الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النداء السابع عشر: في حرمة التشبه بالكافرين والمنافقين في عقائدهم وسلوكهم
الآية (156) من سورة آل عمران
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
الشرح:
من مظاهر رحمة الله بالمؤمنين وإكرامه لهم؛ لأنهم أولياؤه بإيمانهم به وبلقائه وتقواهم له بفعل أوامره، واجتناب نواهيه من مظاهر إكرامه لهم انه لم يرض لهم أن يتشبهوا بأعدائه وأعدائهم وهم الكفرة المشركون والمنافقون، إذ ناداهم بعنوان الإيمان قائلا:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} . ونهاهم عن التشبه بالكافرين والمنافقين بقوله: {لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا} والكفر اقبح ذنب وأسوأه أي لا تكونوا مثلهم في الكفر والنفاق، وفيما يتولد عنه من الظلم والخبث والشر والفساد وسوء الأخلاق، ومن ذلك قولهم لإخوانهم في الكفر والنفاق إذا ضربوا في الأرض أي خرجوا مسافرين شفى تجارة وغيرها وأصابهم حادث من خوف أو جوع أو مرض فماتوا أو خرجوا غزاة مقاتلين فقتلوا في المعارك الجهادية وهم من المؤمنين الصادقين بوصفهم مؤمنين في الظاهر وهم كافرون في الباطن؛ إذ النفاق هو إظهار الإيمان وإخفاء الكفر في النفس، فقالوا لإخوانهم المنافقين في مجالسهم الخاصة لو كان فلان وفلان وفلان عندنا ما خرجوا مسافرين غزاة مقاتلين، وما ماتوا وما قتلوا، فينتج لهم هذا القول حسب سنة الله تعالى الحسرة والندم والحزن والألم في نفوسهم، كما قال تعالى:{لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ}
أي حسب سنته {حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ} فنهى الله تبارك وتعالى عباده المؤمنين عن التشبه بحال الكافرين والمنافقين الظاهرة والباطنة حتى في السلوك النفسي الخفي، كهذا الذي هو قولهم لإخوانهم لو كانوا عندنا ما ماتوا وما قتلوا، لما ينتج ذلك من الحسرة التي هي ألم يأخذ بخناق النفس بسبب فوت مرغوب، أو فقد محبوب، والله تعالى لا يحب لأوليائه وصالحي عباده المؤمنين به وبلقائه والمطيعين له، ولرسوله، لا يحب لهم ما يؤذيهم من حزن أو حسرة أو ندم، فلذا تهاهم عن التشبه بالكافرين بقوله:{لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقَالُوا لإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ أَوْ كَانُوا غُزّىً لَوْ كَانُوا عِنْدَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا} ثم ذكرهم بقوله: {وَاللَّهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ} ليعلمهم أن الله تعالى هو الذي بيده الحياة والموت فقد يحيى المسافر والغازي، ويميت 1 المقيم في داره وبين أهله، والقاعد عن القتال دون غيره. إذ الأمر له وهو على كل شئ قدير، فلا معنى إذا لما يردده أولئك الكافرون من قولهم: لو كانوا عندنا ما ماتوا وما قتلوا، إلا أن يجعل الله تعالى ذلك حسرة في قلوبهم.
ألا فليحذر المؤمنون مثل هذا القول فإنه قول باطل، ويجلب الألم والحسرة والعياذ بالله تعالى، كما يحذرون كل تشبه بالكافرين في الزي والسلوك وحتى التفكير والهم بالأمور للفوارق بين المؤمنين والكافرين في الاعتقاد، والقول والعمل والصفات الظاهرة والباطنة. وختم تعالى توجيهه لعباده المؤمنين بقوله:{وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} تأكيدا لنهيه لعباده المؤمنين عن التشبه بالكافرين في الظاهر والباطن لما فيه من الضرر والفساد وسوء الحال والمآل فأعلمهم أنه بصير بأعمالهم الظاهرة والباطنة ألا فليعلموا ذلك وليحذروا التشبه بأعدائهم وإلا فستحل العقوبة بهم كما حلت بغيرهم، لأن لله تعالى سننا لا تتبدل ولا تتجول
…
هذا ولنذكر قول الرسول صلى الله عليه وسلم: " من تشبه بقوم فهو منهم " فمن تشبه بالصالحين فهو صالح، ومن تشبه بالفاسدين فهو فاسد، لأن سنة الله تعالى في أن من رغب في شئ وطلبه بجد ورغبة حصل عليه، وفاز به، وما تشبه أحد بآخر إلا لرغبة في نفسه أن يكون مثله فهو كائن إذا لا محالة وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم القائل:" من تشبه بقوم فهو منهم ".
1 يروى أن خالد بن الوليد رضى الله عنه قال عند موته: ما في موضع شبر إلا وفيه ضربة سيف أو طعنة برمح وها أنذا أموت كما يموت البعير، فلا نامت أعين الجبناء!!؟!.
وأخيرا أيها القارئ أو المستمع لهذا النداء وما حواه من النهى عن التشبه بالكافرين في الاعتقاد والقول والعمل والفهم وحتى الذوق، فاحذر أن يراك الله تعالى تتعمد التشبه بالكافرين، فإن عذاب الله شديد، واذكر قوله:{وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} ولا تغفل عنه ولا تنسه.
وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.