الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأبقى للذين صدّقوا بالله ورسوله، وعلى ربهم يعتمدون في كل شؤونهم، ويفوضون إليه أمورهم.
فقه الحياة أو الأحكام:
دلت الآيات على ما يأتي:
1 -
إن الإمداد بالرزق يخضع لحكمة الله ومشيئته، فيعطي بقدر الحاجة، وعلى وفق المصلحة، فلو بسط الله الرزق لعباده، لوقعوا في المعاصي، وبغى بعضهم على بعض، لأن الغنى مبطرة مأشرة، وكفى بقارون وفرعون عبرة، ولذا قال تعالى:{إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى} [العلق 6/ 96 - 7]
وقال صلى الله عليه وسلم: «أخوف ما أخاف على أمتي زهرة الدنيا وكثرتها» .
2 -
قال المالكية: أفعال الرب سبحانه لا تخلو عن مصالح، وإن لم يجب على الله الاستصلاح، فقد يعلم من حال عبد أنه لو بسط عليه، قاده ذلك إلى الفساد، فيزوي عنه الدنيا، مصلحة له. فليس ضيق الرزق هوانا، ولا سعة الرزق فضيلة، وقد أعطى أقواما مع علمه أنهم يستعملونه في الفساد، ولو فعل بهم خلاف ما فعل، لكانوا أقرب إلى الصلاح، والأمر على الجملة مفوّض إلى مشيئته، ولا يمكن التزام مذهب الاستصلاح في كل فعل من أفعال الله تعالى.
3 -
يتولى الله أمور عباده بالإحسان والإنعام، فلو احتاجوا أغناهم بقدر الحاجة، وأنزل عليهم المطر الذي يكون سببا لوفرة الخيرات والغلال والثمار، وعمهم بالرحمة، وهو سبحانه الولي المتولي شؤون عباده وناصر أوليائه المؤمنين، والمحمود على كل لسان.
4 -
من دلائل وجود الله ووحدانيته وقدرته: خلق السموات والأرض
وما فيهما من المخلوقات التي لا يعلم حصرها إلا الله تعالى، وأنه قادر على جمعهم للحشر والحساب يوم القيامة.
ويرى بعض العلماء استدلالا بقوله تعالى: {وَما بَثَّ فِيهِما مِنْ دابَّةٍ} أنه لا يستبعد وجود مخلوقات في الكواكب والعوالم العلوية غير الملائكة، كما تدل الدلائل الفلكية-وربما اكتشاف سفن الفضاء الحديثة-على وجود حياة في كوكب المرّيخ. وليس في هذا دلالة قطعية، لأن في تفسير الآية وجها آخر كما تقدم.
5 -
المصائب في الغالب تكون بسبب الذنوب والمعاصي، فهي عقوبات على السيئات، وقد تكون للابتلاء كما
قال صلى الله عليه وسلم فيما رواه أحمد والبخاري والترمذي وابن ماجه عن سعد: «أشد الناس بلاء الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل» والقصد من الابتلاء رفع الدرجات، لأن الأنبياء معصومون عن الذنوب والآثام، ويكون حصول المصيبة من باب الامتحان في التكليف، لا من باب العقوبة، كما في حق الأنبياء والأولياء.
والعقوبة عن الذنب في الدنيا كفارة له في الآخرة، وهذا في حق المؤمنين، فأما الكافر فعقوبته مؤخرة إلى الآخرة.
قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه عن آية: {وَما أَصابَكُمْ..} .: هذه الآية أرجى آية في كتاب الله عز وجل. وإذا كان يكفّر عني بالمصائب، ويعفو عن كثير، فما يبقى بعد كفارته وعفوه؟! 6 - إن قدرة الله عامة شاملة لكل شيء، ومهيمنة على كل شيء، فلن يستطيع الكفار والمشركون أن يعجزوه أو يفوتوه هربا من سلطانه، ولن يجدوا لهم في الآخرة وليا يتولى أمورهم، ويتعهد مصالحهم، ولا نصيرا يدفع عنهم عذاب الله وانتقامه، فهم في الدنيا والآخرة في قبضة القدرة الإلهية.
7 -
من آيات الله تعالى أيضا على قدرته، ونعمته على العباد، هذه السفن السائرة في عرض البحر على سطح الماء عند هبوب الرياح، أو ما حل محلها من الطاقة الدافعة لمحركاتها، مما صنعه الإنسان بإلهام الله وتعليمه والتمكن من اكتشافه، وشأن الأجسام الثقيلة الكثيفة الغرق في الماء، لكنه تعالى جعل للماء قوة لحمل السفن ومنع الغوص، ثم جعل الرياح سببا لسيرها، فإذا أراد أن ترسو أسكن الريح.
والله قادر على جعل الرياح ساكنة هادئة، فتبقى السفن سواكن على ظهر البحر، وقادر على تعطيل آلاتها وإيقاف محركاتها بأيسر الأشياء، وهو قادر أيضا على جعل الرياح عواصف فيوبق السفن، أي يغرق ركابها بذنوبهم، ويعفو عن كثير من أهلها فلا يغرقهم معها، وحينئذ يعلم الكفار إذا توسطوا البحر وغشيتهم الرياح من كل مكان أو بقيت السفن رواكد أنه لا ملجأ لهم سوى الله تعالى، ولا دافع لهم إن أراد الله إهلاكهم فيخلصون له العبادة.
إن في أمر السفن دلالات وعلامات لكل صبار على البلوى، شكور على النعماء، قال قطرب: نعم العبد الصبار الشكور، الذي إذا أعطي شكر، وإذا ابتلي صبر. وقال عون بن عبد الله: فكم من منعم عليه غير شاكر. وكم من مبتلى غير صابر.
8 -
لا ينبغي التفاخر بمظاهر الدنيا، فإن كل ما فيها من ثروات وقصور ومبان وآلات، هو متاع يستمتع به في أيام قليلة تنقضي وتذهب. وما عند الله من الثواب على الطاعة خير وأدوم للذين صدّقوا بالله ووحّدوه، وتوكلوا على ربهم وفوضوا إليه أمورهم.