الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ويستجيب أي يجيب، قال الزجاج: استجاب وأجاب بمعنى واحد
(1)
.
وبعد أن وعد المؤمنين بالثواب أو عد الكافرين بالعذاب، فقال:
{وَالْكافِرُونَ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ} أي وللكافرين الذين لم يؤمنوا بالله رسوله يوم القيامة عذاب مؤلم موجع.
فقه الحياة أو الأحكام:
يؤخذ من الآيات الكريمات ما يأتي:
1 -
إن مبدأ الإسلام هو العمل للدنيا والآخرة معا، كما قال تعالى:{وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيا} [القصص 77/ 28]. وقال عبد الله بن عمر: «واحرث لدنياك كأنك تعيش أبدا، واعمل لآخرتك كأنك تموت غدا» . والحرث: العمل والكسب.
2 -
فضّل الله تعالى من أراد الآخرة على من أراد الدنيا في الآية من وجوه ستة هي:
الأول-أنه قدم تعالى مريد حرث الآخرة في الذّكر على مريد حرث الدنيا.
الثاني-أنه قال في مريد حرث الآخرة: {نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ} وقال في مريد حرث الدنيا: {نُؤْتِهِ مِنْها} وكلمة «من» للتبعيض، أي نعطيه بعض ما يطلبه، ولا نؤتيه كله.
(1)
تبين بهذا أن قوله تعالى: وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ.. الَّذِينَ إما فاعل مرفوع تقديره: ويجيب المؤمنون الله فيما دعاهم إليه، وإمّا مفعول محله النصب، والفاعل مضمر وهو الله، وتقديره: ويستجيب الله للمؤمنين، إلا أنه حذف اللام، كما حذف في قوله: وَإِذا كالُوهُمْ [المطففين 3/ 83] والثاني أولى كما ذكر الرازي.
الثالث-أنه تعالى سكت عن طالب حرث الآخرة، ولم يذكر أنه تعالى يعطيه الدنيا أم لا، أما طالب حرث الدنيا، فإنه تعالى بيّن أنه لا يعطيه شيئا من نصيب الآخرة على التنصيص، وهذا يعني أن الآخرة أصل والدنيا تبع، وواجد الأصل يكون واجدا للتبع بقدر الحاجة.
الرابع-أنه تعالى بيّن أن طالب الآخرة يزاد في مطلوبه، وأما طالب الدنيا فيعطى بعض مطلوبه من الدنيا، ويحرم من نصيب الآخرة.
الخامس-إن الآخرة نسيئة، والدنيا نقد، والنسيئة مرجوحة بالنسبة إلى النقد، لأن الناس يقولون: النقد خير من النسيئة، فبين تعالى أن هذه القضية انعكست بالنسبة إلى أحوال الآخرة والدنيا، فالأولى متجهة للزيادة والنمو، والثانية آيلة إلى النقصان.
السادس-الآية دالة على أن منافع الآخرة والدنيا تحتاج إلى حرث وعمل وتعب، وصرف المتاعب إلى ما يؤدي إلى التزايد والبقاء أولى من صرفها إلى ما يؤدي إلى النقصان والانقضاء والفناء
(1)
.
3 -
استنبط ابن العربي من هذه الآية: {مَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ} أن الوضوء تبردا الذي هو من حرث الدنيا، لا يجزئ عن فريضة الوضوء الذي هو من حرث الآخرة، خلافا لأبي حنيفة رحمه الله تعالى
(2)
.
4 -
إن شرع الله الدائم هو ما أنزله على أولي العزم من الرسل، والله لم يشرع الشرك، فمن أين يدين المشركون به؟ 5 - من رحمة الله بالمشركين تأخير العذاب عنهم إلى القيامة، ليعطوا فرصة
(1)
تفسير الرازي: 162/ 27.
(2)
أحكام القرآن: 1655/ 4.
كاملة في أيام العمر كله للإقلاع عن الشرك والكفر، والدخول في ساحة الإيمان والرضا الإلهي. فإن ماتوا مشركين فلهم في الآخرة عذاب مؤلم موجع.
6 -
يبصر الناس الكافرين الظالمين خائفين في يوم القيامة من جراء ما كسبوا، والجزاء حتما نازل بهم. والمراد بالظالمين هاهنا الكافرون، بدليل التقسيم بين المؤمن والكافر.
أما المؤمنون الطائعون لربهم فهم في روضات الجنان، ولهم ما يشتهون من النعيم والثواب الجزيل، وذلك هو الفضل الذي لا يوصف ولا تهتدي العقول إلى حقيقته، لأن الله إذا وصف الفضل بأنه {الْكَبِيرُ} فمن ذا الذي يقدر قدره. قال الرازي: وفي الآية تنبيه على أن الفساق من أهل الصلاة كلهم في الجنة، إلا أنه خص الذين آمنوا وعملوا الصالحات بروضات الجنات، وهي البقاع الشريعة من الجنة.
7 -
يبشر الله عباده المؤمنين بالثواب العظيم حثا لهم على الطاعة، وليتعجلوا السرور، ويزدادوا منه. ولكن هذا الجزاء والبشارة، إنّما هو على الإيمان والأعمال الصالحات.
8 -
عظّم الله تعالى ثواب المؤمنين من وجوه أربعة هي:
الأول-أن الله سبحانه رتب على الإيمان وعمل الصالحات روضات الجنات، وترتيب هذا الجزاء من الله صاحب السلطان الأعظم دليل على أن ذلك الجزاء قد بلغ النهاية التي لا يعلم حقيقتها إلا الله تعالى.
الثاني-أنه تعالى قال: {لَهُمْ ما يَشاؤُنَ عِنْدَ رَبِّهِمْ} وهذا يدخل في باب غير المتناهي.
الثالث-أنه تعالى قال: {ذلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ} وإذا كان هذا من الله الأكبر كان في غاية الكبر.
الرابع-أنه تعالى أعاد البشارة على سبيل التعظيم، فقال:{الَّذِي يُبَشِّرُ اللهُ عِبادَهُ} وذلك يدل على غاية العظمة.
9 -
إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يطلب من قومه أي منفعة مادية على تبليغ الرسالة، وهذا دليل على صدقه وإخلاصه، والحد الأدنى الذي طالب به هو مراعاة قرابته من قريش. قال ابن عباس: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أوسط الناس في قريش، فليس بطن من بطونهم إلا وقد ولده، فقال الله له:{قُلْ: لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى} أي لكن أذكركم قرابتي منكم.
وقد صرح أكثر الأنبياء، بنفي طلب الأجر على تبليغ الرسالة، فقال نوح عليه السلام:{وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاّ عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ} [الشعراء 109/ 26] وكذا قال هود وصالح ولوط وشعيب عليهم السلام
(1)
.
10 -
إن قوله تعالى: {إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى} يشمل قرابة النبي صلى الله عليه وسلم من قريش، وآل بيته الأقارب، وهم كما جاء في بعض الأحاديث: علي وفاطمة والحسن والحسين، فمراعاة قرابته وحبهم واحترامهم واجب بالنص القرآني المذكور، لذا شرع الدعاء لهم في خاتمة التشهد في الصلاة، وهو منصب عظيم، وهو
قوله صلى الله عليه وسلم: «اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، وارحم محمدا وآل محمد» وهذا التعظيم لم يوجد في حق غير الآل، مما يدل على أن حب آل محمد واجب.
ذكر الزمخشري حديثا طويلا في حب آل البيت جاء فيه: «من مات على حب آل محمد مات شهيدا، ألا ومن مات على حب آل محمد، مات مؤمنا مستكمل الإيمان.. ألا ومن مات على بعض آل محمد، جاء يوم القيامة مكتوبا بين عينيه:
آيس من رحمة الله»
(2)
.
(1)
الشعراء: 180، 164، 145، 127، 109
(2)
الكشاف: 82/ 3
وقال الإمام الشافعي رضي الله عنه:
يا راكبا قف بالمحصّب من منى
…
واهتف بساكن خيفها والناهض
سحرا إذا فاض الحجيج إلى منى
…
فيضا كملتطم الفرات الفائض
إن كان رفضا حبّ آل محمد
…
فليشهد الثقلان أني رافضي
11 -
من يكتسب حسنة أو خصلة من خصال الخير، ومنها مودة القربى تأكيدا للآية السابقة، ضاعف الله له الحسنة بعشر فصاعدا، ومن فضله ورحمته تعالى أنه غفور للذنوب، شكور للحسنات. والشكور في حق الله مجاز، والمعنى: إنه تعالى يحسن إلى المطيعين في إيصال الثواب إليهم وفي زيادة الأفضال عليهم.
12 -
أنكر القرآن الكريم على المشركين قولهم: إن هذا ليس وحيا من الله تعالى، وكان قوله سبحانه:{أَمْ يَقُولُونَ: اِفْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً} متعلقا بالمذكور، أول السورة، {كَذلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ..} .. وكان إنكاره في هذه الآية متكررا، فوبخهم أولا بقوله:{أَمْ يَقُولُونَ.} . وثانيا بقوله: {فَإِنْ يَشَإِ اللهُ يَخْتِمْ عَلى قَلْبِكَ} قال قتادة: يطبع على قلبك فينسيك القرآن، فأخبرهم الله أنه لو افترى عليه لفعل بمحمد ما أخبرهم به في هذه الآية. وثالثا بقوله:{وَيَمْحُ اللهُ الْباطِلَ، وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ} أي بما أنزله من القرآن، ورابعا بقوله:
{إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ} وهو نص عام، أي بما في قلوب العباد.
13 -
فتح الله تعالى باب الأمل والرجاء والتوبة لعباده جميعا ليتداركوا أمرهم، فيؤمنوا ويطيعوا ربهم، فذكر أنه يقبل التوبة في المستقبل عن عباده، ويعفو عن سيئات الماضي، ويعلم ما يفعل الناس من الخير والشر، فيثيب على الحسنات، ويعاقب على السيئات.
روى جابر أن أعرابيا دخل مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال: اللهم إني