الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النداء الثاني والثلاثون: في الأمر بذكر النعم لشكرها وتقوى الله عز وجل، والتوكل عليه سبحانه وتعالى
الآية (11) من سورة المائدة
أعوذ بالله الشيطان الرجيم
الشرح:
اعلم أيها القارئ الكريم أن الله تعالى لا ينادى عباده المؤمنين به وبلقائه إلا ليأمرهم بفعل ما يكملهم أدابا وأخلاقا، ودولة وسلطانا، ويسعدهم في دنياهم وأخراهم، لأنه ربهم ووليهم، والرب لا يريد لعبده ومملوكه إلا كماله وسعادته، والولي لا يريد لوليه إلا ما فيه خيره، وكماله وسعادته، وها هو ذا الله تبارك وتعالى ينادى عباده المؤمنين بهذا النداء:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} ليأمرهم بذكر نعمة عظيمة أنعم بها عليهم، هى أنه ما من مؤمن ولا مؤمنة من يوم تلك النعمة إلى يوم القيامة إلا وهو مأمور بشكر الله تعالى على تلك النعمة، والشكر متوقف على ذكر النعمة بعد معرفتها فلذا قال لهم:{اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ} . وبين موقعها، وجلى لهم حقيقتها، فقال عز من قائل:{إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ} وقد تكررت محاولة قتل نبيهم صلى الله عليه وسلم عدة مرات وفى كل مرة يكف الرب تبارك وتعالى أيدي الخادعين الماكرين، فلم يصلوا بالأذى لرسول الله صلى الله عليه وسلم بالضرب أو القتل ومن تلك المرات محاولة غورث بن الحارث الواردة في الصحيح، وهى أن غورث الأعرابى رأى النبي صلى الله عليه وسلم قد نزل منزلا وتفرق أصحابه عنه يستظلون بالأشجار للاستراحة من عناء الغزو والتعب والسير في سبيل الله وقد علق النبي صلى الله عليه وسلم سيفه بشجرة واستراح كما استراح أصحابه وإذا غورث الأعرابي يأتى إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأخذ سيفه من
الشجرة وسله من غمده وأقبل على الرسول صلى الله عليه وسلم وقال له: من يمنعك منى؟ فقال الرسول صلى الله عليه وسلم الله عز وجل، قال الأعرابي: مقالاته ثلاث مرات والرسول صلى الله عليه وسلم يرد عليه بقوله: الله عز وجل فسقط السيف من يد غورث وجلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم ساكتا لا يتكلم والرسول صلى الله عليه وسلم معرض عنه ودعا النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه فأخبرهم خبر الأعرابي وهو جالس إلى جنبه ولم يعاقبه ولعل الأعرابي كان مبعوثا من قوم مشركين ليقتلوا النبي صلى الله عليه وسلم، فهذه نعمة وهى نعمة نجاة نبيهم من القتل على أيدي أعدائه وأعدائهم، وهى أكبر نعمة شملت المؤمنين عامة من عهده صلى الله عليه وسلم إلى يوم القيامة.
ومرة أخرى وهى أن يهود بنى النضير تآمروا على رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يطلقوا عليه رحى من سطح المنزل الجالس تحته إذ ذهب إليهم مع بعض أصحابه لمهمة تطلبت الذهاب إليهم بمقتضى المعاهدة السلمية التي كانت بينه صلى الله عليه وسلم وبينهم، لكن الله تعالى خيبهم حيث أوحى إليه صلى الله عليه وسلم بالمؤامرة فقام سريعا مع أصحابه، وندم اليهود لما فضحوا وأمر الله رسوله بإجلائهم بحكم المعاهدة التي نقضوها، فحاصرهم صلى الله عليه وسلم برجاله وأجلاهم عن المدينة فالتحقوا بالشام.
وثالثة: تآمر يهود عليه لعائن الله تعالى على قتله صلى الله عليه وسلم بإطعامه سما فنجاه الله تعالى فهذه النعمة نعمة نجاة رسول الله صلى الله عليه وسلم من القتل حتى يتم الله شرعه ويكمل دينه ولما نزلت آية {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِيناً} توفاه الله في حجرته المشرفة التي دفن فيها، ودفن معه صاحباه الشيخان أبو بكر وعمر رضى الله عنهما وأرضاهما، لهذا نادى الله تعالى عباده المؤمنين بقوله:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ} أي بإنجاء نبيكم من القتل المدبر له صلى الله عليه وسلم من قبل أعداء التوحيد وأعداء الإسلام، اليهود، وبين ذلك بقوله:{إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ} أي بقتل نبيكم فكف أيديهم عنكم.
تأمل هذا أيها القارئ كيف نسب الله تعالى القتل إلى المؤمنين والمتآمر على قتله هو نبيهم صلى الله عليه وسلم، فتفهم أن على كل مؤمن ومؤمنة أن يفدى رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه وولده ووالديه والناس أجمعين، وهو كذلك. وتأمل قول الله تعالى:{النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ} . يتبين لك سر أمر الله تعالى عباده المؤمنين بذكر نعمة
الله عليهم بنجاة نبيهم من مكر أعدائه به ليقتلوه، فكف أيديهم وصرفهم خائبين خاسرين.
وأخيرا أمره تعالى للمؤمنين بتقواه بقوله: {وَاتَّقُوا اللَّهَ} ، وذلك لما في تقواه عز وجل من رضاه وولايته الموجبة للسعادة والكمال في الحياتين.
ألا فلنتق الله تعالى، وأمرنا بالتوكل عليه لا على غيره؛ إذ التوكل عليه يحقق المطلوب بدفع الأذى وتحقيق الخير الكثير، وأما التوكل على غيره فإنه يجلب الخيبة والمذلة والضياع.
ألا أيها المؤمن القارئ والمستمع اذكر هذا ولا تغفل عنه فإنه سلم سعادتكم ومفتاح كل نعيم يحصل لكم. وفقنا الله تعالى لذلك وزادنا رضاه آمين.
وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.