الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التفسير والبيان:
{شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ، وَما وَصَّيْنا بِهِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ} أي بيّن وأوضح لكم من الدّين أيها المسلمون ما أمر به وشرع لنوح أول الرّسل بعد آدم عليهما السلام من التوحيد وأصول الشرائع التي لم يختلف فيها الرّسل وتوافقت عليها الكتب، وما أوحى به إلى النبي محمد صلى الله عليه وسلم خاتم النّبيين من القرآن وشرائع الإسلام ونبذ الشرك، وما أمر به إبراهيم وموسى وعيسى مما تطابقت عليه الشرائع، أن حافظوا على الدّين (وهو توحيد الله والإيمان به، وطاعة رسله وقبول شرائعه) ولا تختلفوا في هذه الأصول التشريعية، فإن هذه الأصول لا ينبغي ولا يصح الخلاف في مثلها.
والخلاصة: شرعنا لكم في هذه الشريعة ما اتفقت عليه الشرائع والأديان كلها في أصول العقيدة من الإيمان بالله ورسله واليوم الآخر والملائكة، وأصول العبادة من إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة، وطاعة الله، قال مجاهد:«لم يبعث الله نبيّا قط إلاّ وصّاه بإقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، والإقرار لله بالطاعة، فذلك دينه الذي شرع لهم» . وكذا أصول الأخلاق وأسس الفضائل كالصدق والوفاء بالعهد وأداء الأمانة وصلة الرحم، وتحريم الزنى والسرقة والاعتداء على الأموال والنفوس. ووصّى الله تعالى جميع الأنبياء عليهم السلام بالائتلاف والجماعة.
ونهاهم عن الافتراق والاختلاف.
وأساس الدين الذي جاءت به الرّسل كلّهم: هو عبادة الله وحده لا شريك له، كما قال عز وجل:{وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلاّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاّ أَنَا فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء 25/ 21]. و
جاء في الحديث الثابت الذي أخرجه
أحمد والشيخان وأبو داود عن أبي هريرة: «الأنبياء أولاد علات
(1)
، أمهاتهم شتى ودينهم واحد» أي أن القدر المشترك بينهم هو عبادة الله وحده لا شريك له. أما اختلاف الأديان في الشعائر الفرعية وأنواع العبادات وتفاصيلها ومناهجها المختلفة من شريعة إلى أخرى، فهذا لا شيء فيه، وإنما اقتضاه التّطور ومراعاة الحاجات والمصالح، كما قال تعالى:{لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجاً} [المائدة 48/ 5].
وهذه الآية انتظمت ذكر الرّسل الخمسة أولي العزم: وهم نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد عليهم الصّلاة والسّلام. وإنّما خصّهم بالذّكر، لأنهم أكابر الأنبياء وأصحاب الشرائع العظيمة والأتباع الكثيرة.
{كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ ما تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ} أي عظم وشقّ على المشركين دعوتهم إلى توحيد الإله ورفض الأصنام والأوثان، وأنكروا واشتدّ عليهم: أن لا إله إلا الله وحده، وأبى الله إلا أن ينصرها.
{اللهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ} أي إن الله يختار لتوحيده والدّخول في دينه من يشاء من عباده، ويوفّق لدينه وعبادته من يرجع إلى طاعته ويقبل إلى عبادته. وهذا يبيّن فضل الله على عبادة المؤمنين أنه هداهم لدينه، بعد أنّ أمرهم بالتّمسك بالدّين القديم الذي أجمع عليه الرّسل.
وسبب التّفرق في الدّين بالرغم من وحدته، هو ما قال تعالى:
{وَما تَفَرَّقُوا إِلاّ مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ} أي ما تفرّق أتباع الأديان في اتّباع الحقّ إلاّ بعد قيام الحجة عليهم، وبعد ما علموا أن الفرقة ضلالة، وما حملهم على ذلك إلا العناد والمشاقة والبغي بينهم بطلب الرّياسة، وشدّة الحمية، والحفاظ على مراكز النّفوذ والمكاسب المادية.
(1)
بنو العلاّت: هم الإخوة والأخوات لأب.