الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المناسبة:
لما ذكر الله تعالى أحوال أهل الجنة ذكر أحوال أهل النار أيضا، ليبين فضل المطيع على العاصي، ولما ذكر تعالى الوعد، أردفه بالوعيد، على الترتيب المستمر في القرآن، فبعد أن ذكر ما أعد لأهل الجنة المتقين من ألوان النعيم، ذكر ما أعد لأهل النار الكفار من العذاب الأليم وأسبابه وهي الكفر والمعاصي، مع إحباط مكائدهم ومؤامراتهم لرد الحق المنزل، وإعلامهم بأن الله عليم بذلك، والحفظة الملازمون لهم يكتبون كل ما بدر منهم من قول أو فعل، ليكون عنصر إثبات وحجة عليهم.
التفسير والبيان:
{إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذابِ جَهَنَّمَ خالِدُونَ} أي إن الذين ارتكبوا الكفر بالله في دار الدنيا هم معذبون في عذاب النار، عذابا دائما، مخلّدون فيه أبدا.
{لا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ، وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ} لا يخفف عنهم ذلك العذاب فترة أو لحظة ليستريحوا منه، وهم آيسون من النجاة ومن كل خير، حزينون أشد الحزن.
وسببه ما اقترفوا في الدنيا كما قال تعالى:
{وَما ظَلَمْناهُمْ، وَلكِنْ كانُوا هُمُ الظّالِمِينَ} أي ما عذبناهم بغير ذنب، ولا زدناهم على ما يستحقونه، ولكنهم ظلموا أنفسهم بما ارتكبوا من الذنوب، وبما عملوا من الأعمال السيئة، حيث كفروا بالله ربهم، وكذبوا رسله وعصوا ما جاؤوا به، فجوزوا بذلك جزاء وفاقا، وما ربك بظلام للعبيد.
{وَنادَوْا يا مالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنا رَبُّكَ قالَ: إِنَّكُمْ ماكِثُونَ} أي ونادى المجرمون للتخلص مما هم فيه من العذاب الشديد: يا مالك-وهو خازن النار-
ليمتنا الله أو ليقبض أرواحنا، فيريحنا مما نحن فيه من العذاب، فأجابهم بقوله:
إنكم مقيمون في العذاب، لا خروج لكم من النار، ولا محيد لكم عنها. قال المحققون: سمي خازن النار مالكا، لأن الملك علقة، والتعلق من أسباب دخول النار، كما سمي خازن الجنة رضوانا، لأن الرضا بحكم الله سبب كل راحة وسعادة، وصلاح وفلاح.
وذلك كقوله تعالى: {لا يُقْضى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا، وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذابِها} [فاطر 36/ 35] وقوله سبحانه: {وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى، الَّذِي يَصْلَى النّارَ الْكُبْرى، ثُمَّ لا يَمُوتُ فِيها وَلا يَحْيى} [الأعلى 11/ 87 - 13]. وقد روي أن أهل النار استغاثوا بالخزنة، وسألوهم أن يخفف عنهم ربهم يوما واحدا من العذاب، فردت الخزنة عليهم أسوأ رد:{وَقالَ الَّذِينَ فِي النّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ: اُدْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنّا يَوْماً مِنَ الْعَذابِ. قالُوا: أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّناتِ، قالُوا:}
{بَلى، قالُوا فَادْعُوا، وَما دُعاءُ الْكافِرِينَ إِلاّ فِي ضَلالٍ} [غافر 49/ 40 - 50].
ثم ذكر الله تعالى سبب عقابهم قائلا:
{لَقَدْ جِئْناكُمْ بِالْحَقِّ، وَلكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كارِهُونَ} أي لقد بينا لكم الحق ووضحناه وفسرناه، وأرسلنا إليكم الرسل، وأنزلنا عليهم الكتب، فدعوكم إلى الصراط المستقيم، فأبيتم وكذبتم وكفرتم وعاندتم، وكان أكثركم أي كلكم كارهين للحق وأهله لا يقبلونه.
ولما ذكر الله تعالى كيفية عذابهم في الآخرة ذكر بعده كيفية مكرهم وفسادهم في الدنيا، فقال بطريق الالتفات عن الخطاب إلى الغيبة لبيان كون تدبيرهم أسوأ من كراهتهم للحق:
{أَمْ أَبْرَمُوا أَمْراً فَإِنّا مُبْرِمُونَ} أي بل دبّر مشركو مكة بإحكام كيدا للنبي صلى الله عليه وسلم في دار الندوة بمكة ليقتلوه أو يحبسوه أو يطردوه، والمعنى أنهم كلما