الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
{فَاخْتَلَفَ الْأَحْزابُ مِنْ بَيْنِهِمْ، فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ عَذابِ يَوْمٍ أَلِيمٍ} أي فاختلفت الفرق المتحزبة من اليهود والنصارى الذين بعث إليهم عيسى، في شأنه أهو الله أم ابن الله أم ثالث ثلاثة؟ وصاروا فرقا وأحزابا، منهم من يقر بأنه عبد الله ورسوله، وهو الحق، ومنهم من يدعي أنه ولد الله، ومنهم من يقول: إنه الله، وقد استقر أمر طوائف النصارى، الكاثوليك والأرثوذكس على أنه هو الرب والإله، وكتبوا على الصفحة الأولى من الإنجيل:«هذا كتاب ربّنا وإلهنا يسوع المسيح» .
فالويل ثم الويل والعذاب الشديد للذين ظلموا من هؤلاء المختلفين في طبيعة المسيح، أهي بشرية أم ناسوتية إلهية؟ وهم الذين أشركوا بالله، ولم يعملوا بشرائعه، إنه عذاب مؤلم شديد دائم في يوم القيامة.
{هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ السّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً، وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ} أي هل ينتظر هؤلاء المشركون المكذبون للرسل إلا مجيء القيامة فجأة، وهم لا يشعرون أو لا يعلمون بمجيئها لانشغالهم بشؤون الدنيا.
فقه الحياة أو الأحكام:
دلت الآيات على ما يأتي:
1 -
ذكر الله تعالى أنواعا خمسة من كفريات المشركين في هذه السورة:
أولها-قوله تعالى: {وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبادِهِ جُزْءاً} .
ثانيها-قوله تعالى: {وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبادُ الرَّحْمنِ إِناثاً} .
ثالثها-قوله: {لَوْ شاءَ الرَّحْمنُ ما عَبَدْناهُمْ} .
رابعها-قوله: {وَقالُوا: لَوْلا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ} .
{عَظِيمٍ} .
خامسها-قوله هنا: {وَلَمّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً إِذا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ} .
2 -
يتعلق المشركون عادة بشبه واهية، فتراهم يسلكون مسلك الغوغائية، فيضجون ويصيحون إذا وجدوا شبهة يمكن التعلق بها في الظاهر، فلو تأمل ابن الزبعرى الآية ما اعترض عليها، لأنه تعالى قال:{وَما تَعْبُدُونَ} ولم يقل:
ومن تعبدون، وإنما أراد الأصنام ونحوها مما لا يعقل، ولم يرد المسيح ولا الملائكة، وإن كانوا معبودين.
3 -
يعتمد المشركون على الجدل السوفسطائي الذي يفقد الموضوعية والهدف، فهو جدل بالباطل، لذا قالوا: آلهتنا خير أم عيسى؟ وما ضربوا هذا المثل للنبي صلى الله عليه وسلم إلا بقصد إرادة الجدل غير الهادف، الذي أريد به الغلبة في الكلام، لا طلب الفرق بين الحق والباطل.
4 -
تمسك القائلون بذم الجدل بهذه الآية: {ما ضَرَبُوهُ لَكَ إِلاّ جَدَلاً.} .
والحق التفرقة بين نوعين من الجدل: الجدل لتقرير الحق، وهذا محمود، والجدل لتقرير الباطل، وهذا مذموم، قال تعالى:{ما يُجادِلُ فِي آياتِ اللهِ إِلاَّ الَّذِينَ كَفَرُوا} [غافر 4/ 40].
5 -
إن جميع الأنبياء والرسل صرحوا لأقوامهم أنهم بشر عبيد لله تعالى، فلا يصح رفع أحد عن المنزلة البشرية كسائر الناس، وعلى هذا فإن عيسى عليه السلام ذو طبيعة بشرية، وليست إلهية كما يزعم النصارى، وما هو إلا عبد كسائر عبيد الله أنعم الله عليه بالنبوة، وجعل خلقه من غير أب آية، وعبرة لبني إسرائيل والنصارى، يستدل بها على قدرة الله تعالى، وكان يحيي الموتى ويبرئ الأكمه والأبرص والأسقام كلها بإذن الله، ولم يجعل هذا لغيره في زمانه، وكان بنو
إسرائيل يومئذ أحبّ الخلق إلى الله عز وجل، لإيمانهم بالله وتوحيدهم إياه، فلما كفروا هانوا وغضب الله عليهم.
6 -
الله تعالى قادر على كل شيء، فهو قادر على أن يجعل بدل الإنس ملائكة يكونون خلفاء عنهم في الأرض، يعمرونها ويشيدون حضارتها، ويتعاقبون بعضهم إثر بعض في تولي شؤونها كلها.
7 -
إن خروج عيسى عليه السلام ونزوله من السماء آخر الزمان من أعلام الساعة، كما أن خروج الدجال من أعلام الساعة.
ورد في صحيح مسلم: «فبينما هو-يعني المسيح الدجال-إذ بعث الله المسيح ابن مريم، فينزل عند المنارة البيضاء، شرقيّ دمشق بين مهرودتين
(1)
، واضعا كفّيه على أجنحة ملكين، إذا طأطأ رأسه قطر، وإذا رفعه تحدّر منه جمان كاللؤلؤ، فلا يحلّ لكافر يجد ريح نفسه إلا مات، ونفسه ينتهي حيث ينتهي طرفه، فيطلبه، حتى يدركه بباب لدّ
(2)
، فيقتله..».
وثبت في صحيح مسلم وابن ماجه عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لينزلنّ عيسى ابن مريم حكما عادلا، فليكسرنّ الصليب، وليقتلنّ الخنزير، وليضعنّ الجزية، ولتتركنّ القلاص
(3)
، فلا يسعى عليها، ولتذهبنّ الشحناء والتباغض والتحاسد، وليدعونّ إلى المال، فلا يقبله أحد».
8 -
لمّا جاء عيسى عليه السلام بالحكمة وهي أصول الدين كمعرفة ذات الله تعالى وصفاته وأفعاله، وبعض الذي يختلفون فيه وهو فروع الدين، أمر قومه بني إسرائيل أن يتقوا الشرك ولا يعبدوا إلا الله وحده، وأن يطيعوه فيما يدعوهم
(1)
أي شقتين أو حلتين.
(2)
اللّد: بلد معروف قرب بيت المقدس من نواحي فلسطين.
(3)
القلاص: جمع القلص، والقلص جمع قلوص: وهي الناقة الشابة من الإبل.