الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النداء الخامس الخمسون: في وجوب قتال الكفار لإدخالهم في الإسلام ليكملوا ويسعدوا
الآية (123) من سورة التوبة
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
الشرح:
اعلم أيها القارئ الكريم أن هذا النداء الإلهي فيه إشارة إلى قرب وفاة الرسول الحبيب صلى الله عليه وسلم، إذ كان الله تعالى يأمره بالجهاد وأتباعه معه نحو {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ} . وقطعا إن أصحابه معه في الجهاد. إلا في هذا النداء فإنه وجهه تعالى للمؤمنين فقال:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ} . إنه لما طهرت الجزيرة من الشرك وأصبحت دار سلام، وتم هذا في أخريات حياة النبي صلى الله عليه وسلم أمر تعالى المؤمنين بأن يواصلوا الجهاد في سبيله بعد وفاة نبيهم صلى الله عليه وسلم وأرشدهم إلى الطريقة التي يجب أن يتبعوها في ذلك وهى أن يبدأوا بدعوة وقتال أقرب الكفار منهم والمراد بالكفار المتاخمين لحدودهم كالأردن والشام والعراف مثلا.
فيعسكرون على مقربة منهم ويدعونهم إلى خصلة من ثلاث: الأولى: الدخول في الإسلام دين الرحمة والعدل والطهر والصفا والعزة والكرامة فإن أبوا.
فالثانية: وهى قبولهم حماية المسلمين لهم بأن يدخل المسلمون بلادهم يطبقون فيها شرع الله ويحمونه مقابل ضريبة جزئية وهى الجزية التي تضرب على الرجال فقط وتسقط عن العجزة من كبار السن والأطفال والنساء، وبذلك يرى أهل البلاد رحمة الإسلام ونوره وعدله وطهره فيدخلوا فيه بطواعية واختيار بلا إلزام ولا إكراه، فإن أبوا.
فالثالثة: وهى قتالهم حتى يهزموا وتدخل خيل الإسلام بلادهم عنوة وتصبح من مال الإسلام والمسلمين إذ يصبح مال تلك البلاد خراجا، وتصبح تلك البلاد ضمن بلاد المسلمين ثم يعسكرون على حدود البلاد المجاورة، ويعملون ما عملوا مع الحدود الأولى وهكذا حتى يكون الدين كله لله، ولا يبقى من لا دين لله بالإسلام امتثالا لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ
…
} الآية
وقوله تعالى: {وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً} أي قوة بأس وشدة مراس ليرهبوكم وليهزموا أمامكم وقوله تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ} أي بنصره وتأييده، والمتقون هم الذين اتقوا الشرك والمعاصي، والخروج عن السنن الإلهية في النصر والهزيمة.
وفعلا امتثل أمر الله تعالى المؤمنون من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد وفاة نبيهم صلى الله عليه وسلم ما إن انتهت حرب الردة في أطراف الجزيرة حتى قام أبو بكر رضى الله عنه خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم بتجهيز الجيوش الإسلامية إلى الروم عبدة الصليب وإلى الفرس عبدة النار، ففتح الله تعالى عليه ببركة خلافته لرسوله صلى الله عليه وسلم، وتوفى أبو بكر رضى الله عنه، وتولى أمر المسلمين عمر بن الخطاب رضى الله عنه وواصل الجهاد فاستولى على ممالك في الشرق والغرب، واستشهد عمر رضى الله عنه في محراب رسول الله إذ قتله أبو لؤلؤة المجوسي انتقاما منه لكسره عرش كسرى، وتولى أمر المسلمين خليفته عثمان ذو النورين رضى الله عنه وأرضاه فواصل الزحف والجهاد تنفيذا لأمر الله:{قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ} فاتسعت البلاد الإسلامية شرقا وغربا ودخلت ممالك كبيرة وعديدة في دين الله. واستمر الجهاد والفتح وحدود البلاد الإسلامية تتسع شرقا وغربا طيلة ثلاثة قرون وهى القرون التي قال فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم: " خيركم قرني ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم ". وما أن انتهت القرون الذهبية حتى كاد العدو المؤلف من ثلاثة أعداء وهم المجوس واليهود والنصارى حتى أصبح يعرف بالثالوث، كاد أمة الإسلام بالمكر والدس ففرق كلمتها وشتت جيوشها ورجالها ومزق بلادها، وأخذت تتراجع الحدود حتى ضاقت، ووقف المد والجزر والأمر لله من قبل ومن بعد، واليوم البشرية تتطلع إلى الإسلام لينقذها من عللها وأمراضها وظلمتها وشرورها ومفاسدها، فعسى الله تعالى أن يتوب على المؤمنين فتجتمع كلمتهم ودولتهم فينهضون بهذا الواجب: قتال من يلي حدود البلاد الإسلامية
حتى يدخل في الإسلام وهكذا
…
حتى يتم وعد الله في قوله على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم " ليتمن الله هذا الأمر حتى ما يبقى بيت مدر ولا وبر إلا يدخله الإسلام بعز عزيز أو ذل ذليل " وأخيرا فقد اشتملت هذه الآية الكريمة على المعلومات الآتية:
1-
وجوب الجهاد واستمراره على أمة الإسلام حتى لا تبقى فتنة أو اضطهاد لمؤمن، ويكون الدين كله لله.
2-
مشروعية البدء في الجهاد بأقرب الكفار إلى بلاد المسلمين من باب (الأقربون أولى بالمعروف) .
3-
وعد الله تعالى بالنصر والتأييد لأهل التقوى العامة والخاصة باق لا يتبدل ولا يتغير.
4-
أمة الإسلام آثمة إذا لم تحقق هذا الواجب وهو قتال من يلي بلادها حتى يعم الإسلام ديار العالم كافة، ولا يعفى من الإثم إلا أهل الأعذار في قوله تعالى:{لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ} والنساء والأطفال والمجانين، كل بحسب حاله قوة وضعفا. والله نسأل أن يعفو ويغفر، فإنه عفو غفور.
وسلام على المرسلين والخمد لله رب العالمين.