الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وانخداعهم بالدنيا، ومعاملتهم معاملة المنسي بتركهم في النار، دون انتظار الخروج منها أو التوبة واسترضاء الله عن الذنوب السالفة.
التفسير والبيان:
هذه الآيات تبين حكم الله في خلقه يوم القيامة، سواء أكانوا مؤمنين أم كافرين، فقال تعالى مبينا حكم الفريق الأول:
{فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ، فَيُدْخِلُهُمْ رَبُّهُمْ فِي رَحْمَتِهِ، ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ} أي فأما المصدقون بالله وكتبه ورسله واليوم الآخر، والذين عملوا الأعمال الصالحة وهي الخالصة الموافقة للشرع، فيدخلهم ربهم الجنة، وذلك أي الإدخال فيها هو الظفر بالمطلوب، وهو الفلاح والنجاح الظاهر الواضح.
وسمى الثواب رحمة، والرحمة جنة،
لقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: «إن الله تعالى قال للجنة: أنت رحمتي، أرحم بك من أشاء» .
ثم قال تعالى مبينا حكم الفريق الثاني وموبخا إياهم:
{وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا أَفَلَمْ تَكُنْ آياتِي تُتْلى عَلَيْكُمْ، فَاسْتَكْبَرْتُمْ، وَكُنْتُمْ قَوْماً مُجْرِمِينَ} أي وأما الذين أنكروا وحدانية الله والبعث، فيقال لهم تقريعا وتوبيخا: أما قرئت عليكم آيات الله تعالى، فاستكبرتم وأبيتم الإيمان بها، وأعرضتم عن سماعها واتباعها، وكنتم قوما مجرمين في أفعالكم، ترتكبون الآثام والمعاصي، وتكذبون في قلوبكم بالمعاد والثواب والعقاب؟ لذا أردف ذلك بقوله:
{وَإِذا قِيلَ: إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ، وَالسّاعَةُ لا رَيْبَ فِيها، قُلْتُمْ ما نَدْرِي مَا السّاعَةُ، إِنْ نَظُنُّ إِلاّ ظَنًّا، وَما نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ} أي وإذا قيل لهؤلاء الكفار من طريق الرسول صلى الله عليه وسلم والمؤمنين: إن وعد الله بالبعث والحساب، وبجميع
الأمور المستقبلة في الآخرة حق ثابت، وواقع لا محالة، والقيامة لا شك في وقوعها، فآمنوا بذلك، واعملوا لما ينجيكم من العذاب، قلتم: لا نعرف ما القيامة، إن نتوهم وقوعها إلا توهما مرجوحا أو ظنا لا يقين فيه ولا علم، وما نحن بمتحققين ولا موقنين أن القيامة آتية، أي كأنهم نفوا كل الظنون إلا الذي لا ثبوت علم فيه، وأكدوا هذا المعنى بقوله:{وَما نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ} .
وبعد هذا التوبيخ والنقاش، ذكر الله تعالى ما يفاجؤون به من العذاب:
{وَبَدا لَهُمْ سَيِّئاتُ ما عَمِلُوا، وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ} أي وظهر لهم قبائح أعمالهم وعقوبة أفعالهم السيئة، وأحاط بهم، ونزل عليهم جزاء أعمالهم بدخولهم النار، وعوقبوا بما كانوا يهزؤون به في دار الدنيا من العذاب والنكال، ويقولون: إنه أوهام وخرافات.
ثم أيأسهم تعالى من النجاة قائلا:
{وَقِيلَ: الْيَوْمَ نَنْساكُمْ كَما نَسِيتُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا، وَمَأْواكُمُ النّارُ، وَما لَكُمْ مِنْ ناصِرِينَ} أي ويقال لهم: اليوم نعاملكم معاملة الناسي لكم وكالشيء المنسي الملقى غير المبالى به، فنترككم في العذاب، كما تركتم العمل لهذا اليوم، وتجاهلتم ما جاء عنه في كتب الله، لأنكم لم تصدقوا باليوم الآخر، ومسكنكم ومستقركم الذي تأوون إليه هو النار، وليس لكم من أنصار ينصرونكم فيمنعون عنكم العذاب.
وبذلك جمع الله تعالى عليهم من وجوه العذاب الشديد ثلاثة ألوان هي:
الأول-أنه قطع رحمة الله تعالى عنهم بالكلية.
الثاني-أنه جعل مأواهم النار.
الثالث-فقدان الأعوان والأنصار.
ثم ذكر الله تعالى أسباب هذا العقاب أو الجزاء، فقال:
{ذلِكُمْ بِأَنَّكُمُ اتَّخَذْتُمْ آياتِ اللهِ هُزُواً، وَغَرَّتْكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا، فَالْيَوْمَ لا يُخْرَجُونَ مِنْها، وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ} أي ذلك العذاب الذي وقع بكم بسبب أنكم اتخذتم القرآن هزوا ولعبا، وخدعتكم الدنيا بزخارفها وزينتها، فاطمأننتم إليها، وظننتم ألا دار غيرها، ولا بعث ولا نشور، فاليوم لا يخرجون من النار، ولا يطلب منهم العتبى بالرجوع إلى طاعة الله، واسترضائه، لأنه يوم لا تقبل فيه التوبة، ولا تنفع فيه المعذرة.
وبعد أن أثبت تعالى قدرته على البعث بدلائل الآفاق والأنفس، وذكر حكمه في المؤمنين والكافرين، أثنى على نفسه بما هو أهل له تعليما لنا، فقال:
{فَلِلّهِ الْحَمْدُ رَبِّ السَّماواتِ، وَرَبِّ الْأَرْضِ، رَبِّ الْعالَمِينَ} أي الحمد الخالص والشكر الكامل على النعم الكثيرة لله خالق ومالك السموات، ومالك الأرض، ومالك ما فيهما من العوالم المختلفة المخلوقة من إنس وجن وحيوان، وأجسام وأرواح، وذوات وصفات.
{وَلَهُ الْكِبْرِياءُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ، وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} أي ولله العظمة والجلال والسلطان في أرجاء السموات والأرض، وهو سبحانه القوي القاهر في سلطانه فلا يغالبه أحد، الحكيم في كل أقواله وأفعاله وشرعه وجميع أقضيته في هذا العالم.
ورد في الحديث القدسي الصحيح عند أحمد ومسلم وأبي داود وابن ماجه عن