الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
{وَقِيلِهِ} معطوف على {السّاعَةِ} أي وعنده علم الساعة وعلم قيله، أي قيل محمد النبي صلى الله عليه وسلم، والقيل والقال والمقالة والقول بمعنى واحد، أي وقوله {فَاصْفَحْ عَنْهُمْ} أعرض عنهم {وَقُلْ: سَلامٌ} سلام متاركة وهجران، لا سلام تحية {فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ} يطلعون على ما أعد لهم من عذاب، وهذا تهديد وتوبيخ لهم أي للكفار.
المناسبة:
بعد بيان أحوال المجرمين الكفار في الآخرة، أردفه تعالى ببيان استحالة نسبة الولد والشريك له، وأنه المعبود بحق في السماء والأرض وأنه الحكيم في صنعه العليم بكل شيء، وأن الله سبحانه مالك السموات والأرض ومالك كل شيء في الكون، وأن الآلهة المعبودة من دون الله ليس لها أي نفع كالشفاعة في الآخرة، وأن المشركين متناقضون حين يقرون بأن الخالق للكون هو الله، ثم يعبدون معه غيره، وأن حسابهم آت يوم القيامة الذي لا يعلم بميقاته أحد غير الله تعالى.
التفسير والبيان:
{قُلْ: إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِينَ} أي قل يا محمد: إن ثبت ببرهان صحيح لله تعالى ولد، فأنا أول من يعبد هذا الولد الذي تزعمون ثبوته، وأول من يعظمه كما يعظّم الرجل ولد الملك لعظم أبيه، ولكن هذا ممتنع في حقه تعالى، ويستحيل أن يكون له ولد فهو محال في ذاته، لأنه يؤدي إلى العجز والحاجة لغيره والنقص، والإله كامل الصفات. والجملة شرطية لفظا ومعنى، مركبة من شرط وجزاء، والشرط لا يلزم منه الوقوع ولا الجواز أيضا، وهذا كلام وارد على سبيل الفرض والتمثيل، بقصد المبالغة في نفي الولد، وهو أبلغ وجوه النفي وأقواها، كما تقول لمن يجادلك: إن ثبت ما تقول بالدليل فأنا أول من يعتقد به.
وهو مثل قوله تعالى: {لَوْ أَرادَ اللهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً لاصْطَفى مِمّا يَخْلُقُ ما يَشاءُ، سُبْحانَهُ هُوَ اللهُ الْواحِدُ الْقَهّارُ} [الزمر 4/ 39] وقوله سبحانه: {لَوْ
كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلاَّ اللهُ لَفَسَدَتا} [الأنبياء 22/ 21] أي لو كان في السموات والأرض أكثر من إله لفسدت.
ويؤكد نفي الولد قوله تعالى:
{سُبْحانَ رَبِّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ، رَبِّ الْعَرْشِ، عَمّا يَصِفُونَ} أي تنزيها له وتقديسا عما يقولون من الكذب بأن له ولدا، ويفترون عليه تعالى ما لا يليق بجنابه، أو تعالى وتنزه وتقدس خالق الأشياء عن أن يكون له ولد، فهو مالك السموات والأرض، ورب العرش المحيط بالكون، وهو منزه عما يصفه به المشركون كذبا من نسبة الولد إليه.
ثم أمر الله تعالى نبيه بالإعراض عن المشركين المعاندين قائلا:
{فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ} أي فاتركهم أيها النبي يخوضوا في جهلهم وباطلهم وضلالهم، ويلعبوا ويلهوا في دنياهم، حتى يلقوا يوم القيامة الذي يوعدون به. وفي هذا تهديد ووعيد.
ويزيد الله تعالى تأكيده تنزيه نفسه عن الولد قائلا:
1 -
{وَهُوَ الَّذِي فِي السَّماءِ إِلهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلهٌ، وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ} أي هو الله المعبود بحق في السماء، والمعبود بحق في الأرض، فلا يستحق العبادة سواه، وهو الحكيم في تدبير خلقه، العليم بمصالحهم. والمعنى: كما أنه تعالى ليس له ولد، ليس له مكان يستقر فيه، بل له الألوهية والربوبية في الكون كله، وفي كل مكان، ويستحيل عليه المكان، لأنه يكون محدودا محصورا في جهة معينة، له حجم ونهاية، وتلك صفات الحوادث، والله منزه عنها، فلا يحده زمان ومكان، والحكمة البالغة والعلم الواسع يتنافيان مع إثبات الولد لله.
ثم أبطل الله تعالى قول الكفرة: إن الأصنام تنفعهم، فقال:
2 -
{وَتَبارَكَ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما، وَعِنْدَهُ عِلْمُ السّاعَةِ، وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} أي تعاظم وتعالى وزادت خيراته وبركاته الله مالك السموات ومالك الأرض، وما بينهما من الفضاء والهواء وأنواع الحيوان والإنسان وخالق كل شيء، وهو المختص بعلم الوقت الذي تقوم فيه الساعة، وإليه مرجع ومصير الخلائق كلها، فيجازي كل إنسان بعمله، إن خيرا فخير، وإن شرا فشر.
وهذه صفات تتنافى كلها أيضا مع إثبات ولد لله، لأنه تعالى غير محتاج لمعونة أحد من خلقه، كما أن له السلطان المطلق في الحساب والجزاء في عالم القيامة، ولما نفى الله تعالى الولد أتبعه بنفي الشركاء، فقال مؤكدا عدم نفع الأصنام:
3 -
{وَلا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفاعَةَ، إِلاّ 1 مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ، وَهُمْ يَعْلَمُونَ} أي ولا تملك-ولا تقدر-الأصنام وكل معبود مدعو من دون الله الشفاعة عند الله كما يزعم عبادها أنهم يشفعون لهم، لكن من آمن وشهد بالحق على بصيرة ويقين بأن الله واحد لا شريك له، فإن شفاعته مقبولة عند الله بإذن الله. فقوله {وَهُمْ يَعْلَمُونَ} معناه: وهم على علم وبصيرة بما شهدوا به. وهذا دليل على أن إيمان المقلّد وشهادته غير معتبرين.
ثم أبان الله تعالى تناقض المشركين قائلا:
4 -
{وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللهُ فَأَنّى يُؤْفَكُونَ} أي وتا لله لئن سألت هؤلاء المشركين بالله العابدين معه غيره عمن خلقهم؟ لأجابوا بأنه الله، فهم يعترفون بأنه الخالق للأشياء، جميعها، ومع هذا يعبدون معه غيره ممن لا يملك شيئا، ولا يقدر على شيء، فكيف يصرفون عن العبادة الحقه عبادة الله إلى عبادة غيره، مع هذا الاعتراف؟ إنهم في هذا التناقض في غاية الجهل والسفاهة وسخافة
(1)
استثناء منقطع بمعنى لكن، ويجوز أن يكون متصلا كما بينا.