالَ: يا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ، فَبِئْسَ الْقَرِينُ} أي حتى إذا وافانا الكافر يوم القيامة، يتبرم بالشيطان الذي وكل به، ويتبرأ منه، ويتمنى الكافر أن بينه وبين الشيطان المقارن له من البعد ما بين المشرق والمغرب، فبئس الصاحب الملازم للإنسان شيطانه.
وقرأ بعضهم: «حتى إذا جاءنا» أي القرين والمقارن.
ويقال لهم يوم القيامة توبيخا كما حكى تعالى:
{وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذابِ مُشْتَرِكُونَ} أي ويقال لهم في الآخرة توبيخا وتأنيبا وتيئيسا: لن ينفعكم في هذا إذ تبين أنكم ظلمتم أنفسكم في الدنيا اشتراككم في العذاب، فلا يخفف عن كل منكما شيء منه، بخلاف حال الدنيا، فإن المصيبة فيها إذا عمت هانت. وهذا يدل على أن حصول الشركة في العذاب لا يفيد التخفيف، كما كان يفيده في الدنيا، لأن اشتغال كل واحد بنفسه في شدة العذاب، يذهله عن حال الآخر، فلا تفيد الشركة الخفة، ولا يتمكن كل واحد من مواساة الآخر في كربه وحزنه وألمه، فلكل قدر مشترك من العذاب.
ثم بيّن الله تعالى لرسوله أن دعوته لا تؤثر في قلوبهم تسلية له، فقال:
{أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ أَوْ تَهْدِي الْعُمْيَ وَمَنْ كانَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ} أي أتستطيع يا محمد إسماع أهل الصمم أو هداية أهل العمى أو إرشاد من مستغرقا في ضلال واضح بيّن. وهذا بعد أن وصفهم تعالى بالعشا، وصفهم بأوصاف ثلاثة هي: الصمم والعمى والضلال البيّن، فهؤلاء الكفار ضعاف البصيرة، بمنزلة الصم الذين لا يسمعون ما جئت به أيها الرسول، وبمنزلة العمي الذين لا يبصرونه، وهم مفرطون في الضلالة والكفر والجهالة.
وكان التناسب بينهم وبين الرسول صلى الله عليه وسلم عكسيا، فهو صلى الله عليه وسلم يبالغ في دعوتهم إلى الإيمان الحق، وهم لا يزدادون إلا غيا وتعاميا عن بيّنات القرآن ودلائل النبوة، إمعانا في الكفر، وعنادا في الباطل.
ثم أعلم الله رسوله بانتقامه منهم، فقال:
{فَإِمّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ، أَوْ نُرِيَنَّكَ الَّذِي وَعَدْناهُمْ فَإِنّا عَلَيْهِمْ مُقْتَدِرُونَ} أي إنهم لا يفلتون من العقاب في العاجل أو الآجل، فإن قبضنا روحك وأمتناك أيها الرسول قبل نزول العذاب بهم، فنحن منتقمون منهم إما في
الدنيا أو في الآخرة، وإن أبصرناك الذي وعدناهم به من العذاب قبل موتك، فنحن قادرون أيضا عليه، ومتى شئنا عذبناهم. وقد أقر الله عينه في حال حياته، فقهرهم يوم بدر، وأصبح المتحكم فيهم، المالك لحصونهم وقلاعهم.
والتعبير بالوعد دليل على وقوعه حتما، لأن الله لا يخلف الميعاد.
وبعد هذا الوعد بالنصر، أمره الله بشدة التمسك بالقرآن وهديه، فقال:
{فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ، إِنَّكَ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ} أي تمسّك أيها الرسول بالقرآن الموحى به إليك من ربك، فإنك على طريق قويم ومنهج سليم، مؤد إلى السعادة في الدنيا، والنجاة في الآخرة، وإن كذّب به من كذّب، فذاك لا يضيرك.
ثم أبان تعالى منزلة القرآن، فقال:
{وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْئَلُونَ} أي وإن القرآن لشرف عظيم لك ولقريش والعرب عامة، إذ نزل بلغتهم، وسوف تسألون عن هذا القرآن وكيف عملتم به واستجبتم له وما يلزمهم من القيام بحقه.
ونظير الآية قوله تعالى: {لَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ كِتاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ} [الأنبياء 10/ 21] أي شرفكم،
أخرج البخاري والترمذي عن معاوية رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «إن هذا الأمر في قريش، لا ينازعهم فيه أحد إلا أكبّه الله تعالى على وجهه ما أقاموا الدين» يعني الخلافة فإنها في قريش لا تكون في غيرهم،
قال النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه أحمد ومسلم عن جابر: «الناس تبع لقريش في هذا الشأن، مسلمهم تبع لمسلمهم، وكافرهم تبع لكافرهم» .
وهذا التنويه بمنزلة العرب يجعلهم أولى الناس باتباع القرآن والعمل بأحكامه وشرائعه، وإن كانت الرسالة الإسلامية عامة للناس قاطبة.