الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النداء الثامن والخمسون: في وجوب الاستئذان على من يراد الدخول عليه في بيته، وعدم مشروعية الاستئذان على بيت غير مسكون للعبد حاجة فيه
الآيتان (27 _ 29) من سورة النور
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
الشرح:
إنه نظرا إلى خطر الرمي بالفاحشة، وخطر فعلها وحرمة ذلك بين المؤمنين شرع الله تعالى الاستئذان عند دخول البيوت فنادى عباده المؤمنين قائلا:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ} أي يا من آمنتم بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد نبيا ورسولا، {لا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا} والاستئناس هو الاستئذان، لأن الاستئذان لا يكون إلا من إنسان، ولا يكون من حيوان محال فلذا أطلق الاستئناس وأريد به الاستئذان، وكفيته أن يقف المرء إلى جانب باب المنزل عن يمينه أو عن شماله ويقول:" السلام عليكم أأدخل " ثلاث مرات فإن أذن له في الدخول دخل وإلا انصرف راضيا غير ساخط ولا غاضب. وقوله تعالى: {ذَلِكُم
خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} أي الاستئذان والسلام على أهل البيت قبل الدخول خير للمستأذن ولأهل البيت الذين يريد أن يدخل عليهم؛ إذ علة وجوب الاستئذان هي أن لا يطلع المرء على عورة أخيه، وناظر العورة يتأذى كما يتأذى صاحب العورة سواء بسواء فلذا كان الاستئذان خيرا للجانبين وهو ما أراده الله تعالى بقوله {ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} أي تذكرون أنكم مؤمنون، وأن الله تعالى أمركم بالاستئذان حتى لا يحصل لكم ما يضركم، فتبقى لكم طهارة نفوسكم وسمو أرواحكم، وإن استأذن المرء ولم يجد في البيت أحدا فلا يدخل حتى يوجد من يأذن له بالدخول أو عدمه. وهذا معنى قوله تعالى:{فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَداً فَلا تَدْخُلُوهَا} ، وإن وجد في البيت أحد، وقال للمستأذن: ارجع فإن عليه أن يرجع ولا يسأل لماذا لم يأذن له بالدخول. لقوله تعالى: {وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا} ، لأنه ما أمر صاحب البيت بالرجوع إلا لأمر اقتضى ذلك. وفى الرجوع خير من الدخول بدوم إذن صاحب البيت، ولذا قال تعالى:{هُوَ أَزْكَى لَكُمْ} أي أطهر لنفوسكم وأكثر عائدة عليكم بالخير ومن مظاهر ذلك أن تبقى الألفة والمحبة بينكم.
وقوله تعالى: {وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ} . أي مطلع على أحوالكم وأعمالكم فتشريعه لكم الاستئذان واقع موقعه. وعليه فأطيعوه فيه وفى غيره تكملوا وتسعدوا وقوله تعالى في الآية الثالثة في هذا النداء {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيهَا مَتَاعٌ لَكُمْ} ، هذه رخصة منه سبحانه وتعالى لعباده المؤمنين وهى أن لا يستأذنوا إذا أرادوا دخول بيوت غير مسكونه أي ليس فيها نساء من زوجات وسريات وغيرهن من النساء ممن يحرم النظر إليهن، وذلك كالدكاكين والفنادق والأسواق، وما إلى ذلك فللمؤمن أن يدخل لقضاء حاجة المعبر عنها بالمتاع بدون استئذان لأنها مفتوحة للعموم من أصحاب الأغراض والحاجات من عامة الناس. هذا في الاستئذان، أما السلام فهي سنة في حق كل مؤمن يدخل أو يمر على مؤمن إذ يسلم الراكب على الماشي والواقف على القاعد والكبير على الصغير. فمن دخل دكانا أو نزلا مطعما من السنة أن يسلم قائلا السلام عليكم ويرد عليه من سلم عليه قائلا وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته هذا النداء الموجب للمؤالفة والمحبة بين
المؤمنين والمحقق للطهر والمحافظة عليه ختمه تعالى بقوله: {وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُون} أي ما تظهرون وما تخفون من نياتكم وأقوالكم وأفعالكم وأحوالكم إذا فراقبوه تعالى فيما أمركم به وفيما نهاكم عنه فافعلوا المأمور واتركوا المنهي تكملوا في آدابكم وأخلاقكم وتسعدوا في حياتكم. وفى آخرتكم.
هذا وإليك أيها القارئ الكريم والمستمع المستفيد معلومات إضافية فاذكرها فإنها خير لك وهى:
1-
اذكر أن سبب هذا النداء هو أن امرأة من الأنصار قالت يا رسول الله إنى أكون في بيتي على حال لا أحب أن يراني عليها أحد، لا والد، ولا ولد فيأتي الأب فيدخل على فإنه لا يزال يدخل على رجل من أهلي على تلك الحال فكيف أصنع؟ فأنزل الله هذه الآية. وقال أبو بكر يا رسول الله أرأيت الخانات والمساكن في شرق الشام ليس فيها مساكن؟ فأنزل الله تعالى: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيهَا مَتَاعٌ لَكُمْ
…
} .
2-
إذا أستأذن أحد فقال له صاحب البيت من أنت؟ فلا يقل أنا، وإنما يذكر اسمه أو كنيته. إذ استؤذن على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال للمستأذن من هذا؟ فقال: أنا، فقال1: أنا أنا كأنه كره ذلك.
3-
من آداب الاستئذان أن يقف المستأذن بجانب الباب فلا يعترضه وأن يرفع صوته بقدر الحاجة وأن يقرع الباب قرعا خفيفا، وأن يقول السلام عليكم أأدخل ثلاث مرات فإن أذن له وإلا رجع.
4-
اعلم أن في كل طاعة لله ورسوله خير وبركة وإن كانت كلمة طيبة.
وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.
1 أي الرسول صلي الله عليه وسلم